السبت 28/سبتمبر/2024

فلسطين في المعادلات الإقليمية والدولية

فلسطين في المعادلات الإقليمية والدولية

استوقفتني قراءتي في عدد من الصحف العربية لمقالات تلاقت فيها أفكار كتّاب ومفكرين عرب حول مستقبل القضية الفلسطينية، وهي ظاهرة طبيعية تؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال تعيش في بؤرة وجدان واهتمامات الفكر العربي.

لا أخفي أن مستقبل القضية الفلسطينية من الموضوعات التي تؤرقنا كثيراً في ضوء التطورات والتحولات السياسية التي تشهدها منطقتنا.

 

تؤكد القراءة التاريخية السياسية لتطور القضية الفلسطينية في مختلف مراحل تطورها، أن المتغير الدولي قد شكل المتغير الرئيسي في تفاعلات القضية سلباً أو إيجاباً، صراعاً أو تسوية. وقد ارتبط حاضر فلسطين ومستقبلها بواقع ميزان القوى الذي حكم المنطقة، وخصوصاً دول الجوار الجغرافي لفلسطين، والأمر الآخر الذي يمكن استخلاصه وهو ما يدعو إلى الدهشة أن فلسطين كحالة جغرافية مكانية، ظلت ثابتة راسخة، لكن كحالة سياسية حالت التنافسات وموازين القوى الدولية دون قيام كيان سياسي مستقل مثل بقية دول المنطقة، ولذلك فأول دلالة تاريخية لا بد من التنويه بها هي الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وهذا قد ارتبط برغبة الدول الاستعمارية التي حكمت المنطقة، والتمهيد في الوقت ذاته لإنشاء دولة يهودية في فلسطين لتشكل إحدى الأدوات الرئيسية لحماية المصالح الاستراتيجية للدول الغربية المتحكمة والمؤثرة في مسار التطور السياسي للمنطقة، وصولاً إلى الولايات المتحدة، ولتشكل إعاقة لأي مشروع نهضوي بين دول المنطقة.

والقضية الفلسطينية في نتائجها ومحصلتها النهائية هي انعكاس لموازين القوى الإقليمية والدولية التي عملت وتعمل دائماً لمصلحة “إسرائيل”. وقد أسهمت هذه المعادلات الإقليمية والدولية أولاً في التمهيد لقيام “إسرائيل”، ثم لتأسيس “إسرائيل” ثانياً، وثالثاً للحفاظ على بقائها ونموها وتوسعها، ثم رابعاً لفرض رؤيتها وتصورها الأحادي لتصفية القضية الفلسطينية وهذه هي أخطر المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية.

 

وتكشف القراءة التاريخية السياسية أن القضية ارتبطت بتطور المعادلات الإقليمية والدولية، فبداية شكل القرن التاسع عشر بداية حقيقية لظهور المسألة اليهودية التي تزامنت مع ظهور المسألة الشرقية أو رجل أوروبا المريض، وحدث التلاقي بين أهداف الحركة الصهيونية، ومصالح الدول الاستعمارية آنذاك وعلى رأسها بريطانيا التي ورثت الدولة العثمانية في فلسطين، وانحصر تفكير الدول الأوروبية بأن المسألة اليهودية ينبغي حلها بعيداً عن دولها ومجتمعاتها، وتم اختيار فلسطين لتكون هي الأرض التي تقوم عليها الدولة اليهودية، وهكذا تحمل الفلسطينيون وحدهم حل المسألة اليهودية والتي لم يكن لهم دور فيها، ثم جاء وعد بلفور الذي أصبغ إرادة دولية على الحركة الصهيونية، ولتتأكد هذه الإرادة أيام عصبة الأمم ووضع فلسطين تحت نظام الانتداب البريطاني الذي وضع كل السياسات والتسهيلات لتنفيذ وعد بلفور إلى أن عرضت القضية على الأمم المتحدة لتصدر قرارها الشهير رقم 181 لعام 1948 والذي أقر قيام “إسرائيل” على ما نسبته 55% من مساحة فلسطين وذلك في أول حالة دولية غير مسبوقة تجيز فيها منظمة دولية قيام دولة.

 

ولعل التفسير الوحيد يكمن في موازين القوى التي كانت وراء القرار، وظل العامل الدولي إلى الوقت الحاضر هو المتحكم في مسارات القضية الفلسطينية. ففي أعقاب انهيار النظام الدولي ثنائي القطبية وهيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي وتحكمها بقواعد العملية السياسية، وتطور علاقاتها الاستراتيجية والتحالفية مع “إسرائيل”، وفي غياب أو تراجع واضح للدور العربي، فكل هذا ينبئ بالمسارات الخطيرة التي تنزلق نحوها القضية الفلسطينية، وتتجه الأمور نحو سيناريو خطير بتبني “إسرائيل” لنهج التسوية أحادي الجانب وفرض رؤيتها للتسوية، مستفيدة من الدعم الذي تقدمه لها الولايات المتحدة، ومتذرعة بفوز حماس بالانتخابات الفلسطينية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية، لكن الأهم هو إدراكها لموازين القوى السائدة التي تعمل لمصلحتها. هنا تكمن خطورة المعادلات الإقليمية والدولية وحتمية التفكير الواعي والعقلاني من جانب السلطة الفلسطينية بكل مؤسساتها للحؤول دون الاستمرار في تنفيذ هذا السيناريو الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

 

* أستاذ العلوم السياسية -غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات