الأحد 07/يوليو/2024

هل لا يزال بناء السلام ممكناً في المنطقة؟

هل لا يزال بناء السلام ممكناً في المنطقة؟

 

صحيفة الوطن السعودية 2/10/2006

قد يبدو السؤال الذي يطرحه عنوان المقال ساذجاً في ظل الأجواء التي تعيشها المنطقة. ففي ظل طبول الحرب التي تقرع في “إسرائيل” بعد الفشل الذي منيت به في حربها على لبنان، وفي ظل الوضع المتردي والقتل اليومي الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، وفي ظل التوتر الإسرائيلي – السوري، وغيرها حزمة واسعة من القضايا تجعل السؤال المطروح وكأنه سؤال فائض عن حاجة المنطقة، وكأن أجواء السلام التي سادت منتصف التسعينات في المنطقة ذهبت إلى غير رجعة.

في السياسة كل الإمكانات متاحة، كما يمكن الخروج من الوضع الحالي إلى الحرب، يمكن الخروج منه إلى صناعة السلام، ورغم أن تكلفة الحرب أكبر من تكلفة السلام، إلا أن صناعة السلام أصعب على السياسيين من صناعة الحرب. فالحرب تصنع أبطالاً في جميع الحالات، حتى المهزوم يستطيع الاحتفال بأبطاله، أما السلام فهو يعني التنازلات وبناء الجسور، وهو في نهاية المطاف فعل بناء، مقابل فعل الحرب الذي هو فعل هدم، ودائماً عملية الهدم أسهل من عملية البناء، وغالباً ما يفضل القادة الصغار الذهاب إلى العمل الأسهل، لأن الطريق الصعب مليء بالألغام التي يتجنبها السياسي بشكل دائم.

لا يُصنع السلام إلا بين الأعداء، فهو خروج من حالة الصراع وعدم الثقة، إلى حالة من الترتيبات التي تفتح إمكانية للعيش المشترك بين الأطراف المتصارعة، ولأن لا أحد يختار خصمه، إنما هو مفروض عليه، كذلك فهو لا يختار شريكه في صناعة السلام. ففي نهاية المطاف سيصنعه مع الطرف الذي يبادله الكراهية، لذلك أن يختار طرف شريكه في السلام ويصنعه على مقاسه، هو كاريكاتير سلام.

قد يبدو كل كلام نظري في موضوع الحرب والسلام قاصراً عن الإجابة على مشكلة الصراع العربي – الإسرائيلي، فهو صراع معقد وممتد، وهو ليس صراعاً على الأرض والجغرافيا فحسب، بل هو صراع على الرموز أيضاً، وقد يكون الصراع على الرموز هو الأعقد في موضوع الصراع. وقد يبدو أي بحث عن حل لهذا الصراع الذي تجاوز عمره القرن ضرباً من العبث، لأن عوامل الصراع مستمرة ومتجددة وكل محاولة لحله تدفع إلى المزيد من تأججه.

في اللحظات السوداوية أفضل حل للخروج من دائرة الدم التي لا تنتهي هو البحث عن مخرج سلامي من الوضع القائم، لأن الوضع القائم وتفاقمه يدفع إلى مزيد من سفك الدماء، والحالة الوحيدة التي يمكن الحد فيها من سفك الدماء هي صناعة السلام. وهذا لا يعني أن صناعة السلام تنهي كل المشكلات والخلافات، على العكس هناك الكثير من القضايا التي ستبقى في إطار الخلافات، ولكن العملية السلمية تحل القضايا التاريخية الكبرى العالقة بين الطرفين.

إذا أردنا تحديد جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، نستطيع القول إن الاحتلال هو جوهر القضية، ولا شك بأن الفلسطينيين عانوا طويلاً في تحولات خطابهم السياسي وصولاً إلى مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” في حرب عام 1967. ومعالجة هذا الأساس هو الذي يضع الصراع على طريق الحل، من الواضح أن السياسة الإسرائيلية في ظل كل الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت على “إسرائيل” منذ مؤتمر مدريد في عام 1991 تجنبت مواجهة القضية الجوهرية وهي الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها، وكانت، وما زالت، مصرة على التعامل مع الأراضي الفلسطينية بوصفها “أراضي متنازع عليها”، وبالتالي لم تقر لا بالاحتلال ولا بأحقية الفلسطينيين بأرضهم. ولذلك لم تر في القيادة الفلسطينية “شريكاً في صناعة السلام” لأنه لا يتوافق مع رغبتها، وفي ظل رفضها لليد الفلسطينية الممدودة للسلام عبر حل واقعي يحفظ الحقوق الفلسطينية، رفضت “إسرائيل” التعامل مع قيادة منظمة التحرير وبرنامجها السلامي، لأنها ببساطة لم تكن راغبة في دفع ثمن السلام. وهذا الرفض الإسرائيلي لليد الفلسطينية الممدودة، هو الذي دفع الشارع الفلسطيني باتجاه الخيار الآخر الأكثر جذرية والذي يطالب بفلسطين التاريخية، وبالتالي أوجدت “إسرائيل” البيئة الملائمة لنمو حركة حماس، وحصولها على نتائج كاسحة في الانتخابات التشريعية. رفض “إسرائيل” للتلاقي مع حركة فتح والرئيس الراحل ياسر عرفات، دفعها اليوم للتعامل مع حركة حماس، وإذا استمرت “إسرائيل” في رفض التعامل مع الفلسطينيين، ستجد نفسها غداً في مواجهة الجهاد الإسلامي، وربما القاعدة بعد حين. ولذلك على “إسرائيل” أن تعيد النظر في سياساتها إن أي تفكير جدي يقول بأن إعادة الأرضي الفلسطينية والعربية كثمن للسلام هو أقل كلفة من استمرار الصراع، بالتالي على “إسرائيل” أن تدفع هذا الثمن لحل مشكلاتها.

مسؤولية “إسرائيل” الرئيسية عن المشكلة لا تعفي الطرف الفلسطيني من مسؤوليته عن إدارة معركته للوصول إلى حقوقه المشروعة، إن الخطاب الكلي لا يفتح أي أفق لحل في المستقبل. لذلك على القيادة الفلسطينية، خاصة حماس، البحث عن برنامج سياسي قابل للتطبيق، لأن الشعارات الكبيرة قد تكون جميلة ولكن طريقها مسدود وثمنها مجاني، ولذلك يحتاج الفلسطينيون أكثر ما يحتاجون إلى برنامج سياسي سلامي، لا يفرط في حقوقهم، وفي المقابل يخرجهم من صورة التطرف التي وقع فيها الوضع الفلسطيني بعد أحداث 11 سبتمبر. ولذلك لا يستطيع الفلسطينيون أن يركنوا إلى أنهم أصحاب حقوق، فهذا لا يكفي، لأن هناك الكثير من الحقوق التي هدرت وضاعت لأن أصحابها لم يختاروا الطريق الصحيح للوصول إليها.

إن الجريمة التي وقعت في فلسطين هي جريمة إسرائيلية، وإذا كانت المسؤولية التاريخية في صناعة السلام وإعادة الحقوق تقع على “إسرائيل”، فإن المسؤولية الفلسطينية لا تقل أهمية عن طرق الأبواب الصحيحة للوصول إلى حل. وقد تشكل المبادرة العربية التي طرحتها قمة بيروت في عام 2002 المخرج للوضع الفلسطيني من الانشغال بأوضاعه الداخلية، وأساساً صالحاً لشن هجوم سلامي على “إسرائيل”، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل. فعلى الجميع فلسطينياً أن يخرجوا رأسهم من الوضع الداخلي، ليروا موقعهم في الصراع.

* كاتبة فلسطينية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات