الثلاثاء 29/أبريل/2025

وائل غفري.. رجل الأرض الذي لم يغادرها إلا شهيداً

وائل غفري.. رجل الأرض الذي لم يغادرها إلا شهيداً

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام

على تراب بلدة سنجل، شمال رام الله، انكفأ جسد وائل باسم غفري (48 عاماً) شهيداً، بعد عمرٍ قضاه متشبثاً بالأرض، حاملاً فوق كتفيه وصايا الأجداد، وقَسَم الفلاحين بأن لا يساوموا يوماً على حفنة تراب.

وائل، الذي ولد بعد شهور قليلة من يوم الأرض، كان تجسيداً حياً لمعناه، ترعرع بين الزعتر والميرمية، سقى أشجاره بعرقه، وعانق تراب أرضه كما يعانق المحب معشوقه. لم يكن مزارعاً عادياً، بل كان حارساً للأرض، ومقاتلاً في معركة الصمود.

لم يعرف وائل طريقاً غير الأرض؛ فكان فلاحاً مجبولاً بترابها، يزرع ويحصد، يربي الماشية، ويعتني بخلايا النحل التي كان يعدها أبناء له.

امتلك أرضاً في أكثر المواقع استهدافاً من قبل المستعمرين: “الرماني”، و”الرفيد”، و”أبو العوف”، تلك البقاع التي ظلت شاهدة على معاركه اليومية مع الاحتلال.

بإصرار لا يلين، واجه غفري محاولات الاستيلاء التي استهدفت أرضه، وتعرض لاعتداءات المستعمرين مرات عديدة، يعرفه المستعمرون بالاسم، تماماً كما تعرفه سنابل القمح وعناقيد الزيتون، وكما تعرفه حجارة الأرض التي كان يدافع عنها حتى النفس الأخير.

في مساء الاثنين، 21 نيسان الجاري، حين هاجم مستعمرون منطقة جنوب سنجل، أحرقوا غرفاً زراعية، ودمروا مزروعات، وأحرقوا المركبات، وائل كان أول من وصل، كعادته، يقاتل النار والموت بيديه العاريتين.

حاول إخماد الحريق الذي طال غرفة شقيقه، ووقف في وجه جنود الاحتلال الذين وفروا الحماية للمستعمرين، هناك، وسط رائحة الدخان وأزيز قنابل الغاز السام، سقط وائل، ليس خسارة، بل صعوداً نحو الخلود.

لم يكن وائل حارساً للأرض فقط، بل كان روحاً تنبض بالحياة في سنجل، مشجعاً رياضياً، داعماً لكل مناسبة، كريماً مع أبناء بلدته، باسماً رغم القهر، مقداماً حين يتطلب الأمر موقفاً.

سعى طوال حياته لتحفيز أهل بلدته على التمسك بأراضيهم، يلتقط صور الزعتر البري ويشاركها عبر مجموعات التواصل ليذكر الجميع أن الأرض حيّة، تنتظر من يعانقها ويذود عنها.

سنجل، البلدة التي يبلغ عدد سكانها نحو ثمانية آلاف نسمة، تعاني حصاراً استيطانياً خانقاً، إذ تبتلع المستعمرات آلاف الدونمات من أراضيها، وتحاصرها خمس بؤر رعوية واستعمارية. المدخل الرئيس للبلدة مغلق منذ شهور، والسياج العازل الذي يقيمه الاحتلال يفصل أكثر من خمسة آلاف دونم عن أصحابها، فيما يتواصل الاستيلاء على الأراضي لصالح مشاريع استعمارية توسعية.

لكن رغم الحصار، وسنوات القهر، ظلت سنجل تنجب رجالاً بحجم وائل غفري، رجالاً يؤمنون أن الأرض لا تُحمى بالكلمات، بل بالتضحيات.

في وداعه، قررت سنجل أن تحيي ذكرى شهيدها بمشاريع تحمل اسمه: استصلاح الأرض التي دافع عنها، تنظيم دوري رياضي يخلد ذكراه، وأن يبقى اسمه مرسوماً على جدار الذاكرة الجمعية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات