الثلاثاء 06/مايو/2025

إسرائيل هي الدولة الوحيدة المقبولة عضواً في الأمم المتحدة بشروط

إسرائيل هي الدولة الوحيدة المقبولة عضواً في الأمم المتحدة بشروط

مقدمة

ها نحن قد وصلنا إلى نهاية العقد العاشر منذ إعلان برنامج بازل الذي أعلن فيه عن عزم الحركة الصهيونية العالمية على إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، كما وصلنا إلى العقد الخامس على قيام دولة اليهود في فلسطين، وبرغم مظاهر المعاهدات والاتفاقيات المعلنة والترتيبات السياسية غير المعلنة بين رموز النظام العربي ورموز الحركة الصهيونية وقادة الدولة اليهودية، إلا أن الصراع يتوسع ويزداد عمقاً ويشتد عنفاً .

لقد استخدم أطراف الصراع كافة الوسائل والأدوات في إدارة هذا الصراع فقد جربوا أدوات الصراع التقليدية من حرب ساخنة وجيوش وأسلحة ومقاطعات اقتصادية ومناورات سياسية وضغوط دبلوماسية، كما جربوا أدوات غير تقليدية من هجرة جماعية وإقامة مستعمرات وترحيل جماعي للسكان الأصليين وحروب نفسية وعقائدية وانتفاضة وعمليات عنف أخرى ومع ذلك لم ينجح أطراف الصراع في الوصول إلى تسوية سياسية تضع حداً لهذا العنف المتواصل، وظل الوضع العربي – الإسرائيلي مأزوماً في مرحلة الصراع الساخن كما في مرحلة المعاهدات والمفاوضات السياسية .

إن المراقب للصراع العربي –الإسرائيلي سوف يلحظ أنه في جميع مراحل هذا الصراع الدامي، وفي كافة منعطفاته التاريخية، ظل القانون مستبعداً كأداة بديلة للعنف والدمار، كما أنه سوف يلحظ أن هذا الاستبعاد لم يكن عن غفلة أو سهو بل كان مقصوداً وهذا هو مناط البحث الذي أقدمه أمام هذه النخبة الكريمة، وقبل الولوج إلى صلب الموضوع، لا بد من التأكيد على تحفظ مؤداه أنني لا أدعي أن استخدام القانون الآن سيكون العصا السحرية التي لو ضربنا بها البحر لانشق على الحل المرتجى، فالقانون – في نهاية الأمر ليس إلا مكوناً من مكونات القرار، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الدولي .

وكي لا نتوه في التعميمات، أود أن أشرح هذا التحفظ بمثالين أحدهما على مستوى القانون المحلي والآخر على مستوى القانون الدولي، أما على المستوى المحلي، فإن القرار السياسي في إسرائيل هو الاستمرار في مصادرة الأراضي المحتلة وإقامة المستوطنات اليهودية عليها، وحين اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بإقامة مستوطنة في جبل أبو غنيم لم تعلن أنها تسترجع أملاكاً لليهود تقع في جبل أبو غنيم، بل أدت أنها تصادر هذه الأراضي – برغم أنها تضم أملاكاً لليهود – لإقامة شقق عليها بما في ذلك العرب الفلسطينيين والسؤال هو لماذا تحاشت الحكومة الإسرائيلية الإعلان عن حقها في استرجاع أملاك اليهود في جبل أبو غنيم؟ ويلحظ أن هذا الموقف الإسرائيلي ثابت منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، أي أن لا حكومة إسرائيلية طالبت باسترجاع أملاك اليهود في الضفة الغربية، وكان هذا الموقف أشد بياناً أثناء مفاوضات إعادة الانتشار في الخليل برغم أن لليهود أملاكاً في الخليل منذ فترة طويلة .

والسبب في عدم المطالبة بأملاك اليهود هو تجنيب الوقوع في مطب قانوني مؤداه إن كان للحكومة الإسرائيلية الحق في المطالبة بأملاك اليهود في الضفة الغربية، فإن للأردن الحق بالمطالبة بأملاك الأردنيين الواقعة في منطقة الخط الأخضر، وسيكون للسلطة الفلسطينية ذات الحق في مفاوضات الوضع النهائي، ولذلك نلحظ أنه بعد توقيع معاهدة وادي عربة، سارعت إسرائيل لتمرير قانون في الكنيست سمي قانون تنفيذ معاهدة السلام الإسرائيلية – الأردنية وقد صادر عملياً حق الأردنيين في المطالبة بأملاكهم الواقعة في إسرائيل، وسوف نأتي على هذا القانون فيما بعد .

إن العنصر القانوني في مكونات القرار الإسرائيلي يبدو جلياً فمن هذا المثال، والاجتهادات القانونية الإسرائيلية غالباً ما تجد تعبيراً لها في القرارات الإسرائيلية .

أما المثال الآخر على اعتبار القانون مكوناً من مكونات القرار على المستوى الدولي فسوف نأخذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 كمثال، حين تأكد الرئيس كنيدي أن صواريخ بالستية أقيمت على الأراضي الكوبية وأن لهذه الصواريخ قدرة على حمل رؤوس نووية مما شعر معه بتهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي، اتخذ قراراً بضرورة سحب هذه الصواريخ أو تدميرها، إلا أن هذا القرار، وقبل إعلانه رسمياً في 24/10/1962، استغرق أسبوعين من النقاش القانوني المكثف مع مستشاريه باعتبار أن ميثاق الأمم المتحدة قد حرم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها إلا في حالة الدفاع عن النفس، وطبقاً للميثاق وأسس القانون الدولي المعاصر، فإن أية إجراءات باستخدام القوة ستكون محرمة دولياً ما لم يكن التهديد مباشراً للاستقلال الوطني والوحدة الإقليمية لأراضي الدولة المستهدفة، وبعد جدال طويل مع مستشاريه، خرج الرئيس كنيدي بمقولة (العزل البحري) على كوبا، وهو إجراء لم يستهدف استقلال كوبا ولا وحدة أراضيها وذلك تمشياً مع متطلبات القانون الدولي .

ونعود الآن إلى صلب موضوعنا واستخدام القانون الدولي كأداة لحل النزاع.

دولة اليهود والأسس القانونية

– محاولات هيرتزل الأولى

حين أقر مؤتمر بازل عام 1897 برنامجه السياسي، كان الهدف الأول للمؤتمر هو “إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين، يكون مضموناً بالقانون العام”، وهذا يؤكد منذ بداية المشروع الصهيوني أن إقامة دولة لليهود يجب أن تكون قائمة على أسس من القانون وكان ثيودور هرتزل أميناً لهذا المبدأ، فقد حاول مع القيصر الألماني عام 1898، كما حاول مع السلطان العثماني عام 1901 للحصول على موافقتهم لإقامة دولته، وقدم اقتراحاً للحكومة البريطانية عام 1902 بمنحه حق الاستيطان في شبه جزيرة سيناء، إلا أن جميع محاولاته فشلت، ولم يعش هيرتزل طويلاً لكي يقوم بتنفيذ ما عرضته بريطانيا عليه عام 1903 باقتطاع أجزاء من يوغندا، فقد توفي هيرتزل عام 1904 وكان قد وافق على الاقتراح البريطاني من حيث المبدأ .

وبوفاة هيرتزل، مات الالتزام الصهيوني الأول بإقامة دولة يضمنها القانون الدولي العام، وبدأت مرحلة حاييم وايزمن، والتي، وإن كانت ملتزمة بخط هيرتزل، إلا أنها بدأت تميل نحو المنهج العملي (البراجماتي) مع تواتر فشل هيرتزل في الحصول على موافقة دولة ذات سيادة على مشروعه، كان من أهم محاولات حاييم وايزمن في الحصول على غطاء قانوني للمشروع الصهيوني هو ما نطلق عليه خطأ (وعد بلفور) والأصح أنه “إعلان بلفور” وسوف نتوقف عند هذا الإعلان قليلاً :

إعلان بلفور – مبدأ “سوف يعني ما نريده أن يعني ..”

إن النص الذي نعرفه حالياً هو المشروع رقم (7) وقد سبقه ستة مسودات، وكان حاييم وايزمن هو المفاوض الرئيسي مع الحكومة البريطانية ممثلة آنئذ باللورد بلفور، كانت المشاريع التي قدمها الدكتور وايزمن تشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مبدأين رئيسيين وهما: أن المنظمة الصهيونية العالمية هي الممثل الشرعي لما يسمى بـ”الشعب اليهودي”، وأن لليهود حقاً تاريخاً في فلسطين، ولم يكن من المسودات الأربع الأولى لهذا الإعلان أية إشارة لحقوق وأوضاع السكان الأصليين، وحين عرض المشروع الرابع في مجلس الوزراء البريطاني أثار أدوين مونتاجيو، وهو العضو اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء، عدة ملاحظات على ذلك المشروع ووزع مذكرته المشهورة المسماة “لا سامية الحكومة الحالية”، ومن الملاحظات التي تعنينا هنا هو قوله أن الصهيونية لا تمثل اليهود، وأنه يجب حمايتهم من ادعاءات المنظمة الصهيونية بتمثيلهم، والملاحظة الأخرى كانت تتعلق بوضع السكان الأصليين في فلسطين، وتجدر الإشارة إلى أن مذكرة مونتاجيو قد تنبأت بما جرى ويجري حالياً من خروقات متواصلة لحقوق الفلسطينيين ولا سيما بشأن مصادرة الأراضي ومعايير اكتساب الجنسية في دولة اليهود، أما ملاحظته الثالثة حول الحق التاريخي لليهود في فلسطين فهو أن فلسطين سوف تصبح “جيتو العالم”، وأن قبول هذا الإدعاء الصهيوني سوف يجعل من موقفه هو، كوزير يهودي في حكومة صاحب الجلالة، موقفاً صعباً إذ سوف يشار إليه بأنه غريب هنا ويجب عليه أن يعود إلى وطنه الأصلي .

وقد أخذت ملاحظات أدوين مونتاجيو باهتمام كامل في صياغة المشروع السابع والأخيرة لإعلان بلفور، والنص الذي نقرأه حالياً، لم يتضمن أية كلمة تشير إلى أية “وعود” تقدمها الحكومة البريطانية، وتضمن بنص صريح قاطع شرطين أساسين هما: أنه لمن المفهوم بشكل واضح أن لا شيء سوف يهدد الحقوق المدنية والدينية للجاليات غير اليهودية الموجودة في فلسطين أو الوضع السياسي لليهود في الأقطار الأخرى، كما تم حذف أية إشارة إلى الحق التاريخي لليهود في فلسطين .

وقد سجل الدكتور حاييم وايزمن في مذكراته أنه حين خرج سكرتير مجلس الوزراء من اجتماع المجلس بعد موافقته على ذلك النص، وكان ينادي عليه: دكتور وايزمن .. إنه ولد، وبعد أن قرأ النص، يقول وايزمن ((للوهلة الأولى لم أحب ذلك الولد. إنه ليس الولد الذي توقعت..)) ومع ذلك فإن وايزمن يصر على أن هذا الإعلان “سوف يعني ما نريده أن يعني..” .

من هذا التسجيل نصل إلى أن إعلان بلفور كان هزيمة للمشروع الصهيوني وتمسك الإعلان بمبادئ قانونية أهمها أن الإدعاء بالحق التاريخي لليهود في فلسطين لا أساس له، وأن المنظمة الصهيونية لا تمثل “الشعب اليهودي” وأنه إذا أقيم وطن قومي يهودي في فلسطين فإن ذلك سوف لا يمس الحقوق المدنية والدينية للفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين .

إن تضمين إعلان بلفور في صك الانتداب على فلسطين بنصه الكامل يؤكد أن المبادئ القانونية المذكورة قد أصبحت مبادئ قانونية دولية وذلك بموافقة عصبة الأمم عليها .

من  المؤكد أن الضمانات الواردة في إعلان بلفور لحقوق الفلسطينيين هي أقل بكثير من الحقوق الوطنية المقررة لشعوب المناطق الأخرى التي كانت واقعة تحت الحكم التركي، وقد اعترف بلفور  نفسه بذلك في مذكرة رسمية وزعت على مجلس الوزراء في 11/8/1919، إذ قال فيها:

إن التناقض بين نصوص (ميثاق عصبة الأمم) وسياسة الحلفاء هي أشد مخالفة في حالة “استقلال الشعب” في فلسطين عنه في حاله: “استقلال الشعب” في سوريا. إذ في فلسطين لم نقترح حتى التعرف على رغبات سكانها الحاليين .. فالدول الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية .

إن هذا التناقض بين ميثاق عصبة الأمم، وقد كان ذلك الميثاق ممثلاً لأحكام القانون الدولي كما كان سائداً آنئذ، وبين ممارسات الدول الكبرى المؤثرة على المسرح الدولي، قد هيأت للدكتور وايزمن أن يحزم أمره ويقرر أن إعلان بلفور “سوف يعني ما نريده أن يعني ..” وهكذا دخلنا مرحلة سوف نشهد فيها تطبيقاً عملياً للقول الكريم: {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}، فصانعوا القرار

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية "نادي الأسير الفلسطيني"، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت 58 أمر...