الخميس 27/يونيو/2024

إسرائيل.. لعل السياسة أصدق من السيف

إسرائيل.. لعل السياسة أصدق من السيف

عندما توقفت المواجهة بين “إسرائيل” والمقاومة اللبنانية بموافقة الطرفين على قرار مجلس الأمن غير الملزم باعتباره تم اتخاذه تحت البند السادس من الميثاق وليس السابع، كان أحد التساؤلات المهمة هو حول ما إذا كانت “إسرائيل” ستكتفي بما فعلت أم أنها توقفت لالتقاط أنفاسها قبل أن تستأنف الحرب في جولة ثانية ولم يكن أحد يطرح السؤال حول رغبة المقاومة استئناف الحرب ذلك لأنها كانت في حالة دفاع عن النفس.

 

ولم تكن في حالة هجوم فهي لم تبادر إلى فرض الاشتباك المسلح على الخصم لإجباره ميدانياً على القيام بتصرف يتحقق من خلاله هدف أو مطلب سياسياً كان أم عسكرياً، فالمقاومة لم تغادر أرضها رغم أنها قد تقوم بهجمات تكتيكية ضد المهاجم في إطار الدفاع عن النفس وعن الأرض إلا أن ذلك لم يكن من أجل إيجاد وضع استراتيجي مثل ما كان الهدف من وراء الهجوم الإسرائيلي، فالمقاومة كان يكفيها أن تحافظ على الوضع الراهن وتقايض حرية الجنديين الإسرائيليين في مقابل حرية الأسرى وليست في حاجة ولعلها أيضاً ليس من مصلحتها أن تشعل نار الحرب وذلك ما أكدته قياداتها التي لم تكن تتوقع هذا الحجم من الرد الإسرائيلي، فالثمن الذي دفعته كان غالياً بصرف النظر عما حققته من نتائج سياسية.

 

ولهذا فإنه بعد توقف الحرب بدت المقاومة هي الطرف الذي يتمنى ألا تضطره الظروف إلى العودة إلى استئناف العمليات بينما أخذت “إسرائيل” تلمح بأنها تستعد لجولة أخرى وأنها لا تبالي بذلك، ولاشك أن مثل هذا السلوك يعد جزءاً من الحرب النفسية لتحقيق ما لم تستطيع الحصول عليه أثناء الحرب ولتعظيم وترسيخ ما حققته العمليات العسكرية ولكن لا ينبغي النظر إليه على أنه مجرد تخويف وتهديد مجاني، بل مشروع حقيقي يرتبط تنفيذه ووضعه حيز التنفيذ بجملة من المعطيات المتعلقة بالأوضاع الداخلية اللبنانية والعربية والدولية.

 

فقد حققت “إسرائيل” من وراء هذه الحرب بعضاً مما كانت ترغب في تحقيقه في حالة تطبيق كل فقرات قرار مجلس الأمن كما تريده هي والولايات المتحدة والغرب عموماً ولكنها خرجت بجرح ليس كبيراً غير أنه نازف على المدى البعيد وليس محمود العواقب استراتيجياً، لأنها عودت الجميع من حولها على تفوق أداء آلتها العسكرية الباطشة .

 

ولذا فقد يتوجب عليها أن تعيد الأمور إلى نصابها هذه المرة وتتألق في نصر كاسح لا غبار عليه، يعيد نشر كابوس الرعب فوق رؤوس كل الذين أخذوا ينظرون حولهم ويتساءلون عن حقيقة ما حدث للأسطورة الإسرائيلية فمثل هذه التساؤلات تثير شكوكاً حول حقيقة الواقع ومهما كانت في تلك اللحظة صغيرة وغير مؤثرة في قوة الواقع إلا أن ما من شيء كبير وعظيم إلا وكانت بداياته صغيرة، ولذا فليس من مصلحة “إسرائيل” أن يساور أحد الشك بما في ذلك حلفاؤها بأن سيفها قد نبا أو كان عرضة للثلم.

 

لاشك أن مثل هذا العامل النفسي وما يترتب عليه من احتمالات لا يكفي وحده لأن تشن “إسرائيل” حرباً ثانية لأن العلاج المطلوب لمثل هذا الوضع هو حرب منتصرة بكل المقاييس وليس حرباً أخرى مشكوك في نتائجها تزيد الخرق اتساعاً، ولذا لابد من توافر ثلاثة متغيرات أولها وأهمها المتغير اللبناني الداخلي، فينبغي دفع الأحداث على هذه الساحة إلى نقطة يتفكك فيها الحد الأدنى الحالي من الاتفاق حول التشاور والحوار والاختلاف إلى حالة صراعية يسود فيها العنف والتخندق بأي درجة كانت حينئذ يمكن تهيئة أوضاع وخلق ظروف وخلط أوراق على المائدة اللبنانية فتتسع لـ”إسرائيل” علناً ودون حرج.

 

أما المتغير العربي وهو الذي لم يحدث وبالتالي يزيد في احتمال قيام “إسرائيل” بجولة أخرى، فالعرب لم يحاولوا استغلال الكبوة الإسرائيلية وتعظيم مكتسبات المقاومة اللبنانية عن طريق الضغط والتنسيق ورفض محاولات “إسرائيل” استثمار بعض ما حققته مثل الاستمرار في الحصار إلى أن سلمت رايته إلى فرنسا تحت مظلة دولية تنتقص من سيادة لبنان دون مبررات قانونية سوى أنها تستجيب للمطالب الإسرائيلية بل قبل العرب أن يقوموا في الفترة الانتقالية بدور الوكيل الإسرائيلي في تطبيق الحصار والتأكد من سلامته ودقته وفاعليته ولعل بعضهم رأى في خطل الأداء العسكري الإسرائيلي خيبة ظن كبيرة وتسفيها لما كانوا يريدونه ويتوقعونه.

 

ولذا فلم يكونوا متحمسين لحماية المقاومة أو ترسيخ ما حققته بقدر حماستهم لنشر الجيش اللبناني في الجنوب ليستريحوا من صداع المقاومة المحرج لهم ولكي لا يبقى على الأرض سوى دمار الحرب مصداقاً لما بشروا به قبل اندلاعها ولنشر روح الإحباط في نفوس الشعوب التي يهشون عليها ويسوقونها أمامهم.

 

يظل المتغير الخارجي حاسماً بالنسبة لـ”إسرائيل” فالموقف الأميركي الناتج عن اقتناع الإدارة الأميركية بجدوى أو عدم جدوى قيام جولة ثانية بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة هو الذي سيشجع “إسرائيل” ويجعلها تذهب إلى حرب في لبنان أو في سوريا دون تردد، غير أن القرار الأميركي تتحكم فيه اعتبارات تتلخص في أن الساحة اللبنانية ليست إلا مدخلاً للتعامل مع الملف السوري والإيراني ،ومن ثم العراقي فإذا كانت زعزعة هذه الساحة تؤدي إلى أضعاف موقف سوريا وإيران في مواجهة الولايات المتحدة ففي هذه الحالة وكما يتفق على ذلك الجميع ستحصل “إسرائيل” على ضوء أخضر للقيام بحرب أخرى كذلك إذا ما قررت إدارة الرئيس بوش استغلال ما تبقى لها من وقت لاستكمال ما تعتبره مشروعها الذي ارتبط باسمها «دمقرطة العالم والقضاء على الإرهاب» فقررت استخدام القوة ضد أي من الدولتين فإن ذلك قد يتطلب مشاركة إسرائيلية فاعلة شريطة إبعاد المقاومة اللبنانية من الجنوب بالقوة أو بالسياسة إلى أبعد نقطة لا تكون فيها قادرة على إلحاق الأذى بـ”إسرائيل” في حالة حصول تلك المواجهة.

 

غير أن الولايات المتحدة يبدو أنها تفضل حتى الآن إضعاف وتفكيك المقاومة بواسطة السياسة وعن طريق آليات التنافس الطائفي اللبناني الداخلي فذلك يحرم المقاومة من التعاطف والالتفاف حولها ولعلها.

 

كما يبدو من كل الشواهد تدفع “إسرائيل” إلى العمل في هذا الاتجاه بل وقبول التفاوض من اجل الجنديين الإسرائيليين لتجريد المقاومة من حجج تمسكها بسلاحها بعد أن حل الجيش اللبناني محلها في المواقع المواجهة لمزارع شبعا ولا تستطيع العودة إليها إلا إذا دخلت في حرب ضد الجيش اللبناني والقوات الدولية وذلك ما تراهن عليه “إسرائيل”.

 

كاتب ليبي – جامعة بنغازي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات