الأحد 18/أغسطس/2024

ريم .. فلسطينية أجهضت جنينها واعتقل الاحتلال زوجها وطفلتها مفقودة

ريم .. فلسطينية أجهضت جنينها واعتقل الاحتلال زوجها وطفلتها مفقودة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

اجتمعت عدة أحزان على الفلسطينية ريم عجور، بعدما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلاً لجأت إليه في غزة، لتكون النتيجة مأساوية.. اعتقال زوجها وإصابتها مع طفلها وفقدان جنينها، وانقطاع الاتصال مع طفلتها منذ عدة أشهر.

تروي ريم (23 عاما) وهي وأم لطفلين، سكان غزة حكايته بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أن سمعت صوت انفجارات قوية جدا أول أيام الحرب في 7 أكتوبر 2023، لتحضن طفلتها ماسة 5 سنوات وطفلها وائل 4 سنوات، فيما كان القصف الإسرائيلي في كل مكان.

وقالت في شهادتها التي نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: إن الاحتلال طلب من سكان مدينة غزة والشمال النزوح إلى جنوب وادي غزة لكنهم اختاروا البقاء في مدينتهم.

نزوح فنزوح

بعد أسبوع نزحت ريم مع أسرتها من منزلها إلى مستشفى القدس بتل الهوا ومكثوا فيه يومين وكان الوضع يزداد سوءًا، فأصوات الأحزمة النارية لا تتوقف والطائرات المسيّرة لا تغادر المكان إلى أن اصبح الوضع لا يمكن التعايش معه.

تضيف: نزحنا مرة أخرى إلى منزل عمة زوجي في حي الدرج بغزة، ومكثنا به مدة أسبوعين تقريبا. وأثناء تواجدنا في المنزل قصف الاحتلال العمارة الملاصقة ما أدى إلى شهداء من بينهم أطفال ونساء وأصبحت المنطقة خطيرة جدا، فنزحنا للمرة الثالثة لمحيط مجمع الشفاء الطبي في شارع أبو حصيرة، وكان ذلك في نهاية شهر أكتوبر ومكثنا به مدة أسبوع.

لم تستطع ريم الابتعاد عن أهلها أكثر وهم كانوا في مستشفى القدس، فعادت مع أبنائها إليهم في حين بقي زوجي مع أهله، واستمر ذلك أسبوعا.

استشهاد شقيقها وابن عمها

وتوضح أنه في اليوم السابع أي في الخامس من نوفمبر، علمت بنبأ استشهاد شقيقها وابن عمها أثناء تفقدهما لمنزل عائلتها لمحاولة إحضار بعض المستلزمات.

تقول: بعد حوالي نصف ساعة من استشهادهما استطاعت سيارات الإسعاف إجلائهما إلى مستشفى الشفاء بغزة، ونظرا لخطورة الوضع في تل الهوا لم يذهب أهلي إلى مستشفى الشفاء وقام زوجي لقربه من مستشفى الشفاء بدفنهما بأرض لعائلة البطش بالشجاعية.

بعد يومين طلب الاحتلال إخلاء مستشفى القدس، فأبلغت زوجها بأنها ستعود إلى حي الدرج عند عمة زوجها، وأهلها نزحوا عند أختها، وبقيت هناك حتى نهاية شهر ديسمبر 2023.

شهداء وقصف متجدد

ولم تتوقف المصائب، فبعد استشهاد شقيقها بـ 9 أيام بتاريخ 14/11 /2023، جاءها خبر استشهاد شقيقي زوجها الاثنين (أحمد ومحمد وائل طلال عجور 22 و20 سنة) عندما ذهبا لإحضار أغراض من المستشفى بعد تردد أنباء عن انسحاب قوات الاحتلال واستشهدا هناك قبالة مدارس الوكالة.

وبقي القصف يلاحق ريم وعائلتها كما يلاحق كل سكان قطاع غزة، تقول: نحن في منطقة حي الدرج في المنطقة التي نزحنا إليها حدث قصف شديد لا نعلم أين ونظرا لشدة القصف في المكان مكثنا أنا وزوجي وأبنائي ودار عمي وعمة زوجي، ما يقارب 25 شخصاً، في زاوية في غرفة في البيت وجراء القصف الشديد امتلأ البيت بالغبار وأصبحنا لا نستطيع رؤية بعضنا من كثرة الغبار.

نزوح جديد

وأضافت: بعد انقشاع الغبار تبين أنه قصف لبوابة مدرسة يافا القريبة منا، وكان هناك شهداء وجرحى. وطلب جيش الاحتلال إخلاء المنطقة والتوجه لغرب غزة فخرجنا من البيت وطول الطريق والقصف فوق رؤوسنا والشهداء رحمة الله عليهم على الأرض والمصابين ورائحة الدم والبارود تملأ المكان.

كنت أحضن أطفالي وخايفة عليهم وأدعو ربنا يسلمنا جميعا، تقول ريم، مشيرة إلى أنهم وصلوا إلى إلى أحد المنازل في شارع أبو حصيرة الذي نزحوا إليه سابقا.

طول فترة مكوثهم في هذه المنطقة كانوا مثل كل سكان غزة يعانون الجوع والأرق والخوف من كل شيء، وانعدام الأمان مع سماع الاشتباكات والقصف.

شهود على جريمة

في منتصف شهر رمضان تقريبا يوم الأربعاء الساعة الثانية ليلا كانت العائلة مع المأساة الأكبر، تقول: كنا مستيقظين لتناول السحور، سمعنا صوت شيء وقع / صوت إنزال ، فكرنا أنها شاحنات مساعدات، زوجي حكى هذا الجيش دخل المنطقة.

تضيف: في الساعة السادسة صباحا كان هناك سيدة أرملة تسكن بجوار عمارتهم تفتح بسطة لأولادها يبيعوا فيها، ابنها أحمد لم يعرف أن جيش الاحتلال في المنطقة، بمجرد فتحه باب البيت قنصه جنود الاحتلال فاستشهد وخرجت أمه على الصوت وهي تنادى ابنها، فقصنها جنود الاحتلال أيضًا واستشهدت.

تتابع ريم: أهل زوجي شاهدوا السيدة من الشباك ملقاة على بطنها وأنا خفت أشاهد المنظر. كانت هذه أصعب أيام حياتي من 17/3 حتى 24/3. أدركت أننا محاصرون وصار جيش الاحتلال ينادى بمكبرات الصوت ممنوع تفتحوا شبابيك أو أبواب. أنا خفت كثيرا واحتضنت أولادي وسمعت صوت نساء وأطفال تصرخ فزاد الرعب عندي.

قصف وترقب

في ذلك الوقت كان صوت القصف لا يتوقف وطائرات الكواد كابتر تطلق نيرانها في كل مكان وقنابل الإنارة لا تفارق ليل غزة، وريم معها حوالي 40 شخصا اتخذوا من ممرات المنزل ملجأ لهم لاعتقادهم أنه أكثر الأماكن أمنا.

انهار جدار إحدى غرف المنزل الذي لجؤوا إليه بعد قصف الاحتلال منزل السيدة التي استشهدت بعد قنصها مع ابنها، وكان تحت البيت مصنع ستائر اشتعلت النيران فيه، ونتيجة لذلك انهار جدار الممر أيضًا في البيت الذي لجؤوا إليه.

تقول: إثر ذلك قسمنا حالنا قسمين أنا وزوجي وأولادي وجد زوجي، طلال عجور 73 عاما، وجدة زوجي فاطمة الحتو 70عاما، وعمه المصاب عبد الله عجور 29 ، بقينا في مكاننا بنفس الدور بالعمارة (الدور الأول)، ما رضينا نطلع فوق لأن الوضع كان خطيرا في الطوابق العلوية وأهل زوجي صعدوا للدور الثاني في العمارة رغم أنه كان مدمرا باستثناء الصالون الذي كان يمكن الجلوس فيه.

تضيف: كنا نذهب للحمام بحذر وزحفا وكانت أغلب جدران المنزل مدمرة من القصف. عم زوجي (عبدالله) ذهب إلى الحمام الباب فقع بوجهه لأنه صار قصف قرب البيت. شعرنا بالخوف علمًا أنه كان مصاب و برجله بلاتين، فكرنا صار اله اشي لأنه مصاب سابق كنا نبكي حينها.

كل دقيقة تمر علينا نسمع صوت القصف وجنازير الدبابات وطائرات الكواد كابتر، تتابع ريم، مشيرة إلى أنهم كانوا صائمين ولم يكن هناك مياه وهم حوالي 40 شخصا.

وذكرت أن زجاجة مياه كانت تأتيهم من الشباك من جيرانهم وكانوا بصعوبة يخبزون بعد إشعال القطن لعمل 10 فراشيح ويتيممون للصلاة لعدم وجود الماء.

اقتحام الجيش

الساعة السادسة صباح يوم الأحد في 24 مارس 2024 كان آخر يوم بالحصار، تقول ريم: كنا ننام لابسين ملابسنا كاملة من خوف الجيش يدخل علينا، سمعنا صوت كلب خلف بيت جيراننا، زوجي حكى يبدو الجيش داخلين علينا حضروا حالكم.

تضيف: أنا سندت حالي وجلست بجوار باب الغرفة المفتوح. فتحنا الباب لخوف يقع علينا من القصف، واشتد القصف وإطلاق النار من الكواد كابتر، فجأة نظرت على حالي فوجدت على بطني دما وأنا كنت حاملا ،فأبلغت زوجي طلال أنني أصبت في بطني وهو حكى لي أنه أصيب برجليه وكان ابني تحت رجلي والده، ونظرت إلى طفلتي ماسة فوجدتها ملقاة بجواري ومتشنجة وصرت أصرخ وأحكي للجنود الذين تأكدت أنهم دخلوا المنزل وأحكي لهم تعالوا الطفلة مصابة وأصرخ لينقذوا طفلتي.

وذكرت أن الجنود طلبوا منها الخروج هي وابنها من الغرفة التي بقي فيها زوجها، وبعد خروجها قام أحد جنود الاحتلال بخلع كامل ملابس طفلتها ماسة ووجد الإصابة تحت كتفها اليمين، ووضع لها مشدا، رجعت بعدها مع ابنها إلى الغرفة ووجدت كل المكان غارقا بالدم.

تتابع: بعدها أخذ الجنود ابنى على المطبخ، وأهل زوجي كانوا بالمطبخ. بعدها سألت الجندي ماذا ستفعل لي أنا وزوجي مصابين، فطلب منها الجندي الذهاب إلى مستشفى الشفا، وجاء جندي آخر وطلب منها التوجه إلى الجنوب فورا.

وذكرت أنها أبلغت الجنود أن زوجها مصاب أيضا صرخوا عليها ورفعوا السلاح فطلبت طفلها فأعطوها إياه.

النزوح للجنوب

تحاملت ريم على جراحها ومشت وحدها وقلبها موجوع على زوجها وطفلتها بعدما تركتهما خلفها، فيما كان التعب والإرهاب والخوف يزيد من صعوبة الطريق أمامها.

تقول: شاهدت المنطقة وبيوت كتير مدمرة بنصف الشارع كانت الدبابة متوقفة والجندي عليها وأشار لي أن أتجه للجنوب وتوكلت على الله ومشيت شارع أبو حصيرة يوم الاحد 24/3/2024 الساعة 7 صباحا. كان هناك شهداء على باب البيت وفى الشارع المناظر بتخوف والمنازل محترقة الجو أبيض بغبرة من سير الدبابات وبيوت واقعة وشهداء على الأرض.

تضيف: بعد ما مشيت شارع أبو حصيرة باتجاه الغرب لشارع البحر وأنا بنزف وجدت قماشة بيضاء فكرت أمسكها أو أضعها على جرحي فوضعتها عليه، وأنا تعبانة وخائفة والدبابات تمشي وأنا أجري وخائفة بأي لحظة ممكن أتعرض لإطلاق النار، وصرت أنظر إلى الأبراج التي كان أقاربي يسكنوها وأقول في نفسي معقول يوجد أناس فيها.

تتابع: كنت أشاهد قناصة على الأبراج وجيش في الشوارع وعلى بلكونات الدور وكنت متحيرة أين أذهب وابني يبكي وتجاوزت منطقة المينا والشيخ عجلين وأنا أفكر معقول يغمى علي ويبقى ابني وحده. خفت يغمى عليه لأنننا منذ أسبوع ونحن صائمون والأكل قليل وأنا حامل.

مشت ريم -التي تعاني من ضعف نظر- الطريق مسترشدة بطفلها الذي كانت تسأله إن كان يشاهد دبابة قريبة.

عندما وصلت ريم وطفلها الحاجز الإسرائيلي، شاهدها جنود الاحتلال الذين كانوا يقفون جانبا، فقد كانت الحلابة دون جنود فتقدمت حتى وصلت المكان الذي يوجد به الجنود، وحملت طفلها، وطلب منها الجندي السير في مسار معين والنظر إلى كاميرا كانت موجودة وبعدها سمح لها بالمرور من الحلابة.

تقول: أنا لا بعرف الجنوب بحكي معقول وصلت؟ صرت أحكي أدخل من هنا أدخل هنا دخلت من شارع صار قصف قريب منى والدنيا كلها صارت دخنة ورجعت فحكيت خلص راح أمشي بطريق البحر وشاهدت عربة كارو يجرها حمار صرت أصرخ وأحكي لصاحبها أنا مصابة وصلني أي مكان وبعطيك أي اشي وركبت معه أنا وابني ومع كل مطب أتوجع وأحكي خلص تقريبا راح الحمل.

تتابع: وصلت المطبخ العالمي ونزلني وكان في صحافة وحكيت لهم ما حدث معنا، وأعطوني أنا وابنى أكل، وأحضروا لي إسعاف و سألني المسعف إذا كنتا أعرف أحدا بالجنوب فقلت له لي إخوة لكن لا اعرف أين.

نقلت ريم بسيارة الإسعاف إلى مستشفى العودة في النصيرات وهناك اطمأنت على نفسها وطفلها وتبين أن وضعها جيدا رغم الأهوال التي مرت بها، ثم اتصلوا على المسعف الذي أحضرها إلى المستشفى فأخذها إلى بيته بالنصيرات، ومن هناك اتصلت على إخوتها الذين نزحوا سابقا إلى الجنوب بعد استشهاد شقيقها، لكن الهواتف كانت مغلقة.

اللقاء مع الأهل

لم تكن ريم تعرف أن والديها نزحا إلى الجنوب، فقد انقطع الاتصال بهم وظنت أنهم استشهدوا أو أنهم لا يزالون في غزة، ولم تكن تعرف ماذا حدث مع أهل زوجها.

نامت ريم وبدأت تهلوس بطفلتها ماسة وبزوجها واستيقظت فجرا على اتصال من إخوتها، ثم جاءت والدتها ووالدها وأخذوها من بين عائلة المسعف، وتوجهت مع عائلتها إلى رفح حث كانوا ينزحون عند أصدقاء شقيقها.

أثناء نزوحي برفح التهب جرح ريم وبدأت تتابع في المستشفى، وكان حالة طفلها النفسية صعبة. بعد تقريبا شهر، فقدت الأمل بالحصول على أي معلومة عن زوجها وطفلتها، فقد علمت أن الاحتلال أخرج أهل زوجها من المنزل وكانت تعتقد أن الاحتلال قصف المنزل على زوجها وطفلتها.

تقول: كانت هذه الأيام صعبة كثيرا في حياتي لأن مصير زوجي وطفلتي مجهولا. يوم 20/4/2024 اتصل والد زوجي على والدي وأبلغه أن زوجي طلال بخير وأنه معتقل عند الاحتلال، لكن لم تتوفر أي معلومة عن طفلتي ماسة.

فقدان جنينها

لم تتوقف مآسي ريم، فبعدما مكثت شهرا برفح نزحت إلى الزوايدة بعد ما طلب الاحتلال إخلاء رفح في 6 مايو الماضي، وأثناء نزوحها أصابها مغص شديد وتعبت نفسيتها ولاحقا تبين أن نبض الجنين متوقف وأبلغها الأطباء أنهم سيجرون لها عملية إجهاض وحددوا لها موعدًا.

تقول: كنت خايفة من الإجهاض لأنني أنا مصابة. حدد الطبيب لي موعدا يوم السبت لعملية الإجهاض. حدث معي يوم الخميس ليلا الساعة الثانية مغص شديد وعرفت أنه بداية الإجهاض وكلمت الإسعاف، وقبل ما تصل سيارة الإسعاف نزل الجنين في الخيمة (أجهضت وأنا في الخيمة) وأخذنا الجنين معنا إلى المستشفى وكان عمره 4 أشهر ونصف، ومن المستشفى عرفنا أنه ذكر وأخذوني للتنظيفات و6 صباحا أبلغوني بالخروج.

حاولت ريم التواصل مع الصليب حتى تطمئن على زوجها وطفلتها ولكن دون جدوى، وتأكدت أن زوجها في المعتقل لكن بقيت طفلتها مفقودة لا تعلم عنها شيئا، تتذكر أن طفلتها كانت شجاعة جدا وسجلتها قبل الحرب بعدة أسابيع بالروضة، وأمنيتها أن تتوقف الحرب وأن تكون طفلتها بخير وسلامة وأن يتحرر زوجها بسلامة أيضًا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات