الأربعاء 30/أبريل/2025

قرار حظر الأونروا.. أبعاد سياسية واجتماعية تعزز السطوة الإسرائيلية

قرار حظر الأونروا.. أبعاد سياسية واجتماعية تعزز السطوة الإسرائيلية

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام

يقول عاملون في العيادة الرئيسية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، بالبلدة القديمة والمعروفة بزاوية الهنود عند مدخل باب الساهرة، إن القرار الإسرائيلي بحظر المؤسسة الأممية سيمس بالخدمات الطبية والدوائية المقدمة لأكثر من 30 ألف لاجئ في القدس.

وتتحدث إحدى الممرضات في العيادة عن أنها هي وزملاءها من الطاقم الطبي والتمريضي والعاملين الآخرين، وعددهم 17 موظفاً، أُبلغوا أخيراً، شفهياً من قبل “أونروا” بالقرار الإسرائيلي، وأن عليهم الاستعداد للتوقف عن العمل مع انتهاء المهلة التي تدخل حيز التنفيذ اليوم الخميس.

وحول مصير هذا الطاقم الطبي والتمريضي تقول الممرضة، التي امتنعت عن ذكر اسمها، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنها تتوقع توزيعهم على مؤسسات الوكالة الدولية في الضفة الغربية، سواء في رام الله أو بلدة العيزرية شرق مدينة القدس.

وتنتهي اليوم الخميس 29 يناير/ كانون الثاني 2025، المهلة التي حددتها دولة الاحتلال الإسرائيلي للأونروا قبل دخول قرار حظر الوكالة الأممية حيّز التنفيذ في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يشمل القدس، ما يعني حرمان عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من خدمات بينها التعليم والرعاية الصحية، لا سيما مع إغلاق مقار “أونروا” في القدس المحتلة.

ويوم الثلاثاء الماضي، أمهلت سلطات الاحتلال الأونروا 48 ساعة لإخلاء منشآتها في القدس المحتلة، وإنهاء نشاطها.

وجاء قرار إنهاء عمل الأونروا في سياق حملة شنتها على الوكالة منذ العام الماضي، بعد ادعائها الذي لم تثبت صحته بأن موظفين في “أونروا” شاركوا في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

واعتمدت تل أبيب، قانوناً صادق عليه الكنيست (البرلمان)، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ينهي الوجود القانوني لـ”أونروا” في إسرائيل، على أن يدخل حيّز التنفيذ في 30 يناير/ كانون الثاني الحالي.

وبموجب القانون يتم إيقاف جميع أنشطة الوكالة الأممية ضمن ما يسمى بحدود الإقليم السيادي لإسرائيل، وحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها، وإنهاء كل اتصالات التعاون والتواصل مع الوكالة أو أي جهة تنوب عنها.

وفي إبريل/ نيسان 2024، خلص تقرير المراجعة المستقلة للأونروا، برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا وبتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إلى أن الوكالة تتبع نهجاً حيادياً.

انهيار الخدمات الأساسية

واليوم الخميس، حذّر المتحدث باسم الأونروا جوناثان فاولر، من أن وقف عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها شرقي القدس، سيؤدي إلى انهيار الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها آلاف اللاجئين الفلسطينيين، بمن فيهم المرضى والطلاب.

وأكد أن غياب البدائل الحقيقية يجعل من إنهاء عمل وكالة “أونروا” كارثة إنسانية تفاقم معاناة اللاجئين. وأشار فاولر إلى أن مجمع “أونروا” في شرقي القدس يتمتع بالحماية بموجب اتفاقية عام 1946 بشأن المواقع الدبلوماسية، مؤكداً أن ما يُنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن خطط لبناء منازل ومحال تجارية في الموقع لا يعدو كونه سعياً لإقامة وحدات استيطانية جديدة.

وشدّد على أن شرقي القدس تُعد أرضاً محتلة وفق القانون الدولي، مبيناً أن محكمة العدل الدولية قضت العام الماضي بأنه لا ينبغي لأي جهة القيام بأي شيء لتعزيز الاحتلال.

وكشف فاولر أن سلطات الاحتلال قصّرت مهلة التأشيرات الممنوحة للموظفين الدوليين لدى الأونروا لتُصبح سارية حتى 29 كانون الثاني/ يناير فقط، وهو ما يعادل “طردهم”.

وأوضح أنه اضطر مع زملائه إلى مغادرة القدس متوجهين إلى العاصمة الأردنية عمان، قائلاً: “وصلتُ لتوي إلى الأردن. الموظفون الدوليون في المقر الرئيسي نُقلوا إلى مكان آخر حتى نتمكن من استئناف عملنا، لكننا لا نملك أي رؤية واضحة بشأن مستقبل عملياتنا”.

أما الموظفون المحليون، الذين يشكلون غالبية العاملين في الأونروا، فقد أُبلغوا بعدم التوجه إلى المجمع بسبب المخاطر المحتملة، خاصة في ظل إعلان مجموعات استيطانية إسرائيلية عن تنظيم مظاهرات أمام مقر الأونروا في القدس.

مخاطر محتملة

وفي رده على سؤال حول الامتثال للأوامر الإسرائيلية رغم أن شرقي القدس أرضاً محتلة، قال فاولر: “كل من يعمل لصالح الأمم المتحدة يحتاج إلى تأشيرة من الدولة التي يعمل فيها، ونحن لا نمارس عملنا في انتهاك للقانون، حتى لو كان ذلك يعني أن نفعل ذلك مُكرهين. لم يكن لدينا أي خيار آخر”.

وتحدث عن المخاطر الأمنية التي تواجه العاملين في المجمع قائلاً: “واجهنا العام الماضي هجمات حرق متعمد، وشهدنا مظاهرات عنيفة خارج المجمع، وتعرضنا لحوادث رشق بالحجارة بانتظام. أنا شخصياً تعرضت لذلك. أثناء محاولتنا إطفاء الحرائق باستخدام طفايات الحريق، كان المتظاهرون يرشقوننا بالزجاجات والحجارة”.

وأضاف: “هذا المجمع محمي بموجب اتفاقية عام 1946 بشأن المواقع الدبلوماسية، ويفترض أن يتمتع بالحصانة. لكن هناك رواية مختلفة تروجها بعض الجهات الإسرائيلية ووسائل الإعلام، تزعم أننا لا نملك عقد إيجار ساريًا للمجمع، وتروج لخطط استيطانية لبناء منازل ومتاجر في الموقع”.

رؤية غامضة

وحول تأثير القرارات الإسرائيلية على عمليات وكالة “أونروا”، قال فاولر: “نتمنى لو كنا نعرف. للأسف، ليست لدينا رؤية واضحة حول كيفية التنفيذ، وهذا أشبه بكابوس. من الغريب أن تختار دولة عضو في الأمم المتحدة إلغاء تفويض منظمة أممية مفوضة من قبل الجمعية العامة لتقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين”.

وأوضح أن القانونين اللذين أقرهما الكنيست “الإسرائيلي”، والمزمع دخولهما حيز التنفيذ اليوم الموافق 30 يناير، سيؤديان إلى حظر عمليات الأونروا في شرقيالشرقية، بزعم أنها تقع تحت السيادة الإسرائيلية، بالإضافة إلى منع أي اتصال بين مسؤولي الوكالة والمسؤولين الإسرائيليين.

وتساءل فاولر: “هل يعني هذا أن مدارسنا في الضفة الغربية ستتوقف؟ هل ستُغلق عياداتنا؟ هل سيتمكن موظفونا من التنقل؟ هل يمكننا إعادة تزويد عياداتنا بالأدوية؟ هناك خطر حقيقي في أن تؤدي هذه الإجراءات إلى شلل كامل في عملياتنا”.

وأكد أن الأونروا ملتزمة تمامًا بمواصلة تقديم الخدمات، مضيفًا: “لن نستسلم لهذا القرار، لكننا نعلم أن التداعيات العملية وعدم اليقين سيؤثران على عملياتنا بشكل كبير”.

وعن الوضع في غزة، أكد فاولر أن الأونروا لا تزال تحتفظ بوجود دولي هناك، رغم الصعوبات الكبيرة في تنقل الموظفين.

وقال: “قبل الحرب، كان لدينا 13 ألف موظف في غزة، معظمهم في قطاع التعليم. الآن توقف التعليم الرسمي، لكن حوالي خمسة آلاف موظف يواصلون العمل في الخدمات اللوجستية والتخزين وإدارة المساعدات، حيث تعتمد أكثر من نصف الإمدادات الإنسانية في القطاع على الأونروا”.

وأشار إلى أن الأونروا أدت دوراً رئيسياً خلال وقف إطلاق النار، قائلاً: “في الأيام الثلاثة الأولى فقط من الهدنة، استطعنا إيصال الغذاء إلى مليون شخص، والبطانيات إلى غالبية السكان”.

واختتم حديثه بتأكيد أن العاملين في الأونروا يواصلون أداء مهامهم رغم المخاطر الشديدة، مشيرًا إلى أن أكثر من 270 موظفًا في الوكالة استشهدوا منذ بداية الحرب، واصفًا ذلك بأنه “رقم غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة”.

واقع الأونروا في القدس

وتركز الحملة الإسرائيلية في إطار الحظر، على عمل مؤسسات “أونروا” في القدس المحتلة، حيث توجد مراكز صحية وتعليمية من بينها سبع مدارس، ومعهد جامعي، ستتوقف جميع أنشطتها، التي يستفيد من خدماتها أكثر من 110 آلاف لاجئ فلسطيني يتركز وجودهم في مخيم شعفاط، إلى الشمال من مدينة القدس، وفي البلدة القديمة ومحيطها.

وسيمس القرار الإسرائيلي بالخدمات الصحية التي تقدمها الأونروا للاجئين في القدس، والتي يستفيد من خدماتها الطبية والدوائية أكثر من 30 ألف لاجئ. 

 أما في قطاع التعليم، فسيكون للقرار الإسرائيلي بإغلاق مقار “أونروا” في القدس المحتلة، انعكاسات خطيرة على مستقبل آلاف التلاميذ في مدارس “أونروا” بمخيم شعفاط وبلدة سلوان، وكذلك في معهد التدريب المهني في قلنديا، حال إغلاق تلك المراكز التعليمية، وانتقالهم الى مدارس ومؤسسات تعليمية تابعة لبلدية الاحتلال.

وخروج الأونروا من القدس، سيضاعف من هيمنة سلطات الاحتلال على مدارس القدس، خصوصاً تلك التي تديرها البلدية والتي يزيد عدد تلامذتها عن 65 ألف تلميذ من أصل نحو 110 آلاف يتلقون تعليمهم في مدارس الوكالة وأخرى تابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ومدارس أهلية وخاصة يدير بعضها أديرة وكنائس.

ويقول عادل محيسن، من اللجنة الشعبية للدفاع عن مخيم شعفاط، إن قرار حظر الأونروا سيترتب عليه انعكاسات خطيرة في المخيم، على الصعد التعليمية والصحية والخدمات العامة من نظافة وغيرها، وسيؤول حال مئات التلاميذ في مدرستين للأونروا إلى مصير مجهول، بعد أن يتعذر قبولهم في مدارس بلدية الاحتلال أو المدارس الخاصة.

ويحذر محيسن من أن الخطورة الكبرى “تتمثل في محاولة الاحتلال إلغاء الصفة الرمزية للمخيم واللاجئين فيه باعتبار أن قضيتهم هي قضية حقوق سياسية وإنسانية بالدرجة الأولى، وأن حلها الوحيد هو عودة اللاجئين في المخيم إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هُجروا ونزحوا منها في العامين 1948 و1967”.

وفي بيان لها، يوم الأحد الماضي، بشأن عملها في القدس المحتلة، ذكرت “أونروا”، أنها تعمل في جميع أنحاء القدس الشرقية المحتلة منذ خمسينيات القرن الماضي، وتوفر الرعاية الصحية الأولية لـما مجموعه 70 ألف مريض إلى جانب 1150 تلميذا وتلميذة، في مدارس وعيادات “أونروا”.

وأضافت أن المقر الرئيسي لـ”أونروا” في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، حيث توجد الوكالة منذ أكثر من 70 عاماً، هو مركز عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة التي تشمل القدس الشرقية، وأن مجمع قلنديا هو مركز تدريب مهني لما مجموعه 350 طالبا وطالبة (تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة)، ويقع على أرض أتاحتها الحكومة الأردنية لـ”أونروا”. 

ولفتت إلى أنه “على مر السنين، كانت هناك محاولات متكررة لإجبار أونروا على إخلاء المبنى في الشيخ جراح، بما في ذلك من خلال هجمات الحرق المتعمد والاحتجاجات من قبل المتطرفين ورسائل الإخلاء. وقد تعرض موظفو أونروا للعنف والاعتقالات”، مشيرة إلى أن الوكالة “احتجت مراراً وتكراراً على هذه المحاولات لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية”.

أبعاد سياسية وعملياتية

ويقول الخبير في شؤون الأونروا سامي مشعشع، إن إغلاق مقر الأونروا في القدس له بعد رمزي وسياسي وعملياتي، لأن إدارة عمليات الوكالة في الضفة تنطلق من القدس، ويهدف الاحتلال سياسيا إلى القول بأنه لا يوجد لاجئون في القدس وإن القدس عاصمته الموحدة.

وأوضح في حديث لوكالة الأنباء الرسمية “وفا”، أن تداعيات قرار حظر عمل الأونروا ستطال الآلاف من اللاجئين من حملة الهوية المقدسية الذين يقطنون في مخيم شعفاط تحديدا.

وأضاف مشعشع أن القرار الإسرائيلي مدخل أساسي للقضاء على خدمات الوكالة في الضفة، حيث سيتأثر عشرات آلاف اللاجئين هناك من ناحية الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والإغاثية وكل الخدمات المعهودة منذ عقود، وستتم محاولة إنهاء عمل الوكالة تدريجيا.

ولفت إلى أن الخطورة تكمن عند إغلاق مدارس الوكالة في مخيم شعفاط، ومدارس أخرى في صور باهر وسلوان وواد الجوز وغيرها من المدارس، حيث سيضع المزيد من الأعباء على اللاجئين لتسجيل أبنائهم، علما أن المدارس الخاصة ومدارس الأوقاف مكتظة ولا يبقى أمامهم سوى التسجيل في المدارس الإسرائيلية التي تدرّس المنهاج الإسرائيلي، مما سيكون له تبعات فيما يتعلق بالوعي الجمعي للطلبة والقضية الفلسطينية، وتعزيز سطوة الاحتلال على كل مناحي الحياة.

ويرى مشعشع أن من تبعات القرار الإسرائيلي تأثيره في الأمن الوظيفي لمئات الموظفين الذين يعملون في القدس في المقر العام، وعلى المئات الذين يعملون في القدس وضواحيها.

غير أن التأثير الأكبر، حسب الخبير في شؤون الأونروا، هو أن الوكالة “لن تتمكن من استيراد الأغذية والمواد الإنسانية المنقذة للحياة، ولن يكون متاحا وضعها في المخازن بعد جلبها عبر الموانئ الإسرائيلية، وهذا سيؤثر في قدرة الوكالة على الإيفاء بالتزاماتها الإنسانية وتحديدا نحو اللاجئين والفقراء منهم، وهم كثر في الضفة”.

كما أن هناك تأثيرات مباشرة للقرار ستحد بشكل كبير من نجاعة تقديم ووصول الخدمات الصحية والخدمات الإغاثية وخدمات الإقراض والخدمات المختلفة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

حملة دهم واعتقالات في الضفة

حملة دهم واعتقالات في الضفة

الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأربعاء، حملة اقتحامات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، تخللتها اعتقالات بعد...

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني

البرش: الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش أن الاحتلال يبيد النسل الفلسطيني عبر منع الماء والغذاء...