السبت 10/مايو/2025

بعد كل ما حدث: هل كان خطأً دخول حماس في التشريعي؟؟

أمين راشد

لقد أحدث دخول حماس في الانتخابات التشريعية بلبلة كبيرة في أوساط خارجية وداخلية وكذلك بين الأنصار والمؤيدين ومحبي حماس في كل مكان.. واستغل أعداء الحركة هذا الموقف المستجد في حماس بإثارة الشبهات والشكوك حول منطلقات الدخول والمشاركة السياسة بوصفها -من خلال حنكتهم- انحداراً سياسياً وعودة لواقعيتهم وموازينهم –المائلة- والتخلي عن ملف المقاومة والبحث عن الخيارات الأخرى.. وكأن الحركة عاشت فترات طويلة من تجربتها الحركية أثناء تفاعلها مع القضية قبل مشاركتها في الانتخابات فساداً مطلقاً وفشلاً ذريعاً متراكماً في كل أذرعها -النقابية والسياسية والاجتماعية والدعوية وغيرها- .. وكأنها لجأت لهذا القرار –الدخول في الانتخابات- هروباً من الواقع السيئ أو التجربة الفاشلة التي تعاني منها .. كل تلك الادعاءات وغيرها مما سمعناه وقرأناه في الخطابات والمنشورات المختلفة التي تفننت في الهجاء والمماحكات والمناكفات تهدف إلى ركوب الموجة والظهور بمظهر الحكيم الذي عاد إليه الجميع وتحت شعار (ألم أقل لكم …) !!

إن المستقرئ للأحداث التي تتالت وتتابعت إثر فوز حماس في الانتخابات التشريعية .. الذي شكّل بذاته سبراً لغور مرحلة جديدة من مراحل القضية الفلسطينية .. وانتقالاً مفاجئاً وغير مفاجئ في نفس الوقت للكثيرين .. فكيف يفاجأ من لمس تميز حركة حماس في الجامعات والنقابات والحياة الاجتماعية والجهادية وغيرها .. وكيف لا يُفاجأ من جمّع الأموال وحشد الطاقات وصبّ حممه وإشاعاته وأقاويله والأكاذيب وجيّر أجهزة الدولة ومقدرات الشعب من أجل إسقاط خيار حماس!! ومع ذلك تفوز حماس في انتخابات لا مجال للشك مطلقاً في درجة مصداقيتها أو نزاهتها. إن ما انعكس من خلال النتائج كان أمراً فوق التصور وهو بذاته يعدّ نقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية برمتها ومن جميع جوانبها، فكيف لحركة حوربت وارتضت لنفسها أن تسبح عكس التيار الانهزامي ذي الصولة والجولة والمنعة والدعم الداخلي والخارجي أن تصل برّ الأمان من غير شوكة شائكة أو إعاقة مخلّة.

نقول، وبعد الأحداث التي تعاقبت، ومراحل الحصار التي ضربت بعرض الحائط مصلحة شعبِ كامل من أجل إسقاط خيار “حماس” ذات الامتداد العالمي المعروف –مع إدراكنا أن مراحل الحصار لم تنته بعد- .. نقول إن ما حدث يثبت وبكل المقاييس ومن جميع الأوجه أهمية اقتحام الحركة لهذه التجربة المميزة الفريدة من نوعها للحركة الإسلامية العالمية استراتيجياً .. ولكل قطر عربي سياسياً ..

ولنفترض أن حماس لم تشارك في الانتخابات التشريعية، وهي قد وصلت إلى ما وصلت إليه في النقابات والجامعات والمؤسسات الاجتماعية وغيرها.. فهل تترك الساحة السياسية وتضع نفسها بين جدران نقابية أربعة والشعب ينتظرها ويعقد الآمال عليها لتغيير الواقع السياسي الفاسد، وقلب معادلة التنازلات إلى معادلة عزة وكرامة وأنفة بعد التفوق الجهادي المقاوم في فلسطين!! وهل تترك الحركة مسلسل التنازلات يتواصل بانحدار رهيب لن يترك الشعب ولا القضية إلا عند الهاوية المدمرة!!

وها هي الأيام تثبت أن مجرد دخول حماس ومشاركتها في الانتخابات التشريعي هو “مقاومة” بحد ذاته، فقد وصل الحد بالتنازلات المتمثلة بالاتفاقيات السابقة وإدارة منظمة التحرير للملف الفلسطيني لتكون عائقاً كبيراً يهدم انجازات الآخرين، ويعيق الجهود .. ويقف أمام مساعي الشرفاء بإرادتهم الحرة. لذا كان من الواجب مقاومة التنازلات والخيانات السابقة. لا نقرأ الواقع من زاوية واحدة فقط .. فالمسألة برمتها أكبر من أن تحصر في ذلك فمن الواجب المراقبة الحقيقية للأحداث.

ولنعد مجدداً للتساؤل، فلو لم تشارك حماس في الانتخابات التشريعية هل سيدرك الشعب مقدار الارتباط الوثيق بين عرّابي الاتفاقيات السابقة وقوى الاحتلال المفروضة على الشعب كما أدركه في المرحلة الحالية -من خلال الدعم المادي لأصحاب الأجندات الخاصة والملفات التفريطية بشاحنات الأسلحة والأموال المغدقة عليهم ووو … -؟!! .. لقد بات أصغر طفل فلسطيني يدرك تماماً كل ما يحدث، فلا مجال للمزاودات والتغطية -بادعاء الوطنية- للمشروع التفريطي .. فقد دعتهم المرحلة ووصل بهم الحد ليتهافتوا جميعهم -وبلا استثناء-في إدانة الصواريخ والمقاومة وتحقيرها تارة ووصفها بالعبثية تارة أخرى ومرة بالحمقاء وأخرى بالاستقصاف وهكذا وبدون حد أخلاقي أو وطني .. فنسفت المرحلة الحالية كل الستائر التي كانوا يخفون وراءها خياناتهم ومؤامراتهم التفريطية.

لقد شكلت المرحلة الحالية التي نعنونها بـ (آثار فوز حماس في الانتخابات التشريعية) غربلة حقيقية في شتى الاتجاهات، من جهة الوضع الداخلي لحركة حماس باختبار صدق انتماء أبنائها وجهادهم وتمسكهم بمبادئهم فالمرحلة بحدّ ذاتها اختبار حقيقي عظيم. وكذلك غربلة في صفوف جميع أبناء الشعب الفلسطيني لقياس مقدار التضحية في النفوس ودرجة الصمود الأمر الذي يعتبر مؤشراً كبيراً لمقدار احتضان الشعب لخياره الحر. وهذه سنة من سنن الله تعالى في الكون تتمثل في (التخلية قبل التحلية) فإن الله تعالى إن أراد أن يأخذ الظالم أخذه أخذاً لم يُبك عليه حجراً ولا شجراً ولا جماداً (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) .. ومن خلال السيرة النبوية فطالما خضع المؤمنون وبشكل دائم لاختبارات الطاعة والثقة قبيل المعارك والغزوات الفيصلية التي حددت مصير الإيمان والكفر.. وإن معركة التحرير الكبرى تحتاج إلى مراحل غربلة كثيرة نصل من خلالها إلى الصفاء والنقاء المطلوب الذي يؤهلنا لاستلام بلادنا المقدسة ومسجدنا الأسير.

إن الولوغ في الانتخابات التشريعية تجربة لا بد منها. وهي مرحلة حتماً ستصاب فيها الحركة بأذى إلا أنها تدرك قطعاً أن مقدار الأذى مهما بلغ لن يقطع لها ساقا. ولو لم تشارك الحركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة لانتظرتها هذه التجربة ولو بعد حين لتخوض غمارها وتجري فيها سنن الله في الكون. وتحدث القفزات المطلوبة من أجل المستقبل المنظور الذي يختصر المسافات ويكشف الحقائق ويجري حكم الله تعالى في الظالم وينتصر فيه المظلوم ولو بعد حين..

لقد كانت التجربة الحالية التي تخوضها حماس من خلال موقعها في الحكومة والبرلمان واقعاً مفتوحاً تقرؤه الحركة الإسلامية في كل قطر على حدة وتراقب فيها التغيرات الدولية في القطر الواحد والإقليم الواحد . وتضع من خلالها البرامج وتقيم المراحل المتعاقبة في كل قطر وتصل من خلالها إلى نتائج سليمة قد تتوقف عندها وتعيد النظر في حساباتها ونهجها المتبع وقد تعدّل وتقيم وتنقح للوصول إلى أهدافها وغاياتها المنتظرة المرحلية والعامة.

إن الشعب الذي اختار حركة حماس ببرنامجها المحدد من خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، عليه أن يدرك تماماً، أن حماس المحاصرة والمحاربة من الداخل والخارج في هذه المرحلة، هي نفسها حماس المساجد والمؤسسات النقابية ومجالس