الهدم والتهجير في الضفة الغربية.. الوجه الآخر للإبادة الجماعية في غزة

الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام

مع تصاعد العدوان واستمرار المجازر التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، ضمن الإبادة الجماعية، تكثف قوات الاحتلال الإسرائيلي سياسة هدم المنازل وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية، في مشهد يعكس وحدة النهج الإسرائيلي في تعميق مشروع التطهير العرقي عبر الجغرافيا الفلسطينية.

ويأتي هذا التصعيد الخطير بالتزامن مع تسارع وتيرة الاستيطان، وفرض سياسات الضم التدريجي للضفة الغربية، مما يؤكد – وفق خبراء- أن ما تشهده الأرض الفلسطينية لا يمكن اختزاله كرد فعل على عمليات المقاومة في 7 أكتوبر، أو بسبب وجود أسرى إسرائيليين، بل هو امتداد لسياسة كيان احتلال قائمة على نفي الوجود الفلسطيني بكل الوسائل الممكنة.

أرقام تتحدث: عشرات المنازل والمنشآت مهدمة وآلاف المشرّدين

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان رصد في بيان له، تصاعد عمليات الهدم والتهجير وتدمير الممتلكات والمنشآت الفلسطينية، بما فيها تلك القائمة منذ عقود، في إطار سعي سلطات الاحتلال إلى فرض وقائع ديموغرافية جديدة عبر انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وخلال 10 أيام من أبريل/نيسان الجاري، وثق المركز الحقوقي تنفيذ الاحتلال15 عملية هدم في مختلف محافظات الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، طالت 24 منزلاً، و58 منشأة وخيمة، تسببت في تشريد مئات المواطنين، بينهم نساء وأطفال.

ففي الخليل، هدمت قوات الاحتلال في 9 أبريل منزلين للمواطنين أحمد وفتحي إسماعيل أبو القيعان في بلدة السموع، بعد تجاهل اعتراضات قانونية تقدم بها أصحابها. أحد المنزلين كان يضم 10 أفراد، بينهم 8 أطفال.

ضمن سياسة التهجير في الضفة هدم جيش الاحتلال اليوم منزلين في قرية الريحية جنوبي الخليل، يسكنهما حوالي 50 شخص.

نلحظ في الفيديو قيام الأهالي بالتصدي للجنود وقبل يومين تصدى أهالي وادي فوكين وتوفي أحد الأهالي بجلطة وهو يرى الجيش يهدم منزلًا.

عند الوصول للحظة الأخيرة قبل الهدم لا… pic.twitter.com/VhOeebk9bK

— yaseenizeddeen (@yaseenizeddeen) April 10, 2025

يقول أحمد أبو القيعان: “بنيت المنزل عام 2019 مع شقيقي، وكلفنا البناء أكثر من مليون شيكل. فجأة جاءت الجرافات دون إنذار مسبق، وهدمت كل شيء”.

أما في القدس المحتلة، أجبر الاحتلال المواطن علاء عبد عليان على تنفيذ هدم ذاتي لملحق منزله وأساسات بناية قيد الإنشاء، تحت تهديد الغرامات الباهظة من بلدية الاحتلال. “حاولت ترخيص الملحق الذي بنيته لعائلتي منذ 2010، لكنهم رفضوا، وفرضوا عليّ 70 ألف شيكل، ثم أجبروني على هدمه بنفسي”، يقول عليان.

الاحتلال يجبر الفلسطيني علاء عليان على هدم منزله المكون من طابقين في بلدة بيت صفافا جنوب القدس المحتلة، بحجة عدم الترخيص. pic.twitter.com/BP3Wg2IlnA

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 9, 2025

وفي سلفيت، هدم الاحتلال منزلين مأهولين في بلدة بروقين للمواطنين محمد صبرة وعلاء محمود بدعوى البناء في منطقة مصنفة (ج)، وهي إحدى الوسائل التي تستخدمها إسرائيل لتفريغ هذه المناطق من الفلسطينيين.

“لم أستطع إخراج شيء من البيت، حتى أغنامي تشتت في البراري”، يضيف صبرة.

أما رام الله، فقد هدمت قوات الاحتلال صالة النعمة للأفراح في بيت لقيا بمساحة 500 متر، وغرفة زراعية في بيت نوبا، تحت ذريعة البناء قرب جدار الفصل العنصري.

وفي نابلس، هدم الاحتلال منزلين في منطقة التعاون العلوي، تعودان للمواطنين ناصر مسروجة وعلي محراب، وكلتاهما عائلتان تضم أطفالاً.

أحد ملاكها أصيب بأزمة قلبية أدت لوفاته بسبب هدم منزله..
الاحتلال الإسرائيلي يهدم نحو 10 منازل في الضفة الغربية لفلسطينيين، حيث هدم 200 منزل ومبنى لفلسطينيين منذ مطلع 2025 فيما وزّع أكثر من 300 إخطار بالهدم والإخلاء. pic.twitter.com/Vw2INZ4Q0b

— AJ+ عربي (@ajplusarabi) April 9, 2025

ولم تسلم الأغوار الشمالية من الاستهداف، حيث هدمت قوات الاحتلال في تجمع الرأس الأحمر 45 خيمة وبركسات، وهجّرت خمس عائلات من عائلة أبو عرام، فيما دمرت كذلك محتويات وحظائر تعود لمواشيهم.

وفي بيت لحم، شرّد الاحتلال سبعة مواطنين بعد هدم منزلين في قرية وادي فوكين، أحدهما للمواطن عاصم مناصرة الذي قال: “فوجئت بالجرافات تحاصر المنزل عند الفجر وشرعت بالهدم دون أي فرصة لإخراج الأثاث”.

منهجية العقاب الجماعي: الهدم كأداة سياسية واستيطانية

تُظهر عمليات الهدم أنها ليست مجرد مخالفات بناء كما تزعم إسرائيل، بل أدوات ضمن مشروع متكامل لتفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، لا سيما في المناطق المصنفة (ج) التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة الاحتلال الكاملة.

جيش الاحتلال الإسرائيلي يهدم 4 منازل في الضفة الغربية بدعوى البناء دون ترخيص في الخليل وطولكرم pic.twitter.com/Hbf47tK50s

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) April 11, 2025

ويتم تنفيذ الهدم إما بذريعة غياب التراخيص، أو ضمن ما يسمى “الإجراءات العقابية”، أو بحجج “قرب الأبنية من المستوطنات أو الجدار”، وهي كلها مبررات تستند إلى منظومة قانونية عنصرية لا تمنح الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوق البناء والسكن.

الاحتلال غير القانوني.. وتواطؤ المجتمع الدولي

يشدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على أن عمليات الهدم والتهجير القسري تشكل جرائم حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر التدمير غير المبرر للممتلكات، كما ترفض العقوبات الجماعية.

بالإضافة لهدم منازل مواطنين بكل أنحاء الضفة وبعض الهدم بصير فجأة بدون تحذير
هيّ الامان الي بتحكي عنه السلطة. https://t.co/aPunnmLjkf pic.twitter.com/Ej0A6KzRQE

— أســ (@uzisall) April 8, 2025

ويذكّر المركز بأن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو 2024 رأياً استشارياً يؤكد عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ويدعو إسرائيل إلى إنهاء وجودها الاستعماري فوراً.

لا فكاك بين غزة والضفة

ما يجري في الضفة الغربية من تطهير عرقي ممنهج عبر أدوات “قانونية” وهدم ذاتي وهدم قسري وتهجير قسري، يتكامل مع الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة. إنها سياسة استعمارية واحدة تتخذ أشكالًا متعددة لكنها تسير باتجاه واحد: اقتلاع الفلسطيني من أرضه.

ومع استمرار تعاجز المجتمع الدولي عن الوقوف بجدية لوقف هذه السياسات وتجريم الاحتلال أمام المحاكم الدولية، يصر الفلسطينيون على مواجهة هذا المشروع العنصري الإحلالي، الذي لم يعد يخجل من الكشف عن نواياه الحقيقية.