لماذا يحمل المواطنون الأمريكيون السلاح؟

على وقع الهجوم الدموي الذي استهدف حفلاً غنائيًا بمدينة لاس فيغاس الأمريكية، قبل يومين، وتسبب بمقتل نحو 60 شخصًا، عادت إلى السطح قضية السماح للمواطنين الأمريكيين بحمل السلاح، دون أي قيود تذكر.

ويتساءل كثيرون عن سبب منح الدستور الأمريكي للمدنيين ذلك الحق، مقابل تقييد حريتهم في مجالات أخرى قد تكون أقل خطورة، كحق المؤسسات الدينية بدعم المرشحين والأحزاب السياسية، أو القواعد الناظمة لعمل الشركات والأشخاص والحركة، والتي تضم قيودًا على مبدأ الحرية المطلقة.

خلفية تاريخية
أقر قانون الحريات المدنية في إنجلترا، عام 1689، العديد من الحريات والحقوق لصالح المواطنين، ومنها حرية وحق حمل السلاح، والعديد من الصلاحيات للبرلمان، في إطار مساعي تقييد السلطة المطلقة للملك، وتعزيز توازن في البلاد، يحميها من تسلط المؤسسة الملكية، وذلك وصولًا إلى تأسيس الديموقراطية البريطانية بشكلها الحديث.

ومع انتقال البريطانيين إلى “العالم الجديد”، وتأسيس مستعمرات فيما يعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية، نُقل عدد من المكاسب الديموقراطية وشكلت جزءًا أساسيًّا من الدستور الأمريكي، وخصوصًا حق كل مواطن بالدفاع عن النفس، وهو ما يعدّه المدافعون عن ذلك الحق مكسبًا ورمزًا أساسيًّا للديموقراطية والحكم المدني، بالرغم من اعترافهم بأضراره “الجانبية”.

ومما عزز ذلك التوجه تبني دساتير عدد من دول أمريكا اللاتينية لذلك الحق، بقي منها إلى اليوم دستورا المكسيك وغواتيمالا، بالإضافة إلى ظهور لوبي قوي لحملة السلاح في الولايات المتحدة، بقيادة “الاتحاد القومي للأسلحة”، الذي لقي وما يزال دعمًا كبيرًا من مصنعي وتجار السلاح في البلاد، والذي استطاع منذ تأسيسه قبل 145 عامًا (منذ عام 1871) النفوذ إلى أروقة السياسة بجميع مستوياتها.

وأشارت دراسة نشرتها مجلة “جورنال أوف كريمينال جاستيسز”، المختصة بالجرائم، عام 2014، أن المعدل السنوي لسقوط ضحايا جراء استخدام السلاح في الولايات المتحدة هو الأعلى عالميًّا، بواقع 11 ألف قتيل سنويًّا.

وعقب حادث لاس فيغاس الأخير، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا أشارت فيه إلى أن نصف الأمريكيين يحملون السلاح، أي بين 35 و50% من المدنيين الذين يحملون السلاح حول العالم.

فيما أفادت إحصاءات مكتب الأمم المتحدة بشأن المخدرات والجريمة، في تقريره السنوي لعام 2012، أن معدل حيازة السلاح بالنسبة لعدد السكان في الولايات المتحدة يصل إلى 88 قطعة سلاح لكل 100 شخص، وهو أكبر معدل في العالم.

ويصل متوسط عدد الأشخاص، الذين يتعرضون لإطلاق نار سنوياً في أمريكا، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى 100 ألف شخص، بحسب ما نقل تقرير الغارديان.

أما حول الانعكاسات الاقتصادية، فقد أشار التقرير إلى أن المستشفيات تتكبد نفقات سنوية تناهز 2.8 مليار دولار لعلاج ضحايا إطلاق النار، فيما يبلّغ 400 شخص سنويًّا عن تعرضهم لسرقات مسلحة.

وللأمر انعكاسات اجتماعية ونفسية كذلك؛ حيث تنتشر في البلاد حالة الاستهتار بالحياة، وقد أشارت إحصائية نشرتها صحيفة “ديلي نيوز”، مطلع 2016، أن 1% من الأمريكيين مستعدون لقتل شخصٍ بريء مقابل الحصول على مبلغ زهيد لا يتجاوز ألف دولار.

كما تنتشر في أمريكا حالات تعرض مواطنين للقتل برصاص أفراد الشرطة، حيث يفضل كثير منهم إطلاق النار على المغامرة بالسماح للشخص الموقوف بإخراج بطاقته الشخصية من جيبه، خصوصًا إذا كان ذلك الشخص أسودَ.

ووفقًا لأرقام نشرتها صحيفة “مينت بريس” الأمريكية منتصف عام 2016؛ فإن عدد ضحايا عنف الشرطة الأمريكية تجاوز 8880 قتيلًا، منذ هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، أي نحو ثلاثة أضعاف عدد ضحايا الهجوم الذي بلغ 2996 قتيلاً، في إشارة إلى تسبب ذلك الاستهتار بموت الأمريكيين أكثر من “الإرهاب”، الأمر الذي يقول مراقبون إنه سيستمر مع استمرار احتفاظ المواطنين بحمل السلاح، وذلك في إطار تحقيق معادلة الأمن في البلاد.