الثلاثاء 29/أبريل/2025

الأكاذيب والشائعات.. رصاصات يطلقها الاحتلال فتصيب مصداقيته في مقتل

الأكاذيب والشائعات.. رصاصات يطلقها الاحتلال فتصيب مصداقيته في مقتل

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

بواسطة تقنيات حديثة وبرامج الذكاء الاصطناعي استطاعت إسرائيل أن تحقق أهدافًا في عدوانها على قطاع غزة، وفي القلب منها التدمير الشامل لكل مظاهر الحياة فيه، واستطاعت كذلك من خلال تلك التقنيات أن تحقق هدفًا رئيسيًّا لطالما برعت فيه، وهو نجاح عمليات الاغتيال الجبانة لشخصيات داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، لكن رغم ذلك لم تنفعها تقنياتها وأدواتها الاستخباراتية في إقناع الرأي العام بالروايات الكاذبة التي تسوقها لإظهار قوتها وتقدمها من ناحية، ولإضفاء شرعية على جرائمها التي حوّلتها من ضحية في عيون المغيبين إلى كيان وحشي يقتل الأطفال والنساء، ويستحق النبذ والمساءلة أمام المحاكم الدولية.

فعلى الرغم من رواية الهولوكست التي استمالت بها إسرائيل عواطف الكثيرين من الغرب، على المستويات الرسمية والنخبوية والشعبية، كونها رواية تفتقد إلى التوثيق المتنوع الذي يشهده عالمنا المعاصر، فإنها، ومن خلال فضح أكاذيبها وتهافت رواياتها خلال تلك الحرب الدموية التي تخوضها على جبهات المقاومة منذ عام ونصف، ضربت مصداقيتها في مقتل، وساعدت كل من صدّقوها بالأمس على أن يكذبوها اليوم، بعد ما رأوا من افتضاح شائعاتها بالصوت والصورة.

في المقابل، أدارت المقاومة الفلسطينية معركتها الإعلامية بمهارة فائقة، من خلال اعتماد الروايات الصادقة دون تهوين أو تهويل، ووثّقت معظم رسائلها بما يُتاح لها من وسائل بسيطة وسط هذا الكم المخيف من الحصار والرقابة، الأمر الذي أسهم في اعتماد الرأي العام لكل كلمة تصدر عن الناطقين الرسميين باسم المقاومة، في مقابل تكذيب كل ما يصدر عن قادة الاحتلال وناطقيه الرسميين من تصريحات وروايات ووعود.

نفق (بل خندق) فيلادلفيا

وأسهمت معركة طوفان الأقصى أيضًا في أن تكشف خبايا الصراع السياسي داخل نخبة كيان الاحتلال، ما جعل بعضهم يُكذّب رواية بعض، وكان آخر تلك المواقف، ما كشفه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بأن الصورة المشهورة، التي نشرها جيشهم (وقت أن كان وزيرًا) لما قال إنه نفق ضخم في محور فيلادلفيا جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر وعمقه عشرات الأمتار تحت الأرض، كانت كاذبة.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن غالانت قوله إن النفق لم يكن موجودًا في الأصل، وإن ما عثر عليه هو خندق عمقه متر واحد فقط، مؤكدًا أن الصورة استخدمت حينها لتسويق وجود أنفاق في محور فيلادلفيا من أجل المبالغة في أهمية طريق فيلادلفيا ولتأخير صفقة تبادل الأسرى.

وتعود الصورة المذكورة إلى أغسطس/آب الماضي، حين نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، وزعمت تل أبيب حينها أنها اكتشفت نفقًا ضخمًا للمقاومة الفلسطينية يبلغ ارتفاعه عدة أمتار، فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية حينها عن إنجاز كبير يتمثل في اكتشاف النفق الضخم المكون من 3 طوابق، الذي قالت إنه من ضمن البنية التحتية الواقعة تحت الأرض والتي أدهشت الجنود الإسرائيليين.

“رصاصة في صدر نتنياهو”

وقال غالانت إن “الغرض من نشر الصورة هو تأكيد أهمية محور فيلادلفيا وإظهار أهميته وكونه معبرًا للسلاح إلى غزة، وهو ما يخالف الواقع”، فيما أظهرت صورة النفق، التي نشرها جيش الاحتلال، مركبة عسكرية وهي تخرج من النفق المذكور الذي لم يكن في الواقع إلا قناة عادية لتصريف المياه.

