الإثنين 12/مايو/2025

ليست هذه مصر الكبيرة

ليست هذه مصر الكبيرة

صحيفة الشرق القطرية

لماذا لا نخاطب مخالفينا برقى واحترام، يليق بمقام الكبار وشمائل المتحضرين؟ كان ذلك أول سؤال خطر لي بعدما شاهدت حواراً تليفزيونياً تم بثه مساء الأحد الماضي «12/4» كان موضوعه قضية خلية حزب الله التي تحدث عنها بيان النائب العام المصري خلال الأسبوع الماضي. لست من متابعي برنامج «البيت بيتك» ولا أستطيع الحديث عن اللغة التي يستخدمها عادة، ولكن الحوار الذي سمعته كان صاعقاً وغير قابل للتصديق. إذ لم أتصور أن يتدنى مستوى الخطاب إلى ذلك الحد في برنامج يبثه التليفزيون الرسمي، الذي استضاف اثنين ينتميان إلى أهل الخبرة في مجالي الدفاع والإعلام.

لم تكن هناك مناقشة في حقيقة الأمر. إنما كان الحوار كله تنافساً في السب والتجريح والسخرية الهابطة، التي استخدمت لغة مبتذلة لم تبق على شيء من الكرامة والاحترام لأحد من رموز النضال والمقاومة الشريفة التي رفعت رأس الأمة العربية عالياً، وردت الروح (بالانتصار الذي حققته في عام 2006) إلى جماهيرها التي كاد الإحباط يلقي بها في هوة اليأس ومشارف الهلاك.

حتى لا يلتبس الأمر على أحد، فإنني أحدد موقفي من الموضوع على النحو التالي:

أولاً: أمامنا روايتان للواقعة، واحدة تقول إن المجموعة جاءت لمساعدة الفلسطينيين وإيصال السلاح إلى غزة. وهو الخبر الذي نشرته صحيفة الدستور المصرية في 12 فبراير الماضي وأكدته صحيفة المصري اليوم في 8/4 الحالي. والرواية الثانية أن المجموعة استهدفت زعزعة الأمن في مصر والقيام بأعمال تخريبية فيها، وهو ما ذكره بيان المدعي العام الذي نشر في 9/4 ـ ورغم أن الأقوال، التي أدلى بها المتهم الأول في القضية اللبناني سامي شهاب، التي نشرتها «المصري اليوم» في 12 أبريل الحالي عززت الرواية الأولى وأكدت أن الذين أوفدوه ذكروا له أن أمن مصر خط أحمر يجب عدم المساس به، إلا أنني مازلت عند رأيي في أننا يجب أن نكبح الانفعال ولا نستبق، وننتظر كلمة القضاء في تحديد هدف المجموعة.

ثانياً: إنني أعتبر أن حزب الله أخطأ في كل الأحوال حين أوفد المجموعة إلى مصر. وحتى إذا كان هدفه نبيلاً وأراد أن يسهم في مساندة المقاومة المحاصرة في غزة، فإن الخطأ يظل قائماً، لأن الهدف النبيل ينبغي أن يتحقق بوسائل مشروعة.. ولا جدال في أن ذلك الخطأ يصبح خطيئة إذا ما ثبتت صحة الاحتمال الثاني.

ثالثاً: إن الخطأ يستحق عقاباً والخطيئة تستحق حساباً. لكن ذلك لا ينبغي أن يكون مسوغاً لهدم تاريخ الحزب وتلويث صفحته أو لاغتيال قيادته سياسياً ومعنوياً وإطلاق جوقة اللاعنين بحملة السباب والتجريح. وفي هذا السياق فليس معقولاً ولا مقبولاً أن نذهب في الملاعنة، إلى حد قلب الأولويات بالكامل والتعامل مع حزب باعتباره عدواً ينبغي القضاء عليه باستخدام مختلف الأسلحة القذرة من القصف الإعلامي إلى الحملات العسكرية التي جرى التلويح بها. فيما نشر يوم الاثنين الماضي «12/4».

رابعاً: إنه ليس من مصلحة مصر ولا العرب عموماً أن تفتعل معركة إعلامية أو سياسية (هل أقول أو عسكرياً أيضاً؟) مع حزب الله. الذي لا يجادل منصف في أنه جزء من الحركة الوطنية العربية والإسلامية، التي نحن أحوج ما نكون إلى الحفاظ عليها، وتصويب مسيرتها. ومن لديه ذرة شك في ذلك، فليراقب حملة التهليل واسعة النطاق التي عبرت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية حين تفجرت المشكلة بين القاهرة وحزب الله. وليس لذلك التهليل سوى دلالة واحدة هي أن الفائز الوحيد في هذه المعركة هو العدو الصهيوني، الذي يختزن مشاعر الثأر من السيد حسن نصر الله وحزب الله منذ هزيمة جيشهم في عام 2006.

خامساً وأخيراً، فرغم أنه لا وجه لمقارنة، فإنني أستحيي أن أدعو إلى التعامل مع القضية بنفس الأسلوب الرصين والمسئول الذي تعاملت به مصر مع الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام، مثلاً، الذي ثبت عام 1997 أنه كان يتجسس ضد مصر وحكم عليه بالسجن 15عاماً. وبعد أن قضى نصف المدة شملته الرعاية وأطلق سراحه بإفراج صحي، ثم عاد إلى بلاده معززاً مكرماً بعد ذلك.

لم تكن مصر الكبيرة والعفيفة هي التي تحدثت على شاشة التليفزيون مساء الأحد، لكنها كانت بلدا آخر، غريباً في حجمه وفي لغته.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات