قرار “العدل الدولية” لطمة لإسرائيل وأساس لفـرض العقوبات

مثّل قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر يوم الجمعة الماضي، من الناحية القانونية، انتصاراً كبيراً للشعب الفلسطيني، ولطمة موجعةً غير مسبوقة لإسرائيل وحكومتها الفاشية، إذ حسم الجدل بشأن طبيعة الأراضي المحتلة، والتي كما قال تشمل جميع الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة، مؤكداً أنها أراضٍ محتلّة من احتلال إسرائيلي غير شرعي، وليست أراضيَ يهودية كما يدّعي نتنياهو، أو متنازع عليها كما يدّعي حزب العمل وأحزاب صهيونية أخرى. وأكّد القرار انطباق اتفاقية جنيف الرابعة التي تتنكّر لها إسرائيل على الأراضي المحتلة. وأوضح أن الاستيطان غير شرعي، ويجب إزالته بالكامل، وتعويض الفلسطينيين عن الضرر الذي لحق بهم عن كل أرضٍ صودرت، وكل بيت هدم، وكل ظلم وقع. وطالب القرار بوقفٍ فوري للاستيطان الإستعماري الإسرائيلي، وإجلاء كل المستوطنات والمنشآت الاستيطانية فوراَ. وأكّد القرار أن إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، واضعاً أساساً قانونياً متيناً لحملةٍ عالميةٍ لمقاومة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي.
وحمّل قرار محكمة العدل الدولية الدول قاطبة والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن المسؤولية عن تطبيق القانون الدولي وحكم المحكمة، مطالباً إياها بعدم الاعتراف بالوجود غير الشرعي الإسرائيلي والاستيطان الاستعماري وعدم تقديم أي دعم لهذا الوجود غير الشرعي، أو الحفاظ على وضع الاحتلال والتمييز العنصري القائم، بل ذهب القرار إلى أبعد من ذلك، عندما طالب الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بدراسة اتخاذ تدابير إضافية لإنهاء الوجود الإسرائيلي غير الشرعي. وتشكّل هذه الدعوة وحيثيات القرار القانونية أساساً متيناً وصلباً لفرض العقوبات والمقاطعة على إسرائيل وسحب الاستثمارات منها باعتبارها كياناً مارقاً وخارجاً عن القانون الدولي.
يواصل كثيرون التركيز على أن القرار استشاري، وكأن ذلك يضعف من قيمته، ولا بد هنا من إيضاح مغزى ذلك. القرار استشاري، لأنه صدر بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة رأياً قانونياً في الاحتلال والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وبعد أن يصدر القرار يصبح من واجب الدول التي طلبت حكم المحكمة تنفيذه، لأن لمحكمة العدل الدولية، مثل أي محكمة، سلطة اتخاذ الحكم والقرار القانوني القضائي، ولها أن تلزم السلطة أو القوة التنفيذية، وهي في هذه الحالة الأمم المتحدة، القيام بواجبها وتنفيذ الحكم. والقوة التنفيذية في هذه الحالة مجلس الأمن، أو، في حال تقاعسه، قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بند الفصل السابع. وكلا الأمرين ستتصدى لهما الولايات المتحدة وبعض الدول الاستعمارية الغربية التي تعتبِر إسرائيل ربيبتها.
ولتبسيط الأمر، يشبه الحال وضع لصٍّ ارتكب جريمة السرقة والقتل والاعتداء (إسرائيل)، فذهب من كانوا ضحيته (الشعب الفلسطيني) للمحكمة للمطالبة بحقهم، فحكمت المحكمة لهم بمعاقبة المعتدي وإزالة آثار الجريمة والتعويض عن الضرر، وبات الحكم بيد الشرطة (مجلس الأمن)، ولكن الشرطة فاسدة، بسبب الانحياز الأميركي إلى إسرائيل والاستخدام الأرعن لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.
مثل قرار الكنيست برفض الدولة الفلسطينية دفناً لاتفاق أوسلو الميت، ونهج أوسلو الذي بُني على وهم الحل الوسط، ووهم إمكانية الوساطة الأميركية
ما هو الحلّ؟ إنه مقاومة المعتدي، وهي مقاومة مشروعة، واستنهاض كل عناصر التضامن والدعم العربي والإسلامي والعالمي لفرض العقوبات على المعتدي وإجباره على الخضوع. وهذا هو مغزى الجهد الذي يقوم به المجتمع المدني عبر حملة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات، والتي يمكن أن تكتسب زخماً هائلاً بالتوازي مع تأثير المقاومة الفلسطينية وقوتها لإحداث تغيير في ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني. وكما حدث في تجربة جنوب أفريقيا، يتحوّل الضغط الشعبي إلى قوة هائلة، تفرض، في نهاية المطاف، رأيها على الأحزاب والبرلمانات والحكومات، وهذا ما هو مطلوب في الحالة الفلسطينية، التي تستدعي تناسقاً بين مقاومة الشعب الفلسطيني وحركة المقاطعة وفرض العقوبات العالمية. لقد
جاء حكم “العدل الدولية”، من حيث التوقيت، في مكانه تماماً بعد يوم من صدور قرار الكنيست الإسرائيلي، برفض الدولة الفلسطينية المستقلة، ومثّل لطمة موجعة لمن اتخذوا ذلك القرار. لكن ما يلفت النظر أن ردات الفعل الإسرائيلية على قرار المحكمة، وقد وصلت إلى حد اتهامها باللاسامية، جسدت تماماً ما جسّده قرار الكنيست الإسرائيلي من أمور أربعة:
وحدة الحركة الصهيونية بكل مكوّناتها وأحزابها، سواء من هم في الحكومة أو المعارضة، في رفض حقوق الشعب الفلسطيني. التوجّه العام للمجتمع الإسرائيلي ومكوّنات المنظومة الصهيونية نحو الفاشية في التعامل مع الشعب الفلسطيني. تأكيد زوال الوهم بامكانية الوصول إلى حلٍّ وسط مع الحركة الصهوينية عبر التفاوض. مثل قرار الكنيست دفناً لاتفاق أوسلو الميت، ونهج أوسلو الذي بُني على وهم الحل الوسط، ووهم إمكانية الوساطة الأميركية.
طالب قرار محكمة العدل الدولية الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بدراسة اتخاذ تدابير إضافية لإنهاء الوجود الإسرائيلي غير الشرعي
بالتأكيد، لم تكن الحركة الصهيونية وكنيست إسرائيل ليجرؤ كل منهما على اتخاذ قراراته لولا استمرار اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وضعف ردود الفعل الرسمية العربية والإسلامية على مجزرة الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، ولولا التواطؤ الرسمي الأميركي وعدة دول غربية مع جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل. وكان تعليق الناطق باسم الخارجية الأميركية على قرار الكنيست بالغ الدلالة والسخافة، والاستخفاف بعقول الناس، عندما قال “إن الولايات المتحدة ليست متأكّدة إن كان قرار الكنيست يمسّ حلّ الدولتين، وإن كان ذلك سيدعوها إلى “عدم السرور”. لذلك استحق ذلك التعليق وصفه “بالمسخرة”
… إسرائيل بتصرفاتها وقراراتها، وبمواقفها من قرارات محكمة العدل الدولية، والقرار المرتقب من محكمة الجنايات الدولية، كلها تتلخّص في حصيلة واحدة، ترسخت كياناً مارقاً خارج على كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، ولا علاج له سوى العقوبات.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

بعد ساعات من ولادة طفلته.. استشهاد صحفي بمجزرة إسرائيلية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد الصحفي الفلسطيني يحيى صبيح، اليوم الأربعاء، في مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال بقصفه مطعماً شعبياً غربي مدينة غزة،...

32 شهيداً وعشرات الجرحى في مجزرة إسرائيلية استهدفت مطعمًا بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي، عصر اليوم الأربعاء مجزرة دامية غربي مدينة غزة أسفرت عن 25 شهيداً وعشرات الجرحى، وسط...

الاحتلال يرتكب 4 مجازر دامية في غزة استهدفت مدرستين وسوقًا شعبيًا ومطعمًا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي 4 مجازر دموية خلال 24 ساعة آخرها قصف مطعم مكتظ، وقبلها...

القسام يوقع قوة صهيونية من 10 جنود بين قتيل وجريح في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري، لحركة حماس، تنفيذ كمين لقوة صهيونية راجلة من 10 جنود وإيقاعها بين قتيل وجريح في...

38 شهيدًا و145 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، وصول 38 شهيدا، منهم 4 شهداء انتشال، و145 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال 24 ساعة...

مخطط إسرائيلي لإقامة أحياء استيطانية في قلقيلية وبيت لحم
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عن مخطط تعمل عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل بناء مجموعة من الأحياء...

تقرير إسرائيلي: 3 آلاف قنبلة لم تنفجر في غزة إعادة تدويرها يثير المخاوف
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفاد تقرير إسرائيلي بأن نحو 3 آلاف من القنابل التي أسقطها جيش الاحتلال على قطاع غزة خلال حرب الإبادة المتواصلة، لم...