حوار مع اليهودي المراكشي وسجن إسرائيل بتهمة إفشاء الأسرار مردخاي وعنونو

في صيف 1985 حاورت تانا سوكباكر مردخاي وعنونو، وقد كان آنذاك طالباً متخرجاً من شعبة الفلسفة مع عدد من الطلبة اليهود ذوي أصول شرقية، في جامعة “بئر شيفا” لقد عرف هذا الحوار مؤخراً طريقه إلى الظهور، وهذه إحدى رواياته المنشورة، تسلط الضوء على الإطار الأخلاقي والسياسي الشخصي لمردخاي في نقطة حساسة من حياته وتبرز رؤية تنبؤية للوقائع السياسية اليوم لإسرائيل وفلسطين .
عن سؤال سوكباكر يصف مردخاي جذوره؟
والدي مغربيان، كان أبي بقالاً وجدي كان زعيماً روحياً لطائفة يهودية، أمي أتت من إحدى القرى، لا أعرف الكثير عن ماضي والدي، ولدت بمراكش وعشت في الملاح الحي اليهودي وهي حي يشبه “بغيتو” يحيط به سور، وقد عاش أغلب اليهود في الملاح، كنا ندرس اللغة الفرنسية لنصف يوم والعربية في النصف الآخر وكنا نقرأ ساعة واحدة مخصصة للعبرية في اليوم، لا زلت أتذكر حين بدأوا يدرسون لنا مبادئ الإسلام .
كانت المدرسة بعيدة شيئاً ما، لهذا فإني كنت أمر من شوارع يقطنها العرب والتقي مع عدد كبير منهم. كانت هناك ساحة كبرى، شبيهة بسيرك مفتوح تدعى “جامع الفنا” كان الناس يأتون إليها من أماكن عديدة ليتفرجوا على العروض، هناك من يقوم بألعاب بهلوانية في الهواء، وهناك مروضو الثعابين، وآخرون، يلعبون، يغنون، كان أحدهم يقرأ القرآن، والناس يتعلقون حولهم ويتفلسفون، وباعتباري كنت طفلاً صغيراً فإنني كنت أحب أن أتنقل بين هذه الملاقي .
ليست هناك علامات يتميز بها اليهود، لكن البعض كان يضع “شاشية” على رأسه، لم أكن أضع الشاشية آنذاك، وضعتها فقط في السنة الأخيرة قبل أن أغادر مراكش سنة 1963 .
كنت أتكلم اللغة العربية بالمغرب ودرست بعض الأدب العربي، كنت أتجول بين العرب وأحس بالارتياح معهم، هنا أيضاً أحس بالارتياح مع العرب، في هذا البلد، ذهبت إلى مدرسة بيت يعقوب التي يديرها “أكودات إسرائيل” لا زال والداي يتحدثان اللهجة المغربية، لم تتعلم أمي العبرية جيداً، وأبي كان يعرف بعض العبرية عن ديانته، إلا أنني في المنزل أتحدث معهما بالدراجة المغربية فقط، وخارج المنزل أتكلم العبرية فقط، كنت أريد أن أصبح إسرائيلياً (يضحك) .
لماذا ؟
لأنه لم يكن لدي خيار، نحن هنا في هذا الوطن إذن كل شيء منته، ما زال البعض يحب الأغاني التقليدية المغربية لكنني لا أتذوقها لأنه نوع من الإحياء الاصطناعي للماضي، أعتقد أنه شيء مهم أن نتحدث العربية مع العرب هنا كما يجب أن نعرف أغانيهم، بالنسبة لي ليس هناك فرق بين ما كان عليه الأمر بالمغرب لا ينبغي أن نصر أكثر على هذه النقطة .
لكن هناك فرقاً بالنسبة لأبويك؟
نعم، لم يتغيرا ولا يريدان أن يتغيرا ولو قليلاً، ليس لأنهما يحافظان على تقاليدهما وإنما وبكل بساطة لأنهما يعيشانها .
وماذا عن العلاقة مع العرب ؟
في المغرب كانت هناك علاقة أما هنا فليس هناك أي شيء، فقط كنا نراهم في الأسواق البدوية، لم تكن لدي أبداً علاقة بالعرب حتى ذهبت إلى الجامعة وآنذاك بدأت أبحث عن روابط وعلاقات معهم .
ولمَ بالضبط كنت تريد خلق علاقة مع العرب ؟
ماذا تعنين بصيغة (لم بالضبط)؟ إنك تلتقي معهم، تعيش معهم، تدرس معهم، ورغم هذا إنهم أقلية 10 إلى 15% من الطلبة، ربما لدي ميول للبحث عنهم لأن لدي إحساساً بأننا نستطيع أن نكون أصدقاء، كنت أريد أن أحقق مساواة ليس فقط أن أتحدث عنها، اندمجت في هذا الإطار بجدية أكبر وبشكل عملي، عندما مارست النشاط السياسي في الجامعة، آنذاك وجدت أن أفكاري أقرب إلى الأفكار السياسية للطلبة العرب وبذلك توطدت العلاقة أكثر.
في هذه اللحظة تدخل طالب عربي كان جالساً معنا وقال:
((جئنا سوياً إلى الجامعة، ودرسنا معاً، كان الجناح اليميني مسيطراً على اتحاد الطلبة، وبذلك فقد الطلبة العرب امتيازاتهم في ما يخص المنح والإيواء فبحثنا عن روابط مع الطلبة اليهود من أجل حملات انتخابية ثنائية، اقنعتك بالترشح لاتحاد الطلبة، وانتخبت وبدأت تناضل)) .
بعد ذلك شكلنا إطاراً عربياً – يهودياً كان يسمى “المخيم” كما الأمر في جامعات أخرى نظمنا عدداً متنوعاً من الأنشطة وإلى حد الآن .
لنمر الآن إلى أسئلة أكثر عمومية، كان على إسرائيل أن تجد وسيلة للتعامل مع القضية العربية في مستويين، أولاً مع العرب داخل إسرائيل وثانياً مع الدول العربية المجاورة؟
في رأي أن المجال نفسه، كان على إسرائيل أن تعالج هذا المشكل باعتباره مشكلاً واحداً، ارتكبت الأخطاء الأولى منذ بداية الاستيطان اليهودي وما زالت ترتكب إلى حد الآن، أعتقد أنه كان لزاماً منذ البداية إيجاد وسيلة للتعايش مع العرب الذين كانوا يعيشون هنا، ليس العمل على إقصائهم بعيداً بشراء الأراضي واحتلال المستوطنات وهلم جرا، لقد فكر اليهود في طرق لاستغلال العرب وليس التعايش معهم، كان يجب أن نشرح لهم بأن اليهود جاؤوا هنا لإنقاذ اليهود الذين تعذبوا في الدول الأجنبية، وليس كمستعمرين يريدون إقامة دولة يهودية، لو كان هناك اتفاق جيد ما كانت حرب 1948 لتقع وما كان ليصبح لنا عدو خارجي، أظن أن العرب في إسرائيل يريدون أن يصبحوا جزءاً من الدولة رغم أنهم لا يرغبون في أن يكون هذه الدولة دولة يهودية كما أنهم لا يرغبون في التحدث باللغة العبرية إنهم يريدون مساواة كاملة، ولن يحصلوا عليها ما دامت إسرائيل تعتبر الدول العربية المجاورة لها عدوة للشعب اليهودي، ما أن يحصل سلم حقيقي مع الخارجي فلن تعود هناك أية مبررات، وسوف يكون على الدولة أن تعطي العرب حقوقاً متساوية وكاملة، وآنذاك سيحس العرب أنهم جزء من الدولة ومن المجتمع، هناك نوع من التقدم ليس لأن اليهود يريدون ذلك ولكن لأن الظروف كشفت على أنه ليس هناك خيار آخر سوى السلم، وإعطاء العرب حقوقهم، فالكل سئم الحرب والقتل وتبعات الحروب بما في ذلك الهجرة نتيجة لهذه الوضعية .
في وقت ما لم يكن اليهود يريدون ذكر حتى اسم فلسطين ولا الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو الحوار معهم، أما الآن فقد صار هناك اعتراف بالتواجد العربي، أصبح الناس أكثر وعياً، وبدأوا يدركون بأن ما نقوم به حيال العرب هو مجرد عنصرية، ومن جهة أخرى تعتبر الحرب ضد لبنان أسوأ شيء وقع هنا إلى حد الآن، لقد أعطت هذه الحرب المشروعية لعنصرين مثل كهانا في وقت ما لم يكن أحد يجرؤ أن يتكلم مثل “كهانا” أما اليوم فواحد مثله صار بإمكانه أن يصبح عضواً بالكنيست .
يقول البعض بأن المنحدرين من الدوائر الشرقية إلى إسرائيل قد يمثلون عائقاً للسلم، وآخرون يقولون بأنهم قد يصبحوا جسراً نحو السلم ؟
إنهم بكل تأكيد جسر نحو السلم، فهم أقرب إلى العرب، ويعيشون كالعرب ويتحدثون اللغة العربية، لذلك فباستطاعتهم أن يخلقوا روابط جيدة معهم، المشكل هو أنهم يصدقون كل ما يذاع لهم عبر التلفاز، لقد ترسخ في أذهانهم بأن العرب هم العدو .
لو قال الوزير الأول ورئيس المخابرات ذلك فإنهم سيصدقون بأن العرب هم العدو، ففي أيامنا هذه يعتبر كل من رافول وشارون مثلهم الأعلى وهؤلاء لا يريدون السلم، على الناس أن يبدأوا بالتفكير في أنفسهم، أنا مثلاً كنت في اليمين حتى ذهبت إلى الجامعة، عشر سنوات خلت – كنت مع الليكود – ليس لأني فكرت في ذلك وقررت أن أكون يمينياً لقد جرفني التيار، وعندما بدأت أتامل غيرت أفكاري .
لو كنت وزيراً ماذا كنت ستفعل؟
أولاً سأخلق مساواة حقيقية بين اليهود والعرب في جميع المجالات في التعليم في البناء والسكن، ثانياً سوف أكون مع سلم مع العرب وبطبيعة الحال سوف يتضمن هذا حلاً للمشكل الأساسي الذي يهم اللاجئين الفلسطينيين، وحتى لو أرجعت إسرائيل كل الأراضي ودخلت في سلم مع الدول العربية فإن شكل اللاجئين سيظل قائماً 200 ألف لاجئ ينبغي إعادة إدماجهم في أي مكان ممكن، أما في الضفة اليسرى لنهر الأردن بغزة أو بإسرائيل يجب على الناس أن يجلسوا على طاولة الحوار مناقشة هذا ليس لدي حل جاهز، ولكن من الواضح أنه في الوقت الذي سيحل فيه هذا المشكل سيكون هناك سلم، من ما عدا هذا أطن أنه ينبغي على اليهود أن يزيلوا فكرة الإحساس بأنهم مستهدفون من الكل الخوف من المحق، فمعاناة اليهود من عقدة الاضطهاد هي جزء من قدرة الشعب اليهودي على البقاء، إنهم يحسون بأنهم مطاردون ومضطهدون لذلك فإنهم يدافعون عن أنفسهم وهم دائماً متأهبون للحرب .
ماذا عن الجزء الآخر من السكان اليهود الذين قد يعارضون هذا الحل، كما افترض بكل الوسائل؟
لو قالت الحكومة بأنها مع السلم وأنه من أجل السلم يجب إعادة نابلس، والعودة إلى الحدود 1967 فإنها ستقوم بذلك كما فعلت وبنفس الطريقة التي أعادت بها إلى مصر، أن الحكومة ذات الأغلبية ستكون مدعمة من طرف الشعب، حين تقول لهم ما يجب القيام به سوف تعارض الأقلية وتحتج، لكن إذا كانت تحركاتهم ستؤدي إلى الحرب فإنهم سيرمون في السجن .
قد تظهر الحركات السرية الهامشية ولنترك للجيش الإسرائيلي والعظيم أن يتولى أمرهم ((الجيش الإسرائيلي الكبير والمعظم هذا ما يقولون أليس كذلك، لا أظن أن الأمر كذلك، لقد اقتضى الأمر ثلاث سنوات ليجدوا الأندرغراوند القديم، لنرى كم يلزمهم ليجدوا الأندرغراوند المقبل، لن يتفق والدي مع كلمة واحدة مما أقوله الآن، إنهم متدينون وبالنسبة لهم كل ما يقوله الليكود هو كلام مقدس، وفي الوقت نفسه إنهم لا يكرهون العرب وليس لديهم أي نية ضد العرب، إذا لم يكن هناك سلم فهذه الدولة لن تعيش وسوف تسقط، لم يأت الناس هنا ليموتوا ويتحاربوا باستمرار ويعانوا من الوضعية الاقتصادية الناجمة بشكل مباشر عن مصاريف الأمن التي تدمر البلد، إنني أحاول أن أسافر بعيداً وربما لن أعود، لا أريد أن أعيش في مثل هذه الوضعية، أتحدث مع عدد كبير من الناس أنا جد يائس ومن الصعب أن تعيش حين تحسن وباستمرار بأن هنا نزراً قليلاً من الناس يفكرون مثلي، لو أنني فقط أعتقد بأنه سيكون هنا سلم فإنني قد أقرر البقاء، لكن ليس هناك سلم، ليس هناك أي سبب لأبقى هنا .
جاء بي والداي إلى هنا والآن أستطيع أن أعتمد على نفسي وأذهب لأعيش كما ملايين اليهود الذين لم يأتوا إلى هنا .
كم سنك؟
31 سنة .
كم سنة درست ؟
خمس سنوات بالجامعة أنهيت الشهادة الأولى في الفلسفة والجغرافيا، أدرس الآن
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الهيئات الإسلامية: الاعتداء على ساحة الشهابي سياسة تهويدية لتطويق الأقصى
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت الهيئات الإسلامية في القدس أن اعتداء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ساحة "الشهابي" التاريخية داخل البلدة...

حماس: مجزرة البريج جريمة حرب بشعة تضاف للسجل الأسود للاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مجزرة مدرسة أبو هميسة في مخيم البريج، والتي كانت تؤوي نازحين، جريمةٍ جديدةٍ...

بلدية جباليا تحذر من كارثة وشيكة لتراكم النفايات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت بلدية جباليا النزلة، يوم الثلاثاء، من انتشار وتراكم كميات النفايات في مناطق نفوذها، مع عدم مقدرة طواقم العمل على...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس شمال الضفة
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، بهدم عدد من المباني السكنية في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمال الضفة...

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية "نادي الأسير الفلسطيني"، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت 58 أمر...

أنصار الله: الملاحة في المطارات الإسرائيلية غير آمنة
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية "أنصار الله"، أن الملاحة الجوية في المطارات الإسرائيلية باتت غير آمنة، مشيرة إلى أن...