اعترافات غالانت -التي قوبلت بصمت تام من قادة الاحتلال، ولم يُكذّبها أحدهم- رغم أنها تدينه -كونها اعترافات تدل على مشاركته شخصيًّا في ترويج تلك الكذبة (إذ كان وزيرًا للجيش وقتها)- وصفها الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء فايز الدويري، بأنها إلقاء للرصاص على قدمي غالانت، وفي صدر نتنياهو.

وأضاف الدويري -في تحليله العسكري على شبكة الجزيرة- أن هذا الاعتراف يعطي دلالة للرأي العام الإسرائيلي أن جيش الاحتلال منسجم مع المستوى السياسي في الرغبة بعدم إنهاء الحرب، وأن الالتجاء لتسويق مثل هذه الروايات يكون بهدف تحقيق أهداف سياسية يديرها نتنياهو، وأن مسؤولي جيش الاحتلال -سواء كان وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو المتحدث باسم الجيش- ما هم إلا موظفون عند نتنياهو، وأنه بنفسه يدير المعركة وليس العسكريون.

مجزرة المسعفين

هذه الاعترافات التي أدلى بها غالانت لم تكن أول افتضاح لكذب روايات الاحتلال، بل سبقتها حوادث عديدة لم يكن بإمكان جيش الاحتلال التهرب منها؛ حيث سبقتها بأيام قليلة فضيحة كذب رواية الاحتلال بشأن مجزرة المسعفين التي وقعت في رفح في الـ 23 من مارس/آذار الماضي.؛ حيث أظهر مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، من هاتف أحد المسعفين الفلسطينيين الذين عُثر عليهم في مقبرة جماعية في رفح جنوبي قطاع غزة، مزاعم وأكاذيب الرواية الإسرائيلية حول تلك المجزرة.

فبعد انتشال الهلال الأحمر الفلسطيني جثامين 15 مسعفًا، بينهم 8 من طواقمه و6 من الدفاع المدني وموظف يتبع وكالة أممية، استُشهِدوا في إطلاق نار لجيش الاحتلال الإسرائيلي على سيارات إسعاف في تل السلطان في رفح جنوبي قطاع غزة، قالت الأمم المتحدة إن الشهداء كانوا من مسعفي الطوارئ الذين استجابوا لنداءات استغاثة من فلسطينيين في جنوب غزة، بينما وصفهم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنهم “إرهابيون”.

وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي ادعي أن قواته أطلقت النار على سيارات إسعاف في قطاع غزة بعدما اعتبرها “مشبوهة”، وأن المركبات كانت “تتحرك بشكل مريب” دون تشغيل الأضواء أو إشارات الطوارئ.

الرواية كاذبة

إلا أن الرواية الإسرائيلية التي لم تجد قدمين تتكئ عليهما، كذبتها صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير لها؛ حيث قالت إنها حصلت على فيديو يظهر لحظة استهداف المسعفين من قبل جيش الاحتلال من دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة، وأنها تحققت من موقعه وتوقيته.

وأضافت الصحيفة أن الفيديو يدحض الرواية الإسرائيلية، إذ يُظهِر بوضوح سيارات الإسعاف وشاحنة الإطفاء التي كان على متنها عناصر الإسعاف والدفاع المدني الـ 15، مشيرة إلى أن مصابيح الطوارئ في المركبات كانت مشغّلة لحظة استهدافها.

وأكدت أن صوت المسعف يُسمع في الفيديو وهو يردد الشهادة أثناء إطلاق النار، كما نقلت عن المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني نبال فرسخ، قولها إن المسعف الذي صوّر الفيديو كانت عليه آثار الإصابة برصاصة في رأسه.

عقب تلك الفضيحة التي أظهرتها الصحيفة الأمريكية سارع جيش الاحتلال إلى محاولة استغلال التفاصيل الجديدة لتبديل روايته الأولى حول الجريمة، مُدعيًا أنه فتح تحقيقاً لفحص الأدلة.

شائعات معركة “الطوفان”

لنعد إلى بدايات الحرب؛ حيث الروايات المتعاقبة لقادة الاحتلال التي لاقت رواجًا واسعًا حينها، بل وتبناها البيت الأبيض، متمثلا في الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وذلك بهدف شرعنة عملية الإبادة الجماعية التي قرر جيش الاحتلال تنفيذها بموافقة أمريكية كاملة.

تقول الرواية الإسرائيلية إن حركة حماس قامت -في يوم السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023- بقتل عشرات الأطفال، وقد عثر الجيش الإسرائيلي على 40 طفلًا مقطوعي الرأس في غلاف غزة، هذا بالإضافة إلى الادعاء بأن مقاتلي حماس نفذوا عمليات اغتصاب جماعي للنساء والتمثيل بالجثث داخل معسكرات ومستوطنات الغلاف.

تصريحات المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بشأن هذه الرواية وضعت الحكومة وحلفاءها في مأزق أمام الرأي العام العالمي؛ حيث أشار مسؤولون في الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مشاهدتهم لصور لأطفال رضع في إسرائيل قتلوا بالرصاص، وانكشفت الحقيقة بعدما نوهت الخارجية الإسرائيلية إلى أنها لم تتمكن من تأكيد تقارير قتل حماس لأطفال جنوب البلاد.

أما البيت الأبيض فنفى في تصريحات لاحقة -عقب افتضاح الرواية- أن يكون الرئيس بايدن قد اطلع على صور لأطفال مقطوعي الرؤوس، مشيرًا إلى أنه (بايدن) اعتمد في تصريحاته على رواية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

الأكاذيب تتهاوى

قبل ذلك -وعقب عودة جيش الاحتلال إلى السيطرة على مستوطنات الغلاف (موقع معركة طوفان الأقصى)- سارع قادة الجيش باستعداء صحفيين وناشطين إلى تلك المستوطنات لتنقل على ألسنتهم رواياتها التي أرادت من ورائها استعطاف الرأي العام العالمي تمهيدًا لارتكاب المجازر بحق كل ما هو فلسطيني في قطاع غزة.

انسجامًا مع ذلك التوجه، قام الناشط الإسرائيلي حاييم أوتمازغين، بالترويج لرواية اغتصاب مقاتلي القسام للنساء في تلك المستوطنات، لتقوم بعدها الصحافة العالمية باعتماد روايته في ترويج تلك الشائعة من دون تحقق، حتى عنونت الصحيفة الأمريكية “وول ستريت جورنال” أحد أعدادها الصادرة في الأيام الأولى للحرب بالقول: “قتل وعنف جسدي وتعذيب في السبت الأسود من السابع من أكتوبر”.

وبعد تسارع الروايات المضادة لتلك الدعاية الإسرائيلية السوداء، خرج الناشط أوتمازغين (مروج رواية الاغتصاب)، لينفي ما روّجه، ويعترف بأنه اتضح له أن “الأمر لم يكن كذلك”، وفق تعبيره.

لتتوالى بعد ذلك سلسلة من فضح تلك الأكاذيب، والتي من بينها قيام الصحفي الإسرائيلي أورنين زيف -الذي شارك في جولة الصحفيين في مستوطنة كفار عزة- بتكذيب الرواية المتعلقة بقطع رؤوس الأطفال، وإعلان ذلك على حسابه على منصة “إكس”، ما اضطر جيش الاحتلال فيما بعد لتبني نفي تلك الروايات بشكل رسمي، ولكن في الوقت نفسه أطلق العنان لإعلامييه وناشطيه بترديدها على القنوات التلفزيونية والصحف.

انتصارات زائفة

وخلال عملياتها البرية داخل غزة، روجت حسابات وصفحات إسرائيلية لانتصارات زائفة ونشرت مقاطع فيديو ومشاهد قالوا إنها تُظهر مقاتلين من حركة حماس وهم يسلّمون أنفسهم وأسلحتهم لقوات الجيش الإسرائيلي المتوغلة داخل القطاع.

تتبع تلك الروايات الموقع التحقيقي “مسبار” والذي أكد أنها روايات “مضللة”، مستدلاًّ بأن من ظهر في المشاهد هم من المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا في غزة خلال التوغل البري الإسرائيلي، وليسوا عناصر من حماس سلموا أنفسهم، كما كشف “مسبار” أن بعض هذه المشاهد جرى تصويرها بعدما أجبر الجيش الإسرائيلي المدنيين على التعري وتصويرهم بهذا الشكل.

وجاء هذا مع استمرار تصدي عناصر المقاومة للقوات الإسرائيلية وفي غزة، وإعلانها تدمير مئات الدبابات وقتل الكثير من جنود الاحتلال.

استخدام الذكاء الاصطناعي

ولا تقوم الدعاية الإسرائيلية على نشر مقاطع فيديو قديمة ومجتزأة والتلاعب في أصل الرواية فقط، بل تعمل أيضًا على تصميم محتوى جذاب بصريًّا، باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وسبق ونشر الإعلام الإسرائيلي صورة ادّعت أنّها تُظهر أسلحة داخل إحدى الأنفاق في غزة، وأنّ النفق يوجد أسفل مستشفى تابع لمنظمة الصحة العالمية. وأخرى ادعى ناشروها أنها من التوغل الإسرائيلي في شوارع قطاع غزة وتُظهر وجود دبابات عليها العلم الإسرائيلي. بالإضافة إلى صورة لجنود من الجيش الإسرائيلي في غزة، يحتفلون ويقفون أمام شكل على هيئة شمعدان حانوكا، الذي يُعرف بعيد الأنوار عند اليهود، إضافة إلى نقش لنجمة داود على أحد الأحجار المكدسة أمام المبنى.

يحكي الصحفي الاستقصائي الأمريكي بوب وودورد، في كتابه الجديد الذي عنوانه “الحرب”، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اشتكى لأحد أقرب مساعديه في البيت الأبيض من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكذب دون توقف.

الكذاب اللعين!

وحسب وودورد فإن بايدن وصف نتنياهو بالكذاب اللعين، وبالشخص الدنيء، وقال إن ثمانية عشر من أصل تسعة عشر شخصًا يعملون مع نتنياهو كاذبون.. يبدو أن بايدن عانى كثيرًا من كذب نتنياهو وفريقه، وأنه كان يشعر بالإحباط والإهانة، لكنه لم يستطع فعل شيء لأن الأمر يتعلق بإسرائيل.

يقول الصحفي مصطفى ازريد إن جرأة نتنياهو في الكذب قد بلغت حد تقديم خطة لصفقة تبادل الأسرى لبايدن، الذي تبناها وقدمها للعالم ليفاجأ بعد ذلك بتراجع نتنياهو عنها، وبعد تنكر نتنياهو لخطته عادت الإدارة الأميركية إلى تحميل حماس مسؤولية عرقلة الصفقة، ما يؤكد أنها تعامل إسرائيل كطفل مدلل يسمح له بالكذب طول الوقت دون محاسبة أو عقاب، مع استعداد دائم لتحمل عواقب أخطائه وكذبه.

ويضيف ازريد في مقال له نشرته شبكة الجزيرة: “أدركت الصهيونية منذ البداية أن الكذب سلاح فتاك يحقق أهدافًا لا تحققها وسائل أخرى، ويسمح بالتحكم في الرأي العام؛ ولذلك اهتمت بالسيطرة على أكثر وسائل الإعلام الدولية تأثيرًا، ويكفي أن يلقي المرء اليوم نظرة على لائحة من يملكون أو يديرون كبرى وسائل الإعلام الغربية، ليدرك أن الصهيونية تتحكم فيها تحكمًا كاملًا تقريبًا. وقد انعكس هذا على تغطيتها للحرب على غزة، فتعاملت مع أكاذيب إسرائيل أغلب الوقت كحقائق، واستماتت في الدفاع عنها”.

ويؤكد ازريد أن مسؤولين إسرائيليين استمروا في ترديد هذه الأكاذيب بشأن أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كلما سمحت لهم الفرصة، ورددها معهم إعلاميون منافقون. فالكذب – حتى لو اكتشفه الآخرون- يبقى مفيدًا لتحقيق الأهداف، وفرض سردية المظلومية التي تبقى إحدى أهم الركائز التي بني عليها المشروع الصهيوني.

استهداف المستشفيات

وأردف: “في الأيام الأولى للحرب، قصف جيش الاحتلال مستشفى المعمداني، ما أدى إلى استشهاد خمسمائة فلسطيني.. غرد أحد مستشاري نتنياهو احتفاء بالهجوم، لكنه مسح تغريدته بسرعة بعد أن بدأت الإدانات تتوالى من عواصم عديدة، لتبدأ بعد أقل من ساعة حملة الأكاذيب، وظهر على شاشات كبرى شبكات التلفزيون سياسيون ومتحدثون عسكريون إسرائيليون، اتهموا حماس في البداية بإطلاق صاروخ سقط قرب المستشفى، ثم غيروا الرواية بعد ذلك لاتهام الجهاد الإسلامي”.

وأضاف: “كان التخبط واضحًا لكن الكذب حقق هدفه، لأن وسائل الإعلام الغربية تبنت الرواية الكاذبة، وظلت ترددها حتى صدقها كثير من الناس، وهذا هو التكتيك المتبع.. يطلق الإسرائيليون الكذبة، فيتلقفها الإعلام الموالي ويرددها كثيرًا، ويدافع عنها حتى يفرضها على المتلقي، ويجعله يتعامل معها كحقيقة، أو على الأقل يُدخله منطقة الشك فلا يتمكن من اتخاذ موقف يدين إسرائيل.

ويقول ازريد: “لم تطلق آلة الكذب الإسرائيلية نيرانها خلال هذه الحرب على جهة أكثر مما أطلقتها على المستشفيات الفلسطينية؛ انطلقت نيران الكذب لتتبعها نيران الطائرات والمدافع، في تكامل لا يتقنه أحد كما تتقنه إسرائيل”.

ويحكي أن إسرائيل فتحت مستشفى الشفاء بإظهاره مقرًّا للقيادة العامة لكتائب القسام، وقدموا للعالم مجسمًا ثلاثي الأبعاد يُظهر المقر كمدينة تحت المستشفى، واتهموا كتائب القسام باستخدام مستشفيات أخرى – منها الرنتيسي وكمال عدوان والإندونيسي- في عملياتها العسكرية.

ويتايع: “نفذ متحدثون عسكريون داخل المستشفيات مسرحيات سيئة التأليف والإخراج لإثبات وجود سلاح فيها، ما جعلهم عرضة لسخرية العالم.. لم يجدوا مقر قيادة عامة تحت مستشفى الشفاء، ولم يجدوا سلاحًا في باقي المستشفيات، وتحولوا إلى مادة للسخرية في العالم بسبب رداءة مسرحياتهم، لكنهم لم يهتموا بهذه السخرية، لأن الكذب يدخل ضمن خطة سياسية وعسكرية مدروسة لتبرير ما فعلوه بالمنظومة الصحية في غزة.. حققوا الهدف فعلًا، وهو تدمير المنظومة الصحية التي يعتقدون أنها من أهم عوامل صمود الفلسطينيين وثباتهم في أرضهم، ويعرفون أن استمرارها في تقديم خدمات طبية للفلسطينيين سيُفشل مشروع التطهير العرقي الذي يعد أهم أهداف الحرب غير المعلنة.

“الطوفان” يفضح الاحتلال

ويتساءل الكاتب: “هل سيشكل طوفان الأقصى نقطة فاصلة بين مرحلة تكذب فيها إسرائيل دون تبعات، وبين مرحلة يصبح لهذا الكذب فيها عواقب – على الأقل بالنسبة لصورتها- لدى الرأي العام الدولي؟”، مؤكدًا أن إسرائيل تدرك أن هذا الاستعمال الكثيف للكذب بعد طوفان الأقصى خرب صورتها، التي بذلت الصهيونية جهودًا مضنية لرسمها في العالم، واعتمدت في ذلك بشكل كبير على سردية المظلومية.

وينهي الكاتب مقاله بالقول: “قد ضُربت هذه السردية في مقتل، وتحولت إسرائيل لدى قطاع واسع من الرأي العام الدولي من مظلوم إلى ظالم. ومع ذلك تستمر في الاعتماد على إستراتيجية الكذب، لأنها مطمئنة إلى أن آلة الدعاية الصهيونية الجبارة قادرة على ترميم هذه الصورة وتجميلها ولو بعد حين”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات