السبت 10/مايو/2025

فأما الزبد فيذهب جفاءً!!

لمى خاطر

هكذا إذاً، أسدل الستار على عهد فتحاوي طالما تغنى منتسبوه بالمقاومة وادعوا لأنفسهم ريادة ميدانها، ومروا خلاله بمنعطفات مفصلية وحادة كان المشهد الأخير فيها أن غدا مقاومو الأمس زعران اليوم ومهددي أمن المجتمع الفلسطيني الذي عانى طويلاً من تسلط عصابات البلطجة وتغول أفرادها على أمنه وحياته باسم المقاومة.

أقول هذا ليس تجنياً على المقاومة، ولا على تلك الظاهرة الشريفة داخل فتح المسماة بكتائب الأقصى والتي تشكلت مطلع انتفاضة الأقصى، بل لأن ما بقي من تلك التشكيلات أو على الأصح ما طفا منها على السطح وتصدر الواجهة مؤخراً ليسوا سوى حفنة من المرتزقة وتجار الوطنية، ففتح لم تختطف فقط على المستوى السياسي بل إن السوس نخر كل مفاصلها حتى وصل عظم المقاومة فيها فأفسدها وجعلها رهينة بيد من يمتلك المال، وسرب إلى صفوفها الكثير من العناصر الموبوءة التي لا تحمل من المقاومة إلا اسمها.

فتح اليوم، لا تستحق العزاء فقط بسبب ذلك القرار الفضيحة الذي تحول بموجبه وبجرة قلم عشرات (المطاردين) إلى مسالمين يحظون بالرضا الصهيوني بعد أن باعوا سلاحهم بثمن بخس وارتضوا أن يكونوا جزءاً من الخطة الدايتونية في شقها الأمني بعد أن نفذت حركتهم الشق السياسي منها.

بل إن فتح تستحق العزاء والرثاء أيضاً بعد أن صار قرار (كتائبها) في يد حفنة من الرموز تحوم حولها مليون علامة استفهام؟ وإلا فما معنى أن يخرج المدعو (أبو جبل) – والجبال من فعائله براء – ليتحدث باسم كتائب الأقصى ويوقع باسمها على صك البراءة من المقاومة؟ أبو جبل الذي عرفته شوارع نابلس مخرباً ومفسداً ومجرما، وهو الذي لم يوسم سجله إلا بكل نقيصة من إرهاب الناس وفرض الأتاوات عليهم عنوة إلى اختطاف كوادر حماس وحرق مؤسساتها وإطلاق النار على أفرادها، وصولاً إلى سرقته أسئلة امتحانات التوجيهي وتعيين شقيقه بقوة السلاح وبلطجته مديراً لتربية نابلس، وانتهاء عند المحطة الأخيرة التي أعلن فيها تسليم سلاحه على اعتبار أنه سيصبح فرداً في إحدى الأجهزة الأمنية!!

وليس ثمة غرابة في ذلك، فـ (هيك مزبطة بدها هيك ختم)، وأجهزة أمنية تستظل ببركات خطة دايتون وترتع في نعيم الرضا الصهيوني من الطبيعي أن تفتح بابها على مصراعيه لواحد مثل ذلك الدعي، تماماً كما أنه لم يكن غريباً أن يقوم عباس بمنح نوط القدس لكل من المدعو (بهاء أبو جراد) المسؤول عن قتل العديد من كوادر حماس في غزة، والمجرم سميح المدهون بعد أن أبلى بلاء حسناً في القتل والتخريب والتعذيب وحرق البيوت وكان سجله خالياً من أية بصمة للمقاومة، باعتبارها الخصم الأبرز لعباس الذي لم يقر بها يوماً وسيلةً ناجعة لتحصيل الحقوق!

أرأيتم إذا ما هو شكل الواجهة التي باتت تعبر عن (كتائب الأقصى) وما هي خلفية من يتسابقون للحديث باسمها على الفضائيات وأمام وسائل الإعلام؟

مصيبتنا أننا نمتلك وسائل إعلام فلسطينية غير مهنية، وفاقدة لأدنى ذرة مصداقية، ولولا ذلك لما كان لنا أن نحفظ أسماء الرويبضة، وأن يحسبهم الجاهل مقاومين من كثرة ما تتردد أسماؤهم في وسائل الإعلام ويقدمهم تنظيمهم كمعبرين عنه!!

وليس بعيداً عن هذا، ذلك التبرير البائس  الذي خرج به علينا أحد ناطقي فتح مبرراً فضيحة تنظيمه الأخيرة، وقائلاً إن حماس لا يحق لها انتقاد ما جرى كون (كتائب الأقصى) كانت هي الملاحقة فقط في السنوات الأخيرة والحاملة عبء المقاومة!!

حقاً إن السخف يبلغ مداه مع هذا المنطق المفضوح، فهكذا يريد هذا الناطق (الفارط) الذكاء أن يقنع الناس بأن حماس تنعم بالأمن وأنها تعيش حالة مسالمة مع إسرائيل!!

فكيف لو لم تكن إسرائيل تعتقل كل هذا الكم من قادة وكوادر حماس في الضفة؟ كيف لو لم تكن كل مسارات العمل الحمساوي في الضفة محظورة صهيونياً، ومؤخراً فتحاوياً؟ كيف لو لم تكن المخابرات الصهيونية تجهد نفسها في تسديد الضربات الاستباقية لحماس خشية أن تستطيع إعادة بناء تنظيمها العسكري في الضفة والذي أذاق إسرائيل المر والعلقم على مدار سنوات الانتفاضة رغم شح إمكاناته التسليحية مقارنة مع غيره؟

بل كيف لو لم تكن حماس القوة الأولى المستهدفة بالاغتيال الصهيوني في غزة، ولو لم تكن مقرات التنفيذية قد دمرت عن بكرة أبيها؟ كيف لو لم يكن مقاتلو حماس يتقدمون الصفوف لحظة حصول أي توغل في القطاع وينجحون في تسديد ضربات مباشرة للاحتلال رغم تحصنه بآلياته الثقيلة عند اجتياحه لبعض مناطق القطاع؟

وفي المقابل نجد أن من يتحدث عنهم ذلك الناطق في الضفة يعدون بالمئات ومجهزون بأحدث الأسلحة، ويتحرك العدو أمامهم في شوارع الضفة وداخل مدنها دون تحصين، ومع ذلك فإننا لم نفتأ نسمع جعجعة لسلاحهم ولا نرى له طحناً اللهم إلا من إصابات محدودة جداً ومتفرقة في صفوف العدو، في مدينة نابلس تحديداً وعلى يد مجموعة غير خاضعة لفتح الرسمية، بل إن قائدها نايف أبو شرخ – رحمه الله – سبق وأن صرح قبل اغتياله بحوالي أسبوع بأنه بات يخجل من انتسابه لفتح؟!!

غير أن دأب فتح – الرسمية – القديم الجديد لن يتغير، فهي لا توفر فرصة لاستغلال رصيد بعض المجموعات المتفرقة المحسوبة عليها حتى لو لم تكن تدين لها بالولاء، وفي المقابل فإن الامتيازات الحقيقية لا يحظى بها سوى المنتفعون من حملة السلاح المشبوه الذين ما إن يثبت الواحد منهم نفسه في ميدان العبث والانفلات حتى يتصدر قمة (الجبل) الفتحاوي فيغدو قائدا وناطقا ومقرراً وتخلع عليه شتى توصيفات النضال ويحشى رصيده بكم لا آخر له من البطولات المزعومة، بينما يظل المقاومون الحقيقيون في ذيل القافلة الفتحاوية وعلى هامش حراكها، لا تسحب ورقتهم إلا لأغراض المزايدة الرخيصة على حماس.

ولكن ليعلم تجار السلاح أو (فلاسفته).. لا فرق.. بأن سيرهم عكس تيار الوطنية الفلسطينية ومنطق المقاومة فيها لن يؤدي بهم إلا حيث النهاية المحتومة لكل من ارتضى أو سيرتضي سلوك دربهم، وسيذهب زبدهم جفاءً، ليبقى في الأرض ويمكث عليها ما ينفع الناس فقط.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات