السبت 03/أغسطس/2024

أميركا وسراب التسوية السلمية في الشرق الأوسط

أميركا وسراب التسوية السلمية في الشرق الأوسط

أميركا وسراب التسوية السلمية في الشرق الأوسط

باتريك سيل

صحيفة الاتحاد 25/9/2006

هل بدأ جليد عملية السلام في الشرق الأوسط التي طال تجمدها يتشقق رويداً رويداً؟ هل لنا أن نتوقع ذوباناً لتلك الثلوج قريباً؟ الذي يدعونا لمثل هذه التساؤلات هو أن الرئيس الأميركي جورج بوش قام أثناء اجتماعه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي بإعادة التأكيد على “رؤيته” الخاصة بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع “إسرائيل” .

علاوة على ذلك، ستتوجه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى منطقة الشرق الأوسط قريباً لاستكشاف الكيفية التي يمكن لها بها تحريك الأمور .

وعلى ما يبدو أن إدارة بوش بدأت تنفض عن نفسها آثار الخمول الذي وسم حركتها تجاه عملية السلام العربي- الإسرائيلي، بل يمكن القول إنها ربما تكون قد بدأت في التعرف على حدود القوة العسكرية، والنظر في المزايا المحتملة للحوار ليس فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن بينها هي نفسها وبين إيران .

ولكن هذا كله لا يعدو كونه محادثات تدور عن المحادثات. فليس هناك حتى الآن تلميح يشير إلى أن أميركا مستعدة لاستخدام عضلاتها الحقيقية لتحقيق التسوية في الشرق الأوسط. أما في العواصم الأوروبية والعربية، فإن الآمال لا تزال حية في أن تتمكن “حماس” و”فتح” في نهاية المطاف من دفن أحقادهما وتكوين حكومة وحدة وطنية، توافق على نبذ العنف، وتقبل بالاتفاقات السابقة، وتقوم -إن لم يكن صراحة فعلى الأقل ضمناً- بالاعتراف بـ”إسرائيل”، وبذلك تكون قد وفَت بالمطالب الرئيسية للمجتمع الدولي .

وثمة طائفة من الإشارات الأخرى التي توحي بأن هناك شيئاً يجري على قدم وساق. فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي يتعرض للهجوم حالياً داخلياً وخارجياً بسبب انضمامه إلى بوش في الحرب التي شنها على العراق، وبسبب تغاضيه عن حرب “إسرائيل” على لبنان أعلن مرة أخرى أن أولويته هي تحقيق تسوية للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. غير أن حقيقة أنه لم يبذل سوى جهد ضئيل خلال العشر سنوات تقريباً التي أمضاها في منصبه من أجل تحقيق هذا الهدف، يجعل قيمة تصريحه الأخير في هذا الشأن، لا تزيد عن قيمة اعتراف يدلي به شخص وهو على فراش الموت. ومن بين الدلائل الصغيرة الأخرى على وجود حركة تلك الدعوة التي وجهتها “الرباعية” لرئيس البنك الدولي السابق “جيمس وولفينسون” للعودة إلى المناطق الفلسطينية للإشراف على إنفاق المساعدات الدولية، التي توجد إشارات على أنها ستستأنف عما قريب. ولعلنا نتذكر هنا أن “وولفيسنون” كان قد استقال من وظيفته في وقت سابق من العام الحالي اعتراضاً على تعليق المساعدات عقب فوز “حماس” في الانتخابات التي جرت في أبريل الماضي .

علاوة على ذلك قام الاتحاد الأوروبي، مدفوعاً في ذلك بوجود احتمال حقيقي لحدوث كارثة إنسانية في غزة، بالموافقة على تقديم أموال للفلسطينيين على نحو عاجل للشهور الثلاثة القادمة. في الوقت نفسه، تعرضت “إسرائيل” إلى ضغوط من قبل مصادر عدة منها الولايات المتحدة للإفراج عن أموال الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية التي كانت قد صادرتها في تاريخ سابق وتبلغ قيمتها 500 مليون دولار أميركي .

في الوقت نفسه، نسمع أصواتاً ترتفع منادية بالعودة إلى طاولة المفاوضات. من تلك الأصوات ذلك النداء الذي وجهه “جاريث إيفانز”، رئيس “مجموعة الأزمات الدولية”. ففي مقاله المنشور بصحيفة “الفاينانشيال تايمز” اللندنية في العشرين من سبتمبر الحالي، دعا “إيفانز” الذي يتمتع بشجاعة كبيرة كلاً من “إسرائيل” والرباعية الدولية للقبول بـ”حماس”، التي اختارها الشعب الفلسطيني كشريك شرعي في عملية السلام، لأن “حماس” كما كتب في ذلك المقال، “قد اكتسبت الحق الديمقراطي في تكوين حكومة”. وتوجه “إيفانز” مباشرة إلى لب الموضوع، وحث “إسرائيل” على تبني أسلوب المعاملة بالمثل من خلال قبول اتفاقيات مثل “خريطة الطريق”، وتحويل عوائد الضرائب وإنهاء الاغتيالات، والغارات والقصف، واستئناف المحادثات الثنائية بحسن نية .

وعند هذه النقطة تحديداً تنهار جميع المحاولات الرامية لإحياء عملية السلام .

فالحكومة الإسرائيلية التي يقودها “إيهود أولمرت” ليست مستعدة للدخول في مفاوضات جدية مع الفلسطينيين بل إنها في الحقيقة على استعداد لعمل أي شيء لتجنب هذا الأمر بما في ذلك حشد أصدقائها الأقوياء في الولايات المتحدة ضد أي مبادرة من هذا القبيل .

ولتجنب الضغط الذي يحتمل أن يقع عليه من جانب المجتمع الدولي، فإن أولمرت قد يوافق على التقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولكن ذلك حسب الحد الذي يريد أن يمضي إليه (أولمرت). فنتيجة للفشل الذي منيت به في لبنان وعجزها عن تحقيق الأهداف التي أعلنت أنها تنوي تحقيقها في بداية الحرب، فإن حكومة “أولمرت”، قد لا تستمر في السلطة في “إسرائيل”. ولكن حتى إذا ما استمرت في سدة الحكم، فإننا يجب أن ندرك أنها ضعيفة للغاية من الناحية السياسية بدرجة لا تسمح لها بالتفكير في التوصل إلى تسوية متفاوض عليها مع الفلسطينيين، لأن مثل هذه التسوية تتعارض مع أيديولوجيتها كما تتعارض مع رغبات معظم أعضائها .

وبدلاً من التفكير في العودة إلى أي شيء يشبه حدود 1967 – وهو طلب أساسي من مطالب ما يعرف بوثيقة الأسرى الفلسطينيين ومبادرة السلام العربية في مارس 2002- فإن “إسرائيل” تواصل توسعها الذي لم يتوقف في الأراضي الفلسطينية .

وإذا ما شئنا الاستشهاد بمثال واحد من بين أمثلة عديدة، فإن إيهود أولمرت رخص بإجراء مناقصات بإنشاء 690 منزلاً إضافياً في مستعمرتي “معالي أدوميم”، و”بيتارعليت”، اللتين تهددان بقطع القدس الشرقية العربية عن باقي الضفة الغربية. وقد قدمت الولايات المتحدة اعتراضاً صورياً على ذلك الإجراء، ولكن “إسرائيل” لم تعره أدنى اهتمام .

حقيقة الأمر إذن هي أن إدارة بوش بعيدة عن أن تكون مستعدة لرمي ثقلها وراء التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. ليس هذا فحسب، بل إنها قامت متأثرة في ذلك بـ”المحافظين الجدد” الموالين لـ”إسرائيل”، بالتقليل من أهمية أو درجة إلحاح مثل هذه التسوية. والأهم من كل ذلك، أنها لم تعترف علناً بأن العداء – والتهديد الإرهابي – اللذين تواجههما في العالم العربي والإسلامي يرجعان إلى حد كبير إلى سياستها تجاه القضية الفلسطينية .

على العكس من ذلك، نجد أن الحجة التي يقدمها “المحافظون الجدد” هي أن الغضب العربي تجاه الولايات المتحدة ليست له علاقة بدعم أميركا لـ”إسرائيل”، ولكنه نتاج للمجتمعات العربية المتخلفة وثقافتها العنيفة، وديانتها المتعصبة. وتذهب حجة “المحافظين الجدد” إلى أن الولايات المتحدة، إذا ما أرادت أن تكون آمنة، فإنها يجب أن تقوم بإصلاح المجتمعات العربية -بالقوة إذا ما لزم الأمر. ولذلك ليس هنا ما يستدعي الدهشة، إذا ما عرفنا أن حل الصراع العربي- الإسرائيلي قد هبط درجات عديدة على سلم الأولويات الوطنية للولايات المتحدة الأميركية .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

أحرار العالم يلبون نداء نصرة غزة والأسرى

أحرار العالم يلبون نداء نصرة غزة والأسرى

عواصم - المركز الفلسطيني للإعلام لبى أحرار العالم، اليوم السبت، الدعوات للمشاركة في فعاليات "اليوم الوطني والعالمي لنصرة غزة والأسرى". ودعا القائد...