غازي العريضي

صحيفة الاتحاد الإماراتية
كيف يمكن لمؤتمر “أنابوليس” أن يؤدي إلى حل في ظل رفض “إسرائيل” فكرة الحل حتى الآن، ودعم الإدارة الأميركية لها؟ وكيف يمكن الرهان على المؤتمر عندما تقف وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أمام زميلتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لتقول: “أمننا قبل الدولة الفلسطينية”. فماذا عن أمن الفلسطينيين؟ أو ليس أساس المشكلة الاحتلال وتهديد أمن الشعب الفلسطيني وتشريده وارتكاب كل أشكال الإرهاب بحقه؟ وتضيف: “يجب الإدراك أنه حتى لو توصلنا إلى أرضية توافق مع القادة البراغماتيين فعليهم أن يفهموا أن تطبيق أي اتفاقات مستقبلية لن يتم إلا بموجب مراحل خريطة الطريق، وهذا يعني أن الأمن بالنسبة ل”إسرائيل” يأتي أولاً ومن ثم إقامة الدولة الفلسطينية، لأنه لا أحد يريد دولة إرهابية جديدة في المنطقة”!
لكن ما الدولة الإرهابية الأولى قبل الحديث عن الجديدة، أليست “إسرائيل”؟ وهل المطلوب بقاء الساحة مفتوحة أمامها منفردة وعلى حساب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كحق للشعب الفلسطيني على أرضه؟
تؤكد ليفني: “نرى في اجتماع أنابوليس بداية العملية السياسية لا نهايتها”! فماذا عن البدايات الأولى على الأقل منذ إقرار اتفاق أوسلو؟ وهل يمكن أن يبنى السلام ويقوم الحل وكل مرة تكون بداية على الدم، يتفاوضون ويتفقون ثم تكون نهاية البداية بالدم تدميرية وكارثية فتمر السنون ويعودون إلى البداية ويستمرون في الدوران في الحلقة ذاتها وتبقى حقوق الفلسطينيين مهدورة وأرضهم محتلة؟ وفوق ذلك مطلوب من الشعب الفلسطيني أن يبقى يسدد فواتير البدايات والنهايات بدمه!
ومن ناحية أخرى أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن جيش الاحتلال “سيواصل تولي المسؤولية الأمنية الكاملة في الضفة الغربية رغم انتشار 300 شرطي فلسطيني في نابلس”، قائلاً بازدراء: “العقوبات المفروضة على القطاع لن تؤدي تحت أي ظرف إلى أزمة إنسانية”! فهل العقوبات حل للأزمة أم عنصر إضافي فيها؟
وإذا كان جيش الاحتلال سيمارس “مسؤولياته الأمنية” في الضفة، أي في منطقة سيطرة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، فكيف سيكون الحل؟ وما هو دور السلطة؟ وأين صلاحياتها واستقلاليتها النسبية؟ وأين الشراكة معها؟ وما قيمة الاتفاقات إذن؟ ألا يعني ذلك أن الاحتلال سيبقى فوق الضفة يستبيح كل شيء، وسيبقى كذلك فوق غزة؟ وأين التمييز إذن بين “حماس” و”فتح” كما تدعي “إسرائيل”؟ أين احترام السلطة والعمل على مساعدتها إذا كان المبرر لكل ما يجري “حماس” مثلاً؟ إنها نزعة عدوانية إسرائيلية، ضد كل الفلسطينيين تطيح بكل محاولات الوصول إلى اتفاق.
وقد أضاف باراك شرطاً جديداً للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين وهو أن “تحارب السلطة الفلسطينية البنية التحتية للإرهاب في قطاع غزة، لأن القطاع يجب أن يكون جزءاً من أي اتفاق”! إذ “لن يكون ممكناً الذهاب إلى التسوية الدائمة مع رئيس السلطة بينما غزة خارج الطلب الأساسي الإسرائيلي لوقف الإرهاب… يجب القضاء على قواعد الإرهاب في غزة”. وبذلك يقدم باراك عرضاً مثالياً في التحدي والاستفزاز وتدمير إمكانية التوصل إلى أي اتفاق. فهو سيمارس مسؤولياته في الضفة، وعلى السلطة الموجودة هناك أن تمارس مسؤولياتها في القطاع!
أما رئيس الحكومة إيهود أولمرت فقد انتفض ليعلن نفيه للأنباء التي تحدثت عن نية واشنطن صوغ “البيان المشترك” المنوي طرحه على المؤتمر. وكانت بعض الأوساط قد ذكرت أن رايس وضعت أساس الوثيقة وفيها ما يشير إلى تعهد الجانب الإسرائيلي بالعمل على إنهاء مفاوضات الوضع النهائي قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش، وكذلك التعهد بالبدء بإزالة البؤر الاستيطانية التي أقيمت منذ مطلع عام 2001، وإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة في القدس، وإعادة الأوضاع في الضفة الغربية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة في 28 سبتمبر عام 2000، وكل هذا يتناقض بالتأكيد مع ما سبق إعلانه من مواقف إسرائيلية ومع الممارسات المستمرة في توسيع رقعة الاستيطان. وبعد ذلك خرجت ليفني بتصريح تتساءل فيه حول توقيت المؤتمر: “هل هذا هو فعلاً الوقت المناسب للمفاوضات بينما الطرف الثاني ضعيف”؟
هذا تشكيك جديد بالمؤتمر وإضعاف له قبل انعقاده. ومع ذلك إذا اعتبرنا أن الطرف الثاني –الفلسطيني– ضعيف ولا يمكن التفاهم معه لأنه غير قادر على الالتزام، فهل الطرف الأول –الإسرائيلي– قوي؟ الجميع يعلم أنه على كثير من الضعف! وإذا كان الطرف الثاني –الفلسطيني– منقسماً فهل الطرف الأول –الإسرائيلي– موجود وقابل وقادر على الاتفاق ثم على الالتزام به؟ هو أيضاً ليس كذلك! وهل الطرف المطلوب أن يكون وسيطاً –الأميركي– هو وسيط نزيه وعادل؟ بالتأكيد لا. وهل هو قوي ليفرض –إذا أراد- حلاً؟ بالتأكيد أيضاً لا.
فما هو المطلوب إذن؟ وماذا عن الأراضي المحتلة الأخرى؟ يقولون إنهم باتوا مقتنعين بضرورة حضور سوريا. ولكن هل يريدون ذلك فقط لأنه لا يمكن تجاوز حق سوريا وعقد مؤتمر بدونها، بغض النظر عن نقاط الاختلاف أو الاتفاق مع قيادتها؟ وهل هم على استعداد للاعتراف بحق السوريين في أرضهم في الجولان؟ ولا أتحدث عن لبنان غير المعني من حيث المبدأ بمؤتمر أنابوليس، إلا من ناحية موضوع اللاجئين الفلسطينيين على أرضه الذي يحمل حساسياتٍ كثيرةً، وبالتالي فهو متمسك برفض التوطين وبضمان حق عودة اللاجئين. ولذلك فهو يتأثر بصيغة الحل في هذا الاتجاه أو ذاك، ولا بد من مواكبة كل ما يجري على هذا الصعيد. إلا أن “إسرائيل” لا تزال تحتل جزءاً من الأرض، وتخرق القرار 1701، وتمارس اعتداءاتٍ مختلفةً على السيادة اللبنانية، فهل هي جاهزة للتخلي عن كل ذلك والإقرار بحقوق اللبنانيين؟
في كل ما سبق من مواقف، وما قدم من أعذار ومبررات، وروايات من قبل الإسرائيليين، لا شيء يشير إلى تحول إسرائيلي في اتجاه السلام ولا إلى القدرة على ذلك. يريدون جذب بعض العرب إلى صورة معهم تحت عنوان السلام، وذلك سيكون خطيراً لأنه سيخلق الكثير من المشاكل ولن يوفر الحلول. أما إذا توفرت الحلول على قاعدة المبادرة العربية فيمكن حينها تعليق آمال على إمكانية السلام. الطريق طويل. ولا نزال بعيدين عن هذا الهدف.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...