السبت 10/مايو/2025

سيطرة حماس على الضفة حتمية ولكن بأدوات غير عسكرية

سيطرة حماس على الضفة حتمية ولكن بأدوات غير عسكرية

لا شك ان حماس تسعى حثيثا للسيطرة على الضفة كما سيطرت من قبل على غزة، ويعبرون عن ذلك صراحة بـ”التمكين في الأرض”، ولكن هذه السيطرة تحتاج إلى عاملين مهمين: الأول يتمثل بالقدرة والإمكانات، والثانية بالإرادة والقرار لدى حركة حماس.

·        أذرع حماس المتشعبة

لمحاولة استقراء إمكانية سيطرة حماس على الضفة لابد من استعراض سريع للمفاصل المهمة والكيفية المختصرة التي مكنت حماس من السيطرة على غزة، حيث أن سيطرتها على غزة لم تكن وليد قرار متعجل او مفاجئ بالسيطرة التي تمت عسكريا خلال يومين، بل هي ثمرة جهود متواصلة امتدت عبر سنوات طويلة منذ تأسيس حركة حماس على يد الشيخ احمد ياسين، وهذه الجهود تتمثل في العمل الدءوب على عدة أصعدة يمكن اعتبارها مراحل متداخلة ومتشابكة تتضمن:

1- بناء تنظيم قوي ومحصن من الاختراق عبر أسر وخلايا شكلت شبكة أخطبوطية، وعملت على امتداد نفوذها في المجتمع الفلسطيني تحت مظلة العمل الخيري والتطوعي والإنساني، ومن خلال الدعوة والإرشاد والمساجد في حالة تعبوية متواصلة ومكثفة.

2- تشكيل جناح عسكري باسم كتائب عز الدين القسام، حيث قام هذا الجناح بتنفيذ عمليات فاعلة ومؤثرة في الكيان الصهيوني وقطاع غزة، مستحدثا أسلوب العمليات الاستشهادية ومركزا على إحداث أكبر خسائر بشرية في الكيان الإسرائيلي، مما اضطر الجيش الصهيوني للانسحاب من قطاع غزة، وشكل حاضنة شعبية كبيرة لهذا التنظيم اختزنت في الذاكرة الشعبية مقاما ترجم في صناديق الانتخاب لحماس تجاوزت 65%، مكنها من حصد الأغلبية في المجلس التشريعي وتشكيل الحكومة العاشرة.

3- بناء جهاز أمني قادر وقوي للحركة عمل على جمع المعلومات، وتحصين صفوف الحركة، واختراق الخصم المقابل بما فيه مقرات الأمن الوقائي والمخابرات العامة، وهذا ما يفسر قدرة حماس على السيطرة على هذه المقرات خلال يومين، وخروج العاملين فيهما مستسلمين، مما يفسر وجود مصادر وعيون لجهاز أمن الحركة داخل هذه المقرات من العاملين فيها، زود حركة حماس بمعلومات مباشرة عن حالة الموجودين وتفاصيلها، وقامت بواجب تثبيط عزائم المتواجدين ودفعهم للاستسلام السريع، إذ أن العمل الاستخباري عمل إبداعي وعندما يرتبط هذا العمل بالعقيدة، فان الإبداع يكون في ذروته، وهذا ما يفسره قدرة التحصين والاختراق في حزب الله وحركة حماس.

4- المشاركة الديمقراطية أعطى حماس قوة إضافية مؤثرة، إذ ان بناء التنظيم وفاعلية جناحه العسكري وفرت للحركة دخول الانتخابات التشريعية بقوة، مما مكنها ان تصبح ندا سياسيا مسيطرا بعد أن كان ذلك حكرا على حركة فتح، وهذه النقلة النوعية في سيطرة حماس مكنها من الحصول على دعم مالي كبير من إيران وقطر ودول هيئات أخرى، وفتح أمامها أبوابا ومسالك لبناء قدراتها التسليحية والاستعدادية والتدريبية، ومكنها من تشكيل وحدة عسكرية باسم القوة التنفيذية فاقت 7000 مقاتل.

5- اضمحلال شعبية حركة فتح بعد اتفاق أوسلو وحصار عرفات الذي يمثل رمزا فلسطينيا، وما تعرضت له فتح من اختراقات كثيرة مقابل حركة عقائدية كحماس، وقد فصلت ذلك في مقال تم نشره قبل سيطرة حماس على غزة، وكان بعنوان “حماس راية تجاوزت التنظيم والتشكيك”.

6- عدم تمكن حماس من ممارسة حقها الديمقراطي في حكومة لها حق القيام في إدارة السلطة باعتبارها مشكلة تشريعية، بل مورس عليها الحصار والتضييق والفلتان الأمني، مما دفع قيادة حماس إلى اخذ منحى جديد من التفكير، واخذ قرار السيطرة العسكرية على غزة بعد ان وجدوا أنفسهم قادرين ولديهم الإمكانات التنظيمية والشعبية والعسكرية لتحقيق ذلك.

·        واقع حماس في الضفة

لكن واقع حماس في الضفة الغربية، يختلف عن واقعها في قطاع غزة من حيث:

‌أ- عدم قدرة حماس على توفير السلاح والإمكانات والتدريب الكافي لبناء جهاز عسكري فاعل وقادر على الحسم والسيطرة على غرار جهازها العسكري في قطاع غزة.

‌ب- عدم قدرة حماس على الحركة والظهور في الضفة الغربية لوجود الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، واستباحته الفجائية لكل منطقة يريد دخولها في مدن الضفة وقراها، على نقيض واقع الحال في قطاع غزة، وقد قام الاحتلال باعتقال ما يزيد على ثلاثة آلاف أسير من كتائب القسام في الضفة.

‌ج- تعرض نشطاء حماس ومن يعتقد إنهم من الجناح العسكري لها بحملات اعتقال ومداهمة وتفتيش وإغلاق للمقرات والجمعيات التابعة لهم من قبل الأمن الفلسطيني، مما يضعف بل ويحد قدرتهم على أي تحرك عسكري لتحقيق السيطرة كما حصل في غزة.

بالمقابل فان حماس تحتفظ بقدرات وإمكانات وأوراق قادرة على تحقيق السيطرة على الضفة، ولكن بأسلوب مختلف ليس عسكريا هذه المرة بل هو شعبي، على غرار ما حصل في إيران حين نجحت الثورة هناك شعبيا في اجتياح المدن والقرى في اللحظة التي قررها الخميني قائد الثورة في حينه، وقد تستفيد حماس من تجربة الإيرانيين تلك، لاسيما إنهم يرتبطون بعلاقات مميزة معهم، وهذه القدرات والأوراق تتمثل في:

أولا : ان الواقع الدعوي والتنظيمي والأمني، وليس العسكري، لحركة حماس في الضفة ليس بأقل من ذلك الواقع الذي كان موجودا في غزة، بحكم المنهجية والأسلوب والمرتكزات والثوابت التي تحكم حركة حماس في كل من غزة والضفة، وكذلك طبيعة المجتمع وهمومه وتركيبته وثوابته المتوافقة تقريبا في كل من غزة والضفة، وما يمكن إضافته هنا ان المشاهدات الحسية التي يتحدث عنها القادمون من الضفة تفيد ان لحركة حماس نشاط واسع وقوي يعتمد على تنظيم ملتزم ومحصن في الضفة، لاسيما في جنين والخليل ونابلس والقرى والمخيمات.

ثانيا : ان استيلاء حماس على كم هائل من المعلومات الاستخبارية والتحليلية من المقرات في غزة والتي وصفتها الصحافة الغربية “بالكنز الاستخباري”، وهي بالفعل تمثل حصيلة وجهد عمل هذه الأجهزة نحو أربعة عشر عاما من جمع المعلومات، تتضمن قاعدة معلومات وبيانات ووثائق وملفات توضح طبيعة علاقة هذه الأجهزة واتصالاتها ومنهجيتها وأهدافها وأسرارها سوف تستثمرها حماس شعبيا وقضائيا، من خلال نشر ما تقرره إعلاميا، وتحول ما تريد قضائيا وتمرر ما ترغب إلى أصحاب العلاقة وبشكل تدريجي يخدم توسيع شعبيتها في المجتمع الفلسطيني في الضفة.

ثالثا : ان الرصيد الأكبر شعبيا الذي حصلت عليه حماس في غزة والضفة كان نتاج عمليات المقاومة التي قامت بها كتائب القسام، وحماس تدرك ذلك جيدا، لاسيما إنها تملك الآن قدرة مضاعفة بعد سيطرتها على كميات كبيرة من الأسلحة والمعلومات، حيث ستلجأ إلى عمليات مقاومة أكثر فاعلية ونوعية بعد أن يستقر لها المقام والأمن في غزة، وهذا قد يحتاج إلى بضعة أسابيع.

رابعا : ان ما أظهرته حماس من قوة كبيرة وقدرة فائقة في السيطرة على ثمانين ألف مقاتل من الأجهزة الأمنية وسرايا الأمن خلال يومين، فان مجرد إظهار القوة الكاسرة التي ارتبطت بهزيمة الستة أيام عام 1967هو محل إعجاب وافتتان الشارع الفلسطيني والعربي، سوف تظهر نتائجه في المستقبل القريب لصالح حماس وشعبيتها.

خامسا : ان ما حدث من سيطرة حماس على غزة وانهيار أجهزة الأمن هناك بهذه السرعة، سوف يترتب عليه تداعيات وتدافع وخلافات كبيرة داخل حركة فتح وسلطة عباس في الضفة، وستبرز انتقادات حادة ومطالبات ملحة وقوية وقيادات غاضبة جديدة في مشهد سوف يفضي لمزيد من الضعف والتمزق على حركة فتح والسلطة في الضفة عموما، مما سوف يخدم حركة حماس في توسيع وتعميق شعبيتها هناك.

سادسا: وأخيرا فان سيطرة حماس على غزة عسكريا وحتمية سيطرتها قريبا على الضفة شعبيا، ليست بعيدة عما يجري عالميا وإقليميا من صحوة إسلامية سياسية، وتصاعد متواتر في المقاومة مقابل تخبط مرتبك متراكم للسياسات الأمريكية في المنطقة وردود الفعل عليها، وكذلك توسع الفجوة الاقتصادية العميقة بين الفقر والثراء، والحرية والاستبداد، والتعنت الإسرائيلي والتجبر المشروط الذي تمارسه دولة الاحتلال بعقلية القلعة، وهي تصر وتتلاعب بحق عودة اللاجئين والنازحين إلى أرضهم في فلسطين، مراهنة على ضعف ذاكرتهم وانتمائهم، وقدرتها على طمس القضية وإغراء اللاجئين والنازحين بالتعويض والثراء بالتوطن في أماكن سكناهم او إقامتهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات