عملنا وفق استراتيجية أساسية لمنع التبذير والفساد المالي

“إن الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة إسماعيل هنية تسلَّمت مديونية عالية تبلغ ملياراً وثمانمائة وثلاثة وثمانين مليون دولار، وهي موزعة بين مديونية لكافة البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية وبين مديونية للبنوك الخارجية والمؤسسات خارجية”، هذا ما أوضحه الأستاذ إسماعيل أبو محفوظ وكيل وزارة المالية الفلسطينية في حديث خاص لـ “المركز الفلسطيني للإعلام”.
ويلفت أبو محفوظ أن الرقم المذكور (1.883 مليار دولار) له معنى كبير؛ حيث يفوق موازنة عام 2005 وبالتالي عام 2005 وجزء من العام 2004 كان الإنفاق الحكومي فيه كلُّه مديونية، مشيراً إلى أن هذا الدَيْنَ الآن انخفض إلى مليار وسبعمائة واثنين وسبعين مليون دولار، بمعنى أن ما يقارب 90 مليون دولار سدّدت من الديون.
ويقول أبو محفوظ: “إن هذا الرقم وهذه المديونية إذا ما وزِّعت على عدد سكان فلسطين نجد أن نصيب المواطن الفلسطيني الذي بلغ السن القانوني للانتخابات مدين بـ 1200 دولار، وهذا يفوق متوسط الدخل الفردي للمواطن الفلسطيني السنوي؛ وهذا معناه أن نعمل كشعب فلسطيني سنة كاملة ولا ننفق شيئا مما نحققه من دخل لكي نخلص الشعب الفلسطيني من هذا الدين”، منوِّهاً بأن هذا الموضوع يحتاج إلى “فحص شامل للمستندات والوثائق الموجودة في وزارة المالية ومختلف الوزارات لمعرفة أين ذهبت هذه الأموال”.
ويضيف وكيل وزارة المالية الفلسطينية أنَّ “هناك خطوات جيِّدة قطعت في هذا المجال، ولكننا لن نضع أمام الناس إلا الحقائق وعندما نصل إلى إجابة قاطعة لكل مبلغ أين ذهب، عندها نجيب ونقدِّم المعلومة الحقيقية للناس، أما أن نقدِّم تحليلات هنا وهناك، فهذا ليس من اختصاصنا”.
الأزمة المالية التي تعانيها الحكومة الفلسطينية، حسبما أوضح، د. عمر عبد الرازق قبل أيام من اختطافه في التاسع والعشرين من شهر حزيران/يونيو الماضي في مقابلة من صحيفة “السبيل” الأردنية تتمثل في عدد من النقاط، فهناك أزمة بسبب الأوضاع السياسية أو المواقف السياسية، وهناك أزمة اقتصادية عامة بسبب الأزمة السياسية، وهناك أيضا محددات داخلية ومحددات خارجية للأزمة.
وتكمن الأزمة في شقين؛ الشق الأول يتعلق بالارتباطات الخارجية المتعلقة بالتزامات السلطة الفلسطينية مع الآخرين خاصة الطرف الصهيوني، وهو أن الحكومة الصهيونية تجمع لصالح السلطة الفلسطينية إيرادات من الضرائب والجمارك ومن القروض، وبحسب الاتفاقات يجب تحويل هذه الإيرادات للسلطة، لكن الطرف الصهيوني يرفض تسلم الحكومة الجديدة تحويل أموال الضرائب، واحتجزت حكومة الاحتلال تلك الإيرادات وهذه الأموال التي تصل إلى نحو 65 مليون دولار شهريا، وهذا هو الجزء الأكبر من أسباب الأزمة المالية، أما الجزء الثاني؛ فيتعلق بالدول المانحة وخاصة في فترة “انتفاضة الأقصى”؛ حيث تنامى ذلك الارتباط على حساب قضية الموازنة الجارية وليس الموازنة التطويرية، حيث إنَّ الموازنة التطويرية كانت ولا زالت تموَّل من الدول المانحة، لكن وفي مرحلة الانتفاضة تنامى الاعتماد على المنح في مساندة أو مساعدة الخزينة في القضايا الجارية، وهذه المساعدات أوقفتها الدول المانحة الأمر الذي أضرَّ بالوضع المالي للحكومة وأدَّى إلى أزمة، لكن هذه الأزمة ليست بحجم الأزمة التي يتسبب بها حجز الحكومة الصهيونية للأموال، ولكن الأزمة الحقيقية مع الجانب الصهيوني، مع ملاحظة أن تلك الأموال هي من حق الشعب الفلسطيني، وليست منحاً صهيونية ليُسخِّروها كأداة للضغط ويستخدمونها كسلاح ضد الشعب الفلسطيني.
أما الشق الثاني؛ في صناعة الأزمة، فيتمثل بالارتباطات الداخلية المتمثلة في التزايد المفرط والمتسارع في النفقات خلال العام 2005، فالواضح أن هذا العام كونه عام انتخابات- ولأسباب أخرى- تزايدت النفقات التشغيلية بشكل كبير، وخاصة فيما يتعلق بالرواتب، وهنا يوجد شقان؛ الأول: زيادة الرواتب للموظفين، والثاني: زيادة أعداد الموظفين بشكل كبير جدا، هذا الأمر اضطر الحكومة السابقة ولتغطية هذا العجز إلى الاقتراض من البنوك العاملة في الاقتصاد الفلسطيني من خلال استخدام صندوق الاستثمار، ومن خلال أمور اتفق عليها مع القطاع الخاص الداعم؛ مثل تأجيل الدفع. كل هذه العوامل مجتمعة وضعت الحكومة الفلسطينية في مأزق مالي كبير جدا، والأكثر من هذا هو ماذا يمكن للحكومة أن تفعله؟، ومجال التحرك والتعامل مع الأزمة كان مضغوطا جدا، بمعنى أن مديونية الحكومة للبنوك وصلت إلى أكثر من 640 مليون دولار، إضافة للمديونية للقطاع الخاص والشركات والموردين الداعمين بأكثر من 660 مليون دولار، وهذه الأرقام الكبيرة جدا تمثَّل بحد ذاتها معضلة كبيرة إضافة إلى خدمتها أيضا، حيث يدفع سنويا أكثر من 40 مليون دولار فوائد على تلك الديون، والأسوأ من هذه الأرقام أوصلت الحكومة بفعل تلك السياسات للحد الأقصى في الاستدانة من البنوك، بمعنى أن الحكومة الآن لو أرادت أن تويد الديون من البنوك عن 640 مليون سيؤدي هذا إلى مشكلة كبيرة وعجز تام للموازنة، كذلك بالنسبة للقطاع الخاص إذا طلبت منه أن يورِّدوا دون أن يدفع ما لهم على الحكومة ستخلق مشكلة أخرى، لأن الشركات أو الموردين مهما بلغ رأس مالهم؛ فهذه الشركات مرتبطة مع المصدرين لها وملتزمة معهم، وبالتالي فإن هذا كله يسبب مشكلة كبيرة للحكومة، والقضية نفسها مع صندوق الاستثمار؛ حيث سحبت منه أموال ورهنت أصول أخرى من الأموال التي لديه من أجل تغطية القروض التي من البنوك. فإذا أردنا أن نسحب المزيد من صندوق الاستثمار سيكون الأمر صعبا.
171 ألف موظف حكومي
وفي ردٍ على سؤال حول أوضاع وزارة المالية عندما تسلمتها الحكومة الفلسطينية التي شكّلها الأستاذ إسماعيل هنية، يقول أبو محفوظ: “إذا أردنا أن نتحدَّث عن حالة الوزارة يوم استلامها يجب نوضِّح أن المالية تتناول شقَّين أساسيين تتكون من واردات نقدية ومدفوعات وأخطر ما في الأمر هو المدفوعات”.
ويوضح أبو محفوظ قائلاً: “نحن نتحدث عن 171 ألف موظف حكومي استلمناهم في الدوائر المدنية والعسكرية، وهذا الرقم يحتاج إلى ترجمة مالية”، وقال: “إننا وجدنا من هؤلاء الموظفين 2220 موظفا يتقاضون رواتب حكومية؛ لكنهم يعملون في مؤسسات خارج الحكومة في الضفة وغزة، يعملون في مؤسسات غير حكومية إما لصالح أحزاب وتنظيمات ومؤسسات أهلية، أو في أي عمل خارج عن الحكومة؛ وهم موظفون رسميون وصرفت لهم رواتب وهذا يحتاج إلى دراسة وحسم القضية من منظور قانوني ووفق القانون وسنعرف أين هؤلاء الموظفون؟”.
ويضيف أبو محفوظ: “إننا وجدنا 4800 موظف بلا رقم هوية، والموضوع تحت الدراسة وسنعرف من هؤلاء الموظفون؟ وهل هي وظائف حقيقية؟ أم هي أرقام وهمية وسنعلن ذلك للناس بعد استكمال الدراسة”.
إنجازات الوزارة في الحكومة الحالية
وحول الإنجازات التي تحققت في وزارة المالية منذ تسلّم الحكومة الحالية عملها، يقول أبو محفوظ: “إذا أردنا أن نتحدث عن إنجازات وزارة المالية فهي إنجازات لكل الحكومة؛ لأن وزارة المالية هي القلب النابض للحكومة وكل مبلغ يصرف في هذه الدولة مرجعيته إلى وزارة المالية”
ويضيف: “إننا عملنا وفقَ استراتيجية أساسية تتمثل في منع التبذير والفساد المالي في أي جسم من أجسام السلطة الوطنية، وقد خطونا خطوات كبيرة في هذا المجال، وتمكننا أن نخفض الإنفاق العام إلى أدنى مستوياته سواء كان ذلك على صعيد استخدام الهاتف أو السيارات الحكومة أو السفريات أو العلاج بالخارج وتم ضبط الإنفاق”.
ويوضح أبو محفوظ قائلاً: “إذا قرأنا الأرقام الموجودة نجد أنه يستحق لنا اليوم أموال محتجزة لدى حكومة الاحتلال، تساوي ملياراً وستمائة وتسعة وستين مليون شيقل في نهاية تموز/يوليو الماضي، ونستطيع أن نضيف عليها حوالي 65 مليون دولار الشهر الماضي، وبالتالي يصبح لدينا فائضا ماليا يغطي كل الرواتب المستحقة على السلطة الفلسطينية ويزيد بمعنى أن الرصيد المحجوز لدى الجانب الصهيوني سيغطي كل رواتبنا المتأخرة بما فيها شهر سبتمبر الحالي”.
ويقول: “نحن كنا نستطيع أن نعيش بنفقات تشغيلية مضبوطة ورواتبنا من خلال إيراداتنا المحلية والإيرادات الموجودة لدى الجانب (الإسرائيلي)، وبالتالي نحن لسنا بحاجة إلى أية مديونية، والسؤال الكبير الذي يطرح أمام المحلل والمواطن والاقتصادي ليجيب عليه؛ لماذا لجأنا إلى المديونيات في السابق؟”.
لم نمارس الإقصاء الوظيفي
وفي ردِّه على اتهامات وزارة المالية بالإقصاء الوظيفي، يوضح أبو محفوظ أن “هذه الأمور تتعلق بواقع يعيش على الأرض، استلمنا الوزارة وفيها موظفون معيَّنون في مراكز وظيفية محدَّدة، وبتقديري أن المفاصل الأساسية في وزارة المالية لم تستمتع يوما بحرية في الرأي وفي صنع القرار كما هي الآن، وعلى هذا القياس نجد أن جميع المدراء العامين مازالوا في مراكزهم ومواقعهم، وجميع القرارات الأساسية تتخذ باجتماع شامل للمدراء العامين يشارك فيه الجميع حتى لا يُهمَّش أحد؛ حتى في معرفة موضوع القرار، وبالتالي أية اتهامات بالتهميش والإقصاء ليس لها أي أساس من الصحة، وأمر لا وجود له على الإطلاق في وزارة المالية الفلسطينية، ومن لديه مثل هذا الاتهام عليه التقدم بالثبوتيات التي تثبته”.
دور البنوك
من المعروف أن البنوك العاملة في الأراضي الفلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...