الأحد 07/يوليو/2024

الحكومة الائتلافية وتجاوز الاحتكاكات السلبية

الحكومة الائتلافية وتجاوز الاحتكاكات السلبية

 

صحيفةالبيان الإماراتية 2/10/2006

كل المؤشرات والمعطيات تحمل على الاعتقاد بأن النتائج التي تمخضت عن لقاءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كل من نيويورك وواشنطن على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة والمساعي التي بذلتها السلطة الفلسطينية ورئيسها خلال الفترة الماضية، من أجل الوصول إلى توافق فلسطيني داخلي على طريق تشكيل حكومة ائتلافية فلسطينية، وصلت إلى طريق صعب، بعد سلسلة من الاشتراطات والتحريضات التي دفعت نحوها إدارة الرئيس جورج بوش، بما في ذلك تقييد الاعتراف بالحكومة الفلسطينية ربطاً باعتراف حركة حماس بالاشتراطات المقدمة إسرائيلياً بالدرجة الأولى.

فالعامل الأميركي متضافر معه العامل الإسرائيلي فضلاً عن الإقليمي، بات العقبة الكأداء في موضوع تشكيل حكومة ائتلافية فلسطينية، بعد أن أصبحت قاب قوسين، في سياق ما كان يجري من تفاهم وتنسيق بين حركتي فتح وحماس، بعد أن وصلت العلاقة بين الطرفين المشار إليهما إلى درجة لا تطاق في المرحلة التي انقضت مؤخراً.

فلا حركة فتح استطاعت أن تفرض نفسها باعتبارها القوة التاريخية دون غيرها، ولا حركة حماس استطاعت بدورها أن تتوصل إلى مساحات سياسية فعلية مشتركة مع حركة فتح، تقي المواطن الفلسطيني من شرور حروب عبثية فلسطينية – فلسطينية، واغتيالات مجانية، وكوارث داخلية تطل من حين لأخر في مناطق قطاع غزة على وجه الخصوص.

فاستعراض العضلات في مناطق وشوارع ومخيمات القطاع، كاد أن يحول قطاع غزة إلى بؤرة جاهزة للانفجار الداخلي كل لحظة، بعد أن كانت يد الاحتلال هي الطولى في ممارسة التصفيات والاغتيالات واستهداف الكوادر والنشطاء من مختلف القوى.

إن تطويق الاحتقان السياسي وتنفيسه، ووقف الاحتكاكات السلبية، يكون بالاتجاه نحو بناء حكومة ائتلافية، لا في الإيغال بتوليد القطبية الحادة في الشارع وبين الناس واستخدام منطق التحريض والتحشيد الأعمى، أو استحداث المراكز الموازية الأمنية أو غيرها، بل يتطلب تفاهماً ندياً عماده المصلحة الوطنية الفلسطينية أولاً، وسيادة روح القانون ثانياً، والنزول عند استحقاقات انتخابات 25/1/2006 ثالثاً.

وأبعد من ذلك، فإن تداعيات نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 25/1/2006 مازالت تجرجر نفسها في تعقيد الأجواء الداخلية الفلسطينية بين القطبين الأكبر والأوسع نفوذاً في الساحة الفلسطينية. فالبعض من الجسم التنظيمي لحركة فتح مازال رافضاً في الواقع العملي لاستحقاقات الفوز الحماسي، ومتمسكاً بلغة وثقافة المكابرة التي ترى بأن حركة فتح دون غيرها تمتلك الأحقية التاريخية والشرعية الثورية في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية.

وبالتالي فإن استدارة حركة فتح نحو الموقع الثاني يبقى غير وارد عند المجموعات إياها في المشهد الفتحاوي الفلسطيني الداخلي، خصوصاً عندما يترافق المنطق المشار إليه مع لغة المصالح عند متنفذي الأجهزة الأمنية أياً كانوا ومن أي انتماء جاءوا.

بالمقابل، كما يبدو، بدورها، فإن حركة حماس تقف الآن في موقع وقفه غيرها من القوى، وهو موقع «الحنين الفصائلي» لصيغة تقاسم «الكعكة» بدلاً من التشارك فيها، والمقصود بذلك ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية ومرجعيتها العليا باعتبارها الجهة المسؤولة أولاً وأخيراً عن مصير ومآلات الشعب الفلسطيني الواحد الموحد في الداخل والشتات.

ومن هنا أرى بأن دخول حركة حماس وانضواءها في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية الكاملة ومعها حركة الجهاد الإسلامي مسألة على غاية من الأهمية وفق ميزان حضورها ووزنها على الأرض وبين الناس والجمهور في فلسطين ودياسبورا الشتات، ولكن بعيداً عن منطق «المحاصصة الفوقية» أو نظام «الكوتا» المعروف فلسطينياً منذ دخول القوى والفصائل إلى عضوية منظمة التحرير الفلسطينية عام 1968.

وهو المنطق الذي أورثنا التخلف المؤسساتي والعاهات التنظيمية والمسلكية، وحتى الفردية الشخصية على امتداد مسيرة العمل الوطني الفلسطيني المعاصرة، في الوقت الذي مازالت بعض القوى تحلم بـ «الكوتا» في سياق المحافظة على حصتها من كعكة الموقع القيادي في مؤسسات المنظمة، بينما أضحت لا تملك على الأرض من حضور سوى حضور صوتي متحشرج، وطار منطق المحاصصة «الكوتا» ليحل مكانه صوت الشعب والناس عبر صندوق الاقتراع.

وعليه يقع على عاتق العقلاء في حركة فتح مهام استثنائية باعتبارها «أم الولد» لتكريس منطق التحالف مع الشريك الفاعل والمؤثر في الساحة الفلسطينية»، وتجنب حالات الاحتراب الداخلي، وحل الاستعصاءات القائمة بروح إيجابية، منعاً لحدوث انهيارات داخلية في البيت الفلسطيني.

 كما أن حركة حماس، بتجربتها الغضة على صعيد التحول في إدارة السياسات الخارجية بحاجة ماسة إلى حركة فتح الضليعة في تجربتها السياسية في الميدان العربي والدولي، وإلى الجبهة الشعبية وباقي الفصائل الأساسية. فسلامة البيت الفلسطيني بحاجة إلى إحلال العلاقة المتوازنة بين القوتين الأكبر في الساحة الفلسطينية، وبحاجة ماسة لإيجاد نمط من التحالف الكاثوليكي الفتحاوي الحماسي لا تهشيمه وتحطيمه.

أخيراً، إن وقف عملية الاستقطاب الحاد المتنافر، بين حركتي فتح وحماس، مهمة عاجلة لا تقبل التأجيل أو المماطلة والتسويف، ولا تقبل منطق الترقيع و«تبويس اللحى»، فكفى الشعب الفلسطيني مآسيه الآتية بفعل الاحتلال، وكفى تنافرات داخلية بينما يحظى إيهود أولمرت بالعطايا والهبات السياسية الأميركية، وكفى انفلاشاً في حياة مؤسساته المتواضعة. فالمرحلة على غاية من الدقة، وإيهود أولمرت سيطارد الزمن وفق مترادفة خطة «الانطواء»، وعلائم الحل النهائي ترتسم على الأرض من الوجهة الإسرائيلية، خصوصاً بالنسبة لحدود الدولة العبرية الصهيونية، وللكيان الفلسطيني المفترض.

أخيراً، إن الخيارات الفلسطينية المتاحة أمام الرئيس محمود عباس بعد زيارته للولايات المتحدة تبقى مفتوحة، حتى لو ضاقت حدودها، وأطبقت عليها قوة وسطوة الاحتلال. وتكمن بوابتها الرئيسية أولاً في وقف حالات الاستقطاب المرضية المقيتة الجارية بين القوتين الأكبر في الساحة الفلسطينية.

وثانياً في مواصلة الجهود المخلصة لإيجاد وتوليد حالة من التوافق الائتلافي بين قوى البيت الفلسطيني، وبين حركتي فتح وحماس على وجه الخصوص، ومعهما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة مؤسسها التاريخي الدكتور جورج حبش، والجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، وحركة الجهاد الإسلامي بقيادة الدكتور رمضان شلح. ومع هذا لابد من الإقرار بحق القوى الصغيرة المشار إليها في التعبير عن رأيها وفي إشراكها بالقرار الائتلافي تبعاً لحضورها ووجودها على أرض الواقع.

لقد أثبتت التجربة الميدانية بأن الخيارات الوطنية الفلسطينية لا تذوي أو تنهار تحت عوامل الضغط الخارجي مهما كان كبيراً. إنها تكبو وتهدأ هدوء العاصفة، لكنها تصحو وتنبعث بفضل الشعب الفلسطيني، وليس بفضل القيادات التي توج البعض منها نفسه باشا ووصياً على الشعب بأسره.

ومن هنا نرى بأن على القيادة الرسمية الفلسطينية أن تسارع الخطى للولوج نحو معالجة أمور البيت الفلسطيني الداخلي، والاندفاع مرة جديدة لترتيب بناء الحكومة الائتلافية، وبالمقابل يقع على عاتق حركة حماس إبداء المزيد من المرونة السياسية، والنزول عند مستوجبات الحلول الوسط.

كاتب فلسطيني – دمشق

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات