السبت 28/سبتمبر/2024

هجمة شرسة لتفتيت وتجزيء عالم العرب والمسلمين

بقلم : فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
لا نحسب أن هناك على ساحة العالم العربي والإسلامي من يماري أو يجادل في أمر حقيقتين تتضاعف كل يوم الأدلة والشواهد التي تؤكدهما .. كما تتوالى الأحداث والتطورات بين حين وآخر تضاعف من خطورة تجاهلهما أو تغافلهما ..
الحقيقة الأولى :

تتمثل في ذلك الخطر الأمريكي الذي صار يحدق بكل العرب والمسلمين .. على مستوى الحكام والحكومات وعلى مستوى الشعوب .. ويهدد وجود ومصير الجميع .. ويسعى لإنهاء الدور الحضاري للأمة .. وذلك من خلال :

– إحكام الهيمنة على عالمهم وفرض السيطرة على مياههم وأرضهم وديارهم ، وإحكام القبضة حول رقابهم واستغلال ثرواتهم ومواردهم .

– رسم خريطة جديدة لعالمهم تؤكد تجزيء وتفتيت ديارهم وأقطارهم وتحول بينهم وبين توحيد صفهم، أو كلمتهم .. أو تجميع شملهم .

– دعم الكيان الصهيوني الغاصب وسط ديارهم وفي قلب عالمهم بالمال والسلاح والتكنولوجيا لضمان تفوقه ونهوضه بمشروعه الصهيوني التوسعي حيث تلاقت الأهداف والسياسات وليكون بمثابة الخنجر الذي تطعن به أمريكا العرب والمسلمين في ظهورهم وصدورهم ، وليكون أيضا بمثابة القاعدة الأمامية التي تنطلق منها كل أسلحة الدمار الشامل الأمريكية تبيد الشعب الفلسطيني الشقيق اليوم وكافة الشعوب العربية والإسلامية في الغد.

وإذا كان التفتيت والتجزيء على الطريقة الأمريكية ووفق السياسة الأمريكية يهدد كل العرب والمسلمين اليوم فإنه في المفهوم الأمريكي يهدف إلى اجتثاث وتصفية الوجود العربي والإسلامي لإيجاد نظام إقليمي على أشلاء وأطلال العرب والمسلمين في الغد يكون الكيان الصهيوني بؤرته وفي قمته ، وليكون مبعث حركته ومصب وملتقى ثرواته ، وربما صار هذا الغد أقرب مما يظن البعض إذا سارت الأحوال والأمور والأوضاع وفق ما هو مخطط ومرسوم لها أمريكيا وصهيونيا .

لقد صار واضحا منذ أحداث 11 سبتمبر وتكوين أمريكا لحلفها ضد الإرهاب أن الحملة الأمريكية لا تستهدف قطرا دون قطر أو شعبا دون شعب، بل لقد استهدفت كل عالم العرب والمسلمين .. ومضت أسلحة القتل والإبادة في شعب أفغانستان تحصد أرواح الأبرياء ، وتدمر كافة مظاهر وأسباب الحياة في أرضه وتستهدف بالتغيير والتبديل عقيدته وتقاليده وأخلاقه وأصالته في مواكبة مع حملات الإبادة والتصفية التي شنها الكيان الصهيوني الغاصب بالسلاح الأمريكي على شعب فلسطين تصاحبها حملة اعتقالات وملاحقات وانتهاكات ضد العرب والمسلمين في كافة الدول .. في موازاة حملة هجوم وإساءة للإسلام العقيدة والشريعة وحملة مصادرة لأموال ودائع المسلمين وشركاتهم في مختلف الدول .

وفي إطار الحملة الأمريكية الشرسة على الإسلام والمسلمين والعرب جاء سيل الإنذارات والتهديدات الأمريكية بشن حملة على شعب العراق تهدف لتجزيء وتفتيت أرضه .. كما في إطارها أيضا .. جاءت اتفاقية ماشاكوس الخاصة بجنوب السودان تؤكد السعي الأمريكي المصحوب بمختلف الضغوط لتجزئ السودان ، حيث جاءت الاتفاقية في ظل الصمت العربي والضغط الأمريكي لتهيئ الأجواء لفصل الجنوب السوداني مع مواصلة الضغوط الأمريكية لإجراء استفتاءات لا تؤدي إلا إلى الانفصال في أجزاء أخرى من السودان .. وسعي أمريكي لإقامة حاجز بين شمال القارة الإفريقية العربي المسلم .. ووسطها وجنوبها الإفريقي ، رغم أنها حافلة بالوجود الإسلامي .. وشتى مظاهر الحياة والعادات الإسلامية.

والملاحظ في الفترة الأخيرة أن وتيرة التهديدات والإنذارات الأمريكية للعراق قد ارتفعت وتسارعت مع ترديد وسائل الإعلام لأخبار عن تحريك الجيوش والحشود والأساطيل الأمريكية .. مع التأكيد على التصميم الأمريكي على الإطاحة بالنظام الحاكم في العراق ..

فقد صرح مسئولون أمريكيون خلال الأيام القليلة الماضية بأنه لا خيار أمام الرئيس الأمريكي بوش إلا الإطاحة بصدام حسين ، كما أكد وزير الدفاع الأمريكي أن الإطاحة بنظام الحكم في العراق صار أمرا لا حيدة ولا تراجع عنه سواء رجع المفتشون الدوليون للعراق أم لم يعودوا .

أيضا صاحب هذا هجوم أمريكي على أكثر من دولة عربية .. من خلال الإعلام الأمريكي متهما العرب بدعم الإرهاب تحت شعار الجماعات الخيرية وجمعيات الإغاثة أو دعم المدارس التي تخرج المتطرفين .. وتهيئ النبتة الأولى لبذرة الإرهاب وهو أسلوب أمريكي يهدف للقضاء على أي شكل من أشكال البر أو التكافل بين المسلمين، كما يهدف للإبقاء على أوضاع الجهل والتخلف في أقطار إسلامية يعوزها المال لبناء أو فتح المدارس.

الحقيقة الثانية:

وإذا كانت الحقيقة الأولى تقول وتؤكد أن الخطر الأمريكي بات يهدد عالم العرب والمسلمين .. الوجود والمصير والدور الحضاري وأوشك التجزئ والتفتيت أن يصيب أكثر من قطر وصارت أمريكا تحشد كل إمكاناتها وتتخذ كافة السبل لحشد دول أوربا في مواجهة العرب والمسلمين وغيرت وعدلت في حلف الأطلنطي وأهدافه وغاياته لينهض بدور يؤكد أو يؤيد الدور الأمريكي والسياسة الأمريكية إزاء العرب والمسلمين فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو دون شك .. ماذا على العرب والمسلمين أن يفعلوه وينهضوا به ليواجهوا الهجمة الأمريكية ويتصدوا للعدو الصهيوني ؟

لا يختلف اثنان على ساحة العرب والمسلمين حول سبل المواجهة :

– وعلى رأسها أو في مقدمتها تأتي وحدة الأمة .

– كما يأتي إعادة ترتيب البيت العربي والإسلامي من الداخل .

ووحدة الأمة .. وإعادة ترتيب البيت أمران حتميان لمواجهة الهجمة الأمريكية .. كما أنهما أمران ضروريان للتصدي للعدو الصهيوني ودحره ..

ووحدة الأمة وإعادة ترتيب البيت لا يمكن أن يتحققا إلا بخطوات نهض بها السابقون في أوقات عصيبة واجهتها الأمة .. ولكنها تغلبت عليها واجتازتها منتصرة ويأتي في مقدمتها .. ضرورة فض المنازعات والخلافات بين الحكام وإحلال روح الوئام والالتقاء وتغليب مصلحة الأمة، والنظر بعين المسئولية لطبيعة المرحلة وفداحة الكارثة التي يمكن أن تحل بالجميع حكاما وشعوبا إذا ظلت نوازع التفرق .. والاختلاف والتشتت .

– كما يأتي في مقدمتها على مستوى الأقطار ضرورة رد المظالم وضرورة الاعتراف بالآخر .. ونبذ سياسة الإقصاء .. والتخلي عن أساليب القهر والقمع واعتماد أسلوب وجسور الحوار ، وضرورة الاعتراف بحق المشاركة .. في مواجهة خطر بات يهدد الحاكم والمحكوم.

ولا نحسب أنه في الإمكان الاعتراف بالمشاركة حقا للجميع .. وبالحوار أسلوبا حضاريا يصل بالجميع إلى ما فيه الصواب والمصلحة .. والاعتراف بالآخر شريكا في الوطن والمصير .. ونصيرا في مواجهة الخطر الصهيوني أو الخطر الأمريكي .. إلا حين ترفع القيود والسدود التي تكبل أو تعوق الحريات .. ويتأكد الأمن حقا لكل مواطن .. ولا نلجأ إلى ترسانات القوانين الاستثنائية لمصادرة حق شريك في الوطن والمصير في الحرية والأمن .. والاضطلاع بالمسئولية وأداء الأمانة.

وأنه لمن المؤكد أنه يوم تغلق السجون والمعتقلات في هذا القطر أو ذاك .. وتتوفر كل الضمانات والمعالم والدعائم التي تؤكد التعددية بمعناها السليم ومضمونها الصحيح .. ويفسح المجال لكافة القوى أن تعرض برامجها .. ويترك حق الاختيار للشعوب .. ويبقى لها وحدها حق إصدار الأحكام بالانحياز لهذا الرأي أو ذاك فإننا نكون قد خطونا خطوات أكثر من هامة وضرورية وجادة على الطريق نحو إعادة ترتيب البيت .. ونحو تحقيق الوحدة .. التي ستؤدي بالضرورة إلى تفعيل تنظيماتنا الإقليمية .. وإحياء اتفاقاتنا حول الدفاع المشترك وقيام السوق المشتركة ثم الوحدة الاقتصادية وحينئذ يكون من اليسير تجييش الجيوش وحشد الإمكانات والطاقات لحسم المواجهة بالنصر مع عدو يتربص بالجميع .. ويسعى لهلاك الجميع ..

إن من الثابت ومن المؤكد أن الشعوب .. حريصة على الوحدة حريصة على العيش في حرية وأمن على المستوى المطلوب والمأمول للنهوض بأمانة اختيارها لممثليها ومسئوليها .. على مستوى التضحية والبذل والعطاء .. بالمال والنفس .. أكدت في أكثر من مناسبة رفضها لوجود الكيان الصهيوني .. ولكافة أشكال العدوان الأمريكي .. لأنها تنطلق من إيمانها بإسلامها .. وشريعة ربها ..

ومن أجل ذلك تبقى المسئولية في شطرها الأكبر أمام التاريخ وأمام الشعوب وأمام الله عز وجل معلقة في رقاب الحكام .. مسئولية الوحدة ومسئولية إعادة ترتيب البيت .. وتوجيه إمبراطوريات الإعلام للدفاع عن قضايانا .. ورصد الميزانيات لإعداد العدة للقاء .. وحشد أجهزة الأمن وجيوشه بعد إعدادها .. لمواجهة العدو المتربص بنا .. الذي يزاول في تبجح إجرامه في مختلف أقطارنا وضد إخواننا .. هو رصيد في الميزان .. وصفحات بيضاء في سجل التاريخ .

إن العدو يجد طريق الغلبة مفتوحا أمامه حين يدب الاختلاف والتنازع بين الحكام .. إذ يكون الفشل وذهاب الريح .. أو حين تفسد النيات وتلتوي المقاصد وتحل الدنيا في القلوب محل الآخرة فيتأخر النصر ، ويتخلف المدد الإلهي والتأييد الرباني ، وصدق الله العظيم (إن ينصركم الله فلا غالب لكم ، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

ولا نستطيع أن نتصور رجلا واحدا يؤمن بالله ورسوله حاكما كان أو محكوما تختلج نفسه في هذه الساعات الحاسمة من تاريخنا بغير الفناء في الأمة والنزول على أمر الله والعمل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات