عاجل

الجمعة 04/أكتوبر/2024

عام على طوفان الأقصى.. حرب غير معلنة في الضفة يقودها الاحتلال ومستوطنيه

عام على طوفان الأقصى.. حرب غير معلنة في الضفة يقودها الاحتلال ومستوطنيه

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام

مثل استخدام جيش الاحتلال المقاتلات الحربية-لأول مرة منذ عام 2000-في قصف مقهى شعبي بمدينة طولكرم، ذروة التصعيد الإسرائيلي بالضفة الغربية المحتلة، في صورة مستنسخة لحرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وخلّف القصف الذي استهدفت مناطق سكنية تضم مقهى شعبيا في حارة الحمام في مخيم عين شمس، 18 شهيدا بينهم غيث رضوان أحد قادة كتيبة طولكم، بينما ادعى جيش الاحتلال استهدف مسؤول العمليات في حركة حماس. في وقت تشهد الضفة الغربية تصاعدًا في عمليات الاقتحام والقتل والاعتقال الإسرائيلي فيما يشبه حربا غير معلنة تعتمد فيها على الضربات الانتقائية والعمليات العسكرية مطوقة المكان والزمان، إلى جانب إطلاق يد المستوطنين في الضفة عبر تنفيذ سلسلة من الاعتداءات التي تخدم الأجندة الإسرائيلية.

ولا يرتبط التصعيد العسكري الإسرائيلي حصراً بحرب الإبادة على غزة وإن ارتفعت وتيرته منذ اندلاعها بعيد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام، حيث شكل نمو المقاومة في مدن الشمالية للضفة الغربية المحتلة وظهور كتيبة جنين وعرين الأسود منذ عام 2021، في مقابل تصاعد الهجمات الاستيطانية على المسجد الأقصى ومحاولات فرض تقسيمه زمانياً ومكانياً، سبباً مباشراً لإطلاق إستراتيجية “جز العشب” الإسرائيلية، والتي سبق أن استخدمت مع المقاومة في غزة. وتقوم على استنزاف المقاومة ومنعها من التقاط الأنفاس من خلال عمليات عسكرية متكررة تردع المقاومة عن التفكير بالعودة إلى هذا العمل، وتحُول دون تعاظم قوتها وتحولها إلى انتفاضة عامة، ودون أن تؤدي تلك العمليات إلى انفجار الضفة في إسرائيل.

ويعكس لجوء الاحتلال إلى القوة الجوية القصوى في ضرب حارة الحمام، رغبة باقتلاع المقاومة من الضفة، وهو ما أكد عليه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال تقييمه للوضع في شمال الضفة في 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث قال: “عندما نقوم بقص العشب، ستأتي اللحظة التي نقتلع فيها الجذور، وهذا يجب أن يتم (…) نستخدم الضربات الجوية بكل مكان عند الضرورة لتجنب المخاطرة بحياة جنودنا، لا يوجد حل آخر ويتعين استخدام كل ما يلزم وبكل قوة”.

كاسر الأمواج

أما عن المسار الزمني لتصاعد وتيرة الجرائم الإسرائيلية في الضفة عبر الهجمات العسكرية، فقد بدأت يوم 31 مارس/آذار 2022 عندما شن جيش الاحتلال عدوانا على الضفة الغربية وامتداد جدار الفصل العنصري، وأطلق عليه اسم “كاسر الأمواج”، بهدف الحد من عمليات المقاومة التي تنفذها المقاومة.

وتركّز العدوان على مدينتي جنين ونابلس، وأدى لاستشهاد أكثر من 100 فلسطيني، وخلال الاقتحام استخدمت قوات الاحتلال الطائرات المسيرة، في خطوة لم تعهدها مدن الضفة منذ عدوان السور الواقي.

وحشد جيش الاحتلال في هذه العملية حوالي 25 كتيبة من القوات البرية، إضافة لقوات الوحدات الخاصة لمهمات الاعتقال والتصدي لعمليات المقاومة.

وبلغ عدد القوات التي حشدها الجيش الإسرائيلي نحو 5 آلاف جندي، و8 آلاف من أفراد شرطة الاحتلال، واستعان بوحدة 8200، وسلاح الجو للرصد والمراقبة.

ولم تعلن قوات الاحتلال في حينه عن انتهاء العملية رسميا، فبقيت الضفة في حالة تصعيد، وخلالها ارتفعت وتيرة الاعتداءات والاعتقالات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين، في حين ردت المقاومة بسلسلة من العمليات الفدائية.

المخيمات الصيفية

وفي 28 أغسطس/ آب 2024، أطلق جيش الاحتلال هجمة عسكرية، هي الأوسع منذ عدوان السور الواقي عام 2002، شملت حصارا وهجوما على مدن جنين وطولكرم وطوباس وبلدات شمالي الضفة الغربية المحتلة، بهدف استهداف المقاومين فيها.

ودفع جيش الاحتلال لتنفيذ العدوان بلواء كفير (لواء للمشاة)، و4 كتائب تابعة لحرس الحدود ووحدات من المستعربين وقوات النخبة، ووحدات من الهندسة العسكرية، بتنسيق مع جهاز الأمن العام (الشاباك)، ودعم من سلاح الجو الإسرائيلي الذي دفع بمروحيات عسكرية ومقاتلات ومسيرات لتوفير غطاء للقوات البرية.

وفي صورة مستنسخة لما يحدث في غزة، باشر جيش الاحتلال عدوانه باستخدام وسائل قتالية لم يستخدمها في السابق، مثل غارات الطائرات المقاتلة من طراز (F-16) التي قصفت بلدات ومخيمات لاجئين عدة، من أريحا جنوباً وحتى جنين شمالاً، وخلالها دخلت الدبابات والجرافات الضخمة (D9)، إلى مخيمات اللاجئين، بشكل خاص جنين، وبلاطة، ونور شمس والعوجا، ولم يعد الاعتقال هو الهدف، بل الاغتيال. وهدمت مئات البيوت ومعظم البنى التحتية.

وردا على هذه العملية أعلنت كتائب القسام، وسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، عملية مشتركة سمتها “رعب المخيمات”، تضمنت عمليات إطلاق نار واشتباكات واستهداف آليات عسكرية.

وقد أسفرت اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه منذ بداية الحرب على غزة عن استشهاد 741 فلسطينيا، بينهم 160 طفلا، وإصابة أكثر من 6200 آخرين، واعتقال ما يزيد على 11 ألف فلسطيني، وفقا لمصادر رسمية فلسطينية. وفي المقابل، شهدت الضفة 4973 عملية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين قُتل خلالها 38 إسرائيليا -بينهم 15 جنديا وعنصر أمن، فيما أصيب 285 آخرون، وفق معطيات نشرها موقع “والا” الإسرائيلي.

موجة اغتيالات

وبين كاسر الأمواج والمخيمات الصيفية، نفذ جيش الاحتلال موجات متعددة من الاغتيالات لأعضاء خلايا كتائب المقاومة، بدأت بالشهيد عبدالله الحصري، وتلاه كوكبة كبيرة ضمت، إبراهيم النابلسي، وفاروق سلامة، ونايف أبو صويص، وسيف أبو لبدة، وداوود الزبيدي، ووديع الحوح، وتامر الكيلاني، وأدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، ومحمد العزيزي، وعبدالرحمن صبح، وسائد الكوني، وعز الدين عواد، وجهاد شحادة، ومؤمن بلعاوي، ومحمد جلامنة، ومحمد وباسل الغزاوي، ومحمود حشاش، ومحمد أبو مصطفى، ومحمود زهد، ومحمد مسيمي، ووسام الحنون، وعلاء نزال، وأنس داوود.

وتفيد المعيطات الميدانية بأن جيش الاحتلال نفذ منذ بدء حرب الإبادة على غزة، 49 غارة في الضفة الغربية المحتلة، أسرفت عن 175 شهيد.

هجمات المستوطنين

أما على صعيد عنف المستوطنين والاستيطان، فقد قفزت اعتداءات لأرقام غير مسبوقة وسط إفلات شبه كامل من العقاب، حيث يواصلون هجماتهم على مدن وقرى الضفة الغربية، ويعيثون فسادا في الأرواح والممتلكات الفلسطينية، مسنودين من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.

ويؤكد تقرير مجموعة الأزمات الدولية “اجتثاث عنف المستوطنين الإسرائيليين من جذوره”، تزايد هجمات المستوطنين في الضفة الغربية منذ تولي حكومة نتنياهو الائتلافية السلطة في ديسمبر/ كانون الأول 2022، والتي تضم وزراء من اليمين المتطرف، مشيراً إلى أن حدة تلك هجمات المستوطنين ارتفعت بعد إطلاق إسرائيل حرب الإبادة على غزة، حيث شعر المستوطنون “بالجرأة” للانتقام لمقتل الإسرائيليين خلال عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس.

وتظهر بيانات التي قدمتها منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية “أوتشا” لمجموعة الأزمات الدولية، ارتكاب المستوطنين 1264 اعتداء خلال الفترة الممتدة بين 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 12 أغسطس/آب.

ووفقا للتقرير، تتراوح الأعمال العدائية التي تنفذها في كثير من الأحيان عصابات من مستوطنين مسلحين بين الترهيب والمضايقة اللفظيين إلى الاعتداءات الجسدية، وسرقة المواشي ومهاجمة الممتلكات الفلسطينية وتخريبها، كاقتلاع أشجار زيتون المزارعين وحرمانهم من الوصول إلى الأرض والمياه، وإشعال الحرائق في منازل والحقول والمركبات، كما حدث في مدينة قلقيلة حين اقتحم عشرات من المستوطنين الملثمين قرية جيت في 16 أغسطس الماضي، وأحرقوا عدد من المنازل والمركبات.

ويقول التقرير إن المستوطنين استولوا على آلاف الأفدنة من الأراضي الفلسطينية خلال العام الماضي وحده، مما أجبر أكثر من 1300 فلسطيني على مغادرة منازلهم. ووفقاً للمنظمة الدولية فقد ارتفعت وتيرة عنف المستوطنين تزامنا مع توسع المستوطنات في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، وهو ما شجعته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفي عهد نتنياهو على وجه التحديد، حيث زادت المستوطنات “بشكل كبير”.

استيطان بلا حدود

ويُظهر تحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن عدد البؤر الاستيطانية العشوائية ارتفع بسرعة في السنوات الأخيرة، حيث يوجد حالياً ما لا يقل عن 196 بؤرة في أنحاء الضفة كافة، 89 منها تم بناؤها من عام 2019، بينما شهد عام 2023 وضع 29 بؤرة، وهو عدد يفوق أكثر من أي سنة سابقة.

وهذه البؤر التي يمكن أن تكون مزارع، أو تجمعات منازل، أو حتى مجموعات من الكرفانات، غالباً ما تفتقر إلى حدود واضحة، وبدأت أخيرا تأخذ طابع متصاعداً يعرف باسم الاستيطان الرعوي أو الزراعي، حيث تقوم حكومة الاحتلال بدعم وتسليح مليشيات مستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين في تجمعات وقرى بدوية ودفعهم إلى الهجرة بعد تدمير منازلهم وحرقها، والاستيلاء على آلاف الدونمات من مراعي مواشيهم وينابيع الماء، وإقامة مستوطنات على أرضهم بذريعة توفير مساحات لرعي مواشي المستوطنين.

وتظهر معطيات نشرها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، أن رعاة المستوطنين يستولون على أكثر من 300 ألف دونم، أي حوالى 10% من مساحة الضفة الغربية، وهي تفوق في مساحتها مجمل ما تم السيطرة عليه من المستوطنات الإسرائيلية كافة منذ العام 1967، حيث يعيش الآن نحو 300 ألف مستوطن في شرقي القدس المحتلة، وزهاء 500 ألف مستوطن في بقية مستوطنات الضفة الغربية التي تضم 300 مستوطنة.

وتقدر منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية أن قرابة 500 مستوطن فقط يعيشون في البؤر الاستيطانية العشوائية، ويعيش 25 ألفا آخرين في بؤر استيطانية أكبر، مشيرة إلى أن هذه البؤر العشوائية غالباً ما تتلقي دعماً ضمنياً من حكومة الاحتلال قبل “إضفاء الشرعية عليها بأثر رجعي”.

فرصة تاريخية

ويعتقد المستوطنون، وتحديدا الذين ينتمون إلى التيارات القومية الدينية ومن يسمون العلمانيين، أن الفترة الحالية فرصة تاريخية بالنسبة لهم، والتي كانوا ينتظرونها منذ بدأت عملية الاستيطان فترة السبعينيات من أجل تحقيق فكرة “أرض إسرائيل الكبرى”.

ويقدر سياسيون ومحللون أن حكومة نتنياهو المتطرفة تحاول فرض إستراتيجيتها القائمة على تهويد الضفة الغربية كلها وطرد الفلسطينيين منها بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة بدعم أميركي.

ويقول الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية د. مصطفى البرغوثي، فإن ما يحدث حاليا هو إبادة ممنهجة للفلسطينيين في الضفة الغربية التي قال إنها محتلة بالكامل من جانب إسرائيل.

وأضاف البرغوثي -خلال مشاركته في برنامج للجزيرة “غزة.. ماذا بعد؟”- أن إستراتيجية الاحتلال باتت واضحة بشكل كامل؛ حيث يحاول بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية نقل الحرب في قطاع غزة إلى الضفة الغربية؛ فباتوا يقصفون الفلسطينيين فيها -وخصوصا في المخيمات- بالطائرات والمسيّرات.

وأشار إلى أن ما يقوم به الاحتلال ضد الفلسطينيين في مخيمات الضفة يتزامن مع عمليات قتل يقوم بها المستوطنون لتوسيع الاستيطان بشكل خطير ومتنوع بما فيه الاستيطان الرعوي من خلال نشر مستوطنين مع الأغنام للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض.

وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت في 19 يوليو/ تمو، رأيها بشأن التبعات القانونية الناجمة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وعواقب سلوك الاحتلال على الدول الأخرى بعد عملية قانونية استمرت 18 شهرًا.

أكدت المحكمة، أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية “غير قانوني” ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات