السبت 10/مايو/2025

الأعرج: الاحتلال يسعى لتنازلات سياسية عبر التجويع

الأعرج: الاحتلال يسعى لتنازلات سياسية عبر التجويع

 

تسبّب الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الصهيوني علي الأراضي الفلسطينية، منذ بداية انتفاضة الأقصى في نهاية (أيلول/ سبتمبر) 2000 وحتى الآن، والذي لم يسبق له مثيل، حيث يُعتبر الأشد والأطول منذ تاريخ الاحتلال الصهيوني، إلى تراجع عام في كافة الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية، حيث تضرّرت كافة القطاعات الاقتصادية المكوِّنة للناتج المحلي الإجمالي، لا سيما قطاع العمل والعمال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

وقد أدى ذلك إلى أن يعتبر البنك الدولي أن الحظر الغربي والقيود الاحتلالية قد تجعل عام 2006 أسوأ عام في تاريخ اقتصاد السلطة الفلسطينية. وقال البنك إنّ متوسط دخل الفرد الفلسطيني انخفض بنسبة 40 في المائة، في حين ارتفع معدل الفقر ليشمل 67 في المائة من السكان.

وتحدث مدير البنك الدولي للضفة الغربية وقطاع غزة، ديفيد كريغ، عن وجود أزمة اقتصادية حادة حالياً في الأراضي الفلسطينية، تنذر بإفساد الجهود المبذولة في الثلاثة عشر عاماً الماضية لإيجاد اقتصاد له مقومات البقاء.

يُشار إلى أنّ المانحين الغربيين قلصوا المعونات المباشرة المقدمة للسلطة الفلسطينية في شهر آذار (مارس)، للضغط على الحكومة التي تقودها حركة “حماس” للاعتراف بالكيان الصهيوني ونبذ المقاومة الفلسطينية والالتزام باتفاقات التسوية السياسية المنهارة. وقد أدت هذه الضغوط المشددة إلى منع الحكومة الفلسطينية من دفع الرواتب الشهرية إلى 165 ألف موظف.

وأعلن علاء الأعرج، وزير الاقتصاد الفلسطيني، أنّ مجمل الخسائر الاقتصادية، المباشرة وغير المباشرة، التي لحقت بالشعب الفلسطيني جراء حصار الاحتلال المتواصل منذ بداية “انتفاضة الأقصى”، التي اندلعت في نهاية أيلول (سبتمبر) من عام 2000، تقدّر بأكثر من 15 مليار دولار.

ويحمّل الأعرج المسؤولية كاملة على هذا الوضع إلى “سياسة الحصار الاقتصادي التي اعتادت حكومات الاحتلال المتعاقبة على إتباعها ضد الشعب الفلسطيني”، موضحاً أنّ الحصار الصهيوني كانت له آثار كارثية على المقومات الاقتصادية الفلسطينية، وتمثل ذلك بهذا الحجم الكبير من الخسائر.

ولفت الأعرج الانتباه إلى أنّ الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين محدودة وتنحصر بأحد أمرين، الأول؛ القبول بالتراجع عن الثوابت وذلك يعني القبول بالبقاء رهناً للضغوط الخارجية، والثاني؛ يعتمد على تعزيز اقتصاديات الصمود وإتباع سياسة داخلية متوازنة والتكيف مع ما هو متاح من موارد وإمكانيات، حتى يزول الحصار وآثاره، وفق توضيحه.

وقال الوزير الفلسطيني “لن نقايض على ثوابتنا مهما كانت الإغراءات والوعود بضخ الأموال علينا، بل سنعمل على مواجهة الحصار بكافة السبل”، وأضاف “نقطة البدء الحقيقية تتمثل بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على أساس وطني سليم”، مشيراً إلى أهمية تفعيل العمق العربي بقدر الإمكان.

ومنذ عام 1967، لا يزال الاقتصاد الفلسطيني ملحقا بالاقتصاد الصهيوني، وقد بات تطوره أسيراً لعلاقته غير المتوازنة والقسرية مع هذا الاقتصاد المتطوِّر والأكبر حجماً والأكثر ديناميكية وتعقيداً.

وواصلت حكومات الاحتلال المتعاقبة، بحسب العديد من خبراء الاقتصاد الفلسطينيين، منذ ذلك التاريخ إتباع سياسة تدميرية ممنهجة ضد الاقتصاد الفلسطيني، تقوم على أساس تحويل الضفة والقطاع إلى سوق استهلاكي للمنتجات والخدمات الصهيونية، حتى الفاسدة منها، ومصدرا للأيدي العاملة الرخيصة. وقادت هذه السياسة إلى خلق تشوهات بنيوية متأصلة في الاقتصاد المحلي، فتوسعت فيه الأنشطة الخدمية والهامشية على حساب الأنشطة الإنتاجية التنموية، ما عمل على إضعاف القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني.

ويرى هؤلاء الخبراء أنّ تعدد أوجه وقنوات التشابك بين الاقتصادين الصهيوني والفلسطيني، تتمثل في ثلاثة محاور أساسية؛ هي استيعاب سوق العمل الصهيوني لفائض العمالة الفلسطينية، والتي بلغت عند اندلاع الانتفاضة ما نسبته 23 في المائة من إجمالي القوى العاملة الفلسطينية، أي 146 ألف عامل يعملون في داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948.

أما الأمر الثاني؛ فهو العلاقات التجارية الفلسطينية، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني أكثر من 77 في المائة من حجم التجارة الفلسطينية. كما يلحق بذلك اعتماد السلطة الفلسطينية في تمويل خزينتها ودفع مرتبات موظفيها على الإيرادات الجمركية وإيرادات المقاصة الناجمة عن المعاملات التجارية مع الكيان الصهيوني.

وقد تمثلت سياسة الاحتلال الصهيوني الرامية لتدمير الاقتصاد الفلسطيني خلال انتفاضة الأقصى، في إغلاق كافة المعابر والحدود والمنافذ الخارجية التي تربط الضفة والقطاع بالعالم الخارجي، بما فيها فلسطين المحتلة عام 1948، وتجزئة المناطق والمدن والقرى الفلسطينية وعزلها عن بعضها بعضاً.

كما تم منع عشرات الألوف من العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم في داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948، بذرائع أمنية واهية. في حين مُنع العمال الفلسطينيون في القرى والمخيمات من الوصول إلى أماكن عملهم في المدن الفلسطينية.

وفرضت سلطات الاحتلال القيود المشددة على الصادرات من الأراضي الفلسطينية والواردات إليها، وذلك في الوقت الذي كانت فيه تدمر مرافق البنية التحتية الفلسطينية وتقصف المصانع وتجرف المزارع، وتدمر المنازل والمرافق العامة والخاصة، وتعمد إلى قتل وجرح الآلاف من الفلسطينيين.

كما كان من بين أفدح الطرق لضرب الاقتصاد الفلسطيني؛ احتجاز سلطات الاحتلال مستحقات السلطة الفلسطينية من إيرادات المقاصة التي تجبيها سلطات الجمارك، والتي تقدر شهرياً بنحو ستين مليون دولار.

وقد ساهمت هذه الإجراءات والممارسات الصهيونية في انخفاض الناتج المحلي بحوالي 40 في المائة، وارتفاع معدل البطالة من 10 في المائة قبل الحصار والإغلاق إلى 27 في المائة خلال الربع الأول من العام الماضي (2005)، حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أي حوالي 208 آلاف عاطل عن العمل، أما وزارة العمل فتقدرها بحوالي 40 في المائة.

وأشارت البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إلى أنّ ما نسبته 62.6 في المائة من مجمل الأسر الفلسطينية فقدت أكثر من نصف دخلها خلال انتفاضة، جراء سياسات الاحتلال، وذلك بواقع 61.3 في المائة في الضفة الغربية و65.6 في المائة في قطاع غزة خلال العام الحالي (2006)، وأنّ ما نسبته 48.7 في المائة من الأسر خفضت نفقاتها على الحاجات الأساسية خلال الشهور 12 الماضية بواقع 51.3 في المائة في الضفة الغربية و43.7 في المائة في قطاع غزة، وقد تركز ذلك التخفيض على الملابس والغذاء.

وأشارت البيانات أيضاً إلى أنّ هناك نسبة عالية من الأسر قامت بتغيير نمط استهلاكها للمواد الغذائية التي اعتادت على استهلاكها قبيل الانتفاضة الحالية، حيث قامت 97.2 في المائة من الأسر بتخفيض كمية اللحوم، وخفضت 95.3 في المائة من الأسر كمية الفواكه، وقامت 91.2 في المائة من الأسر بتخفيض كمية الطعام إجمالاً التي اعتادت على استهلاكها قبل الانتفاضة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات