الثلاثاء 01/أكتوبر/2024

حوارات القاهرة… المقاومة أم «خريطة الطريق»؟

حوارات القاهرة… المقاومة أم «خريطة الطريق»؟

لو حاولنا تلخيص الهدف الحقيقي لحوارات القاهرة لما وجدنا أفضل من تلك التصريحات التي أطلقها الدكتور نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الفلسطينية وهو المشرف على تلك الحوارات، التي قال فيها: إن الهدف هو “التوصل إلى اتفاق فلسطيني – فلسطيني تتمكن السلطة بموجبه من التحدث باسم الجميع”، وزاد موضحاً إنه “لا بد من أن يعطي الاتفاق السلطة الحق في التفاوض حول وقف متبادل لكل العمليات”، ويكون ذلك على مرحلتين “المرحلة الأولى، وقف إطلاق نار متبادل ضد المدنيين، والمرحلة الثانية وقف إطلاق نار شامل بين “إسرائيل” والفلسطينيين في كل القرى والمناطق الفلسطينية مقابل انسحاب “إسرائيل” إلى النقاط التي كانت تتمركز فيها قبل اندلاع الانتفاضة” بتاريخ 28 سبتمبر 2000 .

حديث (شعث) هذا إضافة إلى دخول محمود عباس (أبومازن) على خط الحوارات ممثلاً عن حركة فتح يؤكد أمراً مهماً يتمثل في انتصار المقاربة السياسية التي عبر عنها تيار (أبومازن) في السلطة وحركة فتح حول انتفاضة الأقصى. وتقوم تلك المقاربة على أن “عسكرة الانتفاضة” كانت خطأً قاتلاً أدى إلى ضياع “الانجازات” الفلسطينية التي تحققت منذ عام 1993، أي منذ انطلاقة مسيرة (أوسلو).

لا حاجة هنا إلى استعادة النقاش حول “الانجازات” المشار إليها التي لا تتجاوز في واقع الأمر وضع القيادة الفلسطينية تحت رحمة الاحتلال ومنح الشرعية للدولة العبرية في عقل العالم أجمع على اعتبار أن أصحاب الحق قد اقروا لها بـ 78% من فلسطين، وفوقها إمكانية التفاوض على ما تبى.

السلطة ومؤسساتها هي “الانجاز” الذي ضاع بسبب انتفاضة الأقصى، مع أنه لم يضع في واقع الحال، لا لشيء، إلا لأن (شارون) يريد بقاءها بين الحياة والموت حتى يمكنه المساومة عليها، بدل فقدان القيادة لكل شيء ما يدفعها إلى طريق واحد لا سبيل سواه هو المقاومة.

مقاربة (أبومازن) لا تقول ذلك فحسب، بل تقول إن المقاومة قد هزمت، والحال أن المقاومة لم تهزم أبداً، وما هزم عملياً هو الإيمان بها من طرف بعض أركان السلطة، ذلك أن مرور سبعة شهور على عملية “السور الواقي” لم يسجل للاحتلال انتصار حقيقي على المقاومة، بدليل تواصل العمليات التي تتمرد على الحصار وحظر التجول وكل سياسات القتل والاغتيالات وهدم البيوت التي كلفت قوى المقاومة غالياً حتى الآن. وفي كل الأحوال فإن مصطلح الهزيمة في معادلة مقاومة ضد احتلال لا يستخدم إلا في حال إعلان قيادتها الاستسلام لشروط عدوها.

تواصل المقاومة لم يؤكد أن الهزيمة لم تقع وحسب، بل أكد أيضاً أن (شارون) مازال عاجزاً عن فرض شروطه على الشعب الفلسطيني، فيما تبدت ملامح قدرته على فرض ذلك على السلطة، بدليل قبولها لخريطة الطريق الأمريكية التي لا يمكن اعتبارها أكثر من وثيقة استسلام يفرضها منتصر على مهزوم، وإلا فما معنى اعتبار الانسحاب حتى حدود سبتمبر 2000 شيئاً مهماً يستحق دفع كل تلك المطالب من طرف السلطة، والتي تصل حدود الصدام مع المقاومة ونبذ التحريض، وذلك على أمل تحقيق حلم أبعد يتمثل في دولة مؤقتة على معظم قطاع غزة و42% من الضفة الغربية من دون سيادة ولا قدس ولا عودة لاجئين.

تلك هي أزمة (حوارات القاهرة). إنها تريد من قوى المقاومة أن تمنح السلطة تفويضاً بقبول “خريطة الطريق”، والتنازل عن حقها في المقاومة مقابل وعود لن تصل في يوم من الأيام ما هو أقل بكثير مما عرض على السلطة في كامب ديفيد، يوليو عام 2000 .

(شارون) وفي مفارقة مضحكة، لم يلتفت إلى حوارات القاهرة، ولا يبدو معنياً بتقديم أي مقابل يذكر لمن يديرونها، فهو يواصل سياسة ملاحقة “الإرهاب” من دون هوادة، في ذات الوقت الذي ينتظر التغيير في العراق لكي يفرض ما يريد على الفلسطينيين والوضع العربي.

لا أدري كيف لا يسأل من يديرون حوارات القاهرة أنفسهم حول المستقبل، سواءً بتغيير النظام في العراق أم من دونه، فإذا كان أفق السلام الإسرائيلي قبل (شارون) وانتفاضة الأقصى وحرب العراق هو ما طرح في كامب ديفيد، وما يكرره (متسناع) اليوم، مؤكداً أنه لايتجاوز 65% من الضفة الغربية مع قطاع غزة.. إذا كان ذلك هو الأفق في ظل هذه المعطيات، فما هو الأفق الآخر بعد إعلان الاستسلام الفلسطيني والإقرار بالهزيمة أمام سطوة القوة الشارونية؟ وما هو ذلك الأفق بعد التغيير في العراق، وما يعوّل عليه من تراجع في الوضع العربي أمام السيد الأمريكي الذي جاء تعيينه للمتطرف الصهيوني (اليوت ابرامز) مسؤولاً عن ملف الشرق الأوسط وشؤون التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي بمثابة إعلان ضمني بأن الرغبات اليهودية أوامر، وهو لن يتردد في تنفيذها بحال من الأحوال.

لقد كان الأولى من تركيز تلك الحوارات على وقف المقاومة، أن تكون ثمة حوارات أخرى تركز على تصعيدها لكسر إرادة (شارون) وإقناع الشارع الإسرائيلي أن على هذه الأرض شعب لا يتراجع أمام القمع مهما طال أمده. والحقيقة أن ذلك أكثر من ممكن، ومن يعتقد غير ذلك هو المهزوم، فهو متاح ولا يحتاج إلا إلى اتفاق شامل على كسر حظر التجول والحصار والاشتباك مع جنود الاحتلال ومستوطنيه في كل مكان. وإذا كانت المقاومة مازالت تواصل الفعل على رغم كل ما جرى، فهل سيكون الأمر صعباً إذا تبنت القيادة الفلسطينية ذلك من دون خوف ولا تردد؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الحصاد المرّ لحرب الإبادة على قطاع غزة

الحصاد المرّ لحرب الإبادة على قطاع غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أصدر المكتب الإعلامي الحكومي، مساء اليوم الاثنين، تحديثًا لبيانات حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي...