الجمعة 09/مايو/2025

«الحقائق» على أرض الواقع

«الحقائق» على أرض الواقع

في26 أغسطس، وافقت “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية على توقيع اتّفاق وقفإطلاق نار، بعد أن استمرّ الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزّة 50 يوماً، وأودى بحياة2100 فلسطيني، وأحدث دماراً واسعاً. ودعا الاتفاق لوضع حدّ للهجمات العسكريّة،وتخفيف الحصار الذي يضيّق الخناق على غزّة منذ سنوات عديدة. لكنّ هذا الاتفاق ليسسوى الأحدث بين سلسلة اتفاقات وقف إطلاق نار تمّ التوصّل إليها، جرّاء تصعيداتدورية في سياق الاعتداء الإسرائيلي المتواصل على غزّة.

منذنوفمبر 2005، لم تتغيّر بنود هذه الاتفاقات من حيث الجوهر. وقد اعتدنا أن تتجاهل “إسرائيل”أي اتفاق قائم، إلى حين صدور ردّ فعل من «حماس» على تزايد وتيرة أعمال العنفالإسرائيلية، وما يليه من أعمالَ عنف أكثر وحشية. أُطلِقَت على هذه التصعيداتتسمية «جزّ العشب»، وفق المصطلح الإسرائيلي. ونقلت إحدى القنوات التلفزيونية كلامضابط أميركي رفيع المستوى أعطى وصفاً أكثر دقّةُ للعمليات الأخيرة وأسماها «إزالةللتربة السطحية».

انطلقتسلسلة الاتفاقات هذه مع توقيع اتفاقية المعابر بين “إسرائيل” والسلطة فينوفمبر 2005، والتي أجازت التنقّل بين غزة ومصر عند معبر رفح، وبين “إسرائيل”وغزة لتصدير البضائع وتسهيل عبور الأشخاص، كما دعت للتقليل من العقبات المرورية فيالضفة الغربية، وللسماح بمرور قوافل الحافلات والشاحنات بين الضفة وغزة، ولبناءمرفأ في غزة، وإعادة فتح مطارها الذي دمره القصف الإسرائيلي.

تمالتوصل إلى هذه الاتفاقية بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة مباشرة. أما دافع ذلكالانسحاب فيوضّحه دوف ويسغلاس، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييلشارون، الذي كان مسؤولًا عن المفاوضات حول تلك الاتفاقية وعن تنفيذها. وقد قاللصحيفة «هآرتس»: «تعتري خطّة الانسحاب أهمية لأنها تجمد عملية السلام، وتمنع قيامدولة فلسطينية، وتجنب التناقش في ملفات اللاجئين والحدود والقدس. والواقع أننامحونا كامل الحزمة المعروفة باسم دولة فلسطين من جدول أعمالنا، مع كل ما تشمله منأمور. وحصلنا على موافقة للقيام بذلك، وعلى إذن من الرئيس والكونجرس الأميركيين».وأضاف: «إن هذا الانسحاب أشبه الغاز السام، لأنه يعرقل أي عملية سياسية معالفلسطينيين».

بقيهذا النمط مستمراً حتى يومنا هذا، بدءاً بعملية «الرصاص المصبوب» (2008-2009)،مروراً بعملية «عمود السحاب» (2012)، ووصولاً إلى عملية «الجرف الصامد» (الصيفالماضي)، والتي تُعتبَر أعنف هجمة إسرائيلية في سياق «جزّ العشب».

وخلالأكثر من 20 عاماً، تواصلت المحاولات الإسرائيلية لفصلَ غزّة عن الضفة، في انتهاكواضح لاتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993، والتي تنص على أن غزة والضفة وحدة إقليميةغير قابلة للتجزئة.

ويمكنتفسير المنطق السائد هنا، بإلقاء نظرة على خريطة العالم؛ فإذا ما فُصلت مستوطناتالضفة عن غزّة، لن يبقى أي منفذ للفلسطينيين إلى العالم الخارجي، لأنهم سيكونونمحاطين بدولتين ب”إسرائيل” والأردن. وخلافاً للأوهام السائدة، لا تشبهالولايات المتحدة «الوسيط النزيه» والمحايد بشكل الأشكال. وإلى ذلك، تقوم “إسرائيل”باحتلال غور الأردن تدريجياً، وتطرد الفلسطينيين، وتقيم المستوطنات، وتحفر الآبار،بغية ضم ثلث الضفة ل”إسرائيل”، إلى جانب المناطق الأخرى التي استولتعليها من قبل. أما الكانتونات الفلسطينية المتبقية فسيتم عزلها كلياً، مع الإشارةإلى أن توحيد غزة قد يعرقل هذه الخطط التي تعود إلى أولى أيام الاحتلال وتحظى بدعممستمر من القوى السياسية الرئيسية الإسرائيلية.

قدتشعر “إسرائيل” أنها نجحت حتى الآن في إحكام السيطرة على الضفة، إلى حدلا يدعوها للشعور بقلق كبير حيال نوع من أنواع الحكم الذاتي المحدود الذي تطالب بهبعض الجيوب التي لا تزال تعود للفلسطينيين. ولابد من التنويه بملاحظة نتنياهو الذيقال إنّه «حالياً، تدرك مختلف العناصر في المنطقة أن إسرائيل ليست عدوة، بل شريكة،في الصراع الذي يهدد القوى الرئيسية».

ويرىبعض المعلّقين الإسرائيليين المطلعين، لاسيّما الكاتب داني روبنشتاين، أن “إسرائيل”تستعد لتغيير مسارها وتخفيف سيطرتها على غزة. لكن مع انتهاء «الجرف الصامد»، أعلنت”إسرائيل” عن استحواذها على أكبر قدر من المساحات منذ 30 عاماً تقريباًفي الضفة، بما يوازي 1000 فدّان تقريباً.

وفيالعادة، تزعم جميع الأطراف أنّه في حال عدم تطبيق حلّ الدولتين، نتيجة استيلاء “إسرائيل”على الأراضي الفلسطينية، فستقام دولة واحدة غربي الأردن. ويرحب بعض الفلسطينيينبهذه النتيجة، آملين أن يتمكنوا من المشاركة في الكفاح من أجل حقوق متساوية، علىغرار الكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ويحذر بعض المعلّقين الإسرائيليينمن أن «المشكلة الديموغرافية» ستقوض الأمل في بناء «دولة يهودية ديمقراطية».

والبديلالواقعي لحلّ الدولتين هو أن تستمرّ “إسرائيل” في تنفيذ الخطط التيوضعتها منذ سنوات، وتشمل الاستيلاء على جميع المناطق التي تعتبرها قيّمة في الضفة،مع تجنّب التجمعات السكانية الفلسطينية، وإبعاد الفلسطينيين عن المناطق التيتستولي عليها. ومن شأن ذلك أن يمنع وقوع «المشكلة الديموغرافية» الخطيرة.

ومنالمرجح بقاء غزة رازحة تحت الحصار القاسي، وأن تظل منفصلة عن الضفة الغربية، في حينأنّ مرتفعات الجولان السورية، شأنها شأن القدس التي ضمّتها “إسرائيل” فيانتهاك للشرعية الدولية، ستتحوّل بهدوء إلى جزء من “إسرائيل” الكبرى.وفي هذا الوقت، يتوقّع أن يبقى فلسطينيّو الضفة محتجزين داخل كانتونات لا مجالللاستمرارية فيه، على أن تُعطى مساكن خاصّة للنخب باعتماد الأسلوب الاستعماريالنموذجي الجديد.

علىمدى قرن، بقي الاستيطان الصهيوني لفلسطين يطبق بشكل أساسي مبدأ عملياً يقوم علىفرض الحقائق على أرض الواقع بهدوء، ليقبل بها العالم في نهاية المطاف، مع الإشارةإلى أن سياستها هذه حققت نجاحاً كبيراً. وتدعو كل الحقائق لتوقع استمرار هذهالسياسة، ما دامت الولايات المتحدة تقدّم كلّ ما يلزم من دعم عسكري واقتصاديودبلوماسي وأيديولوجي.

وبالنسبةللجهات المعنية بحقوق الفلسطينيين الذين يتعرضون لمعاملة وحشية، ما من أولوية أهممن تغيير السياسات الأميركية، علماً بأن ذلك ليس حلماً واهياً بأي شكل من الأشكال.

ينشربترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز».

صحيفةالاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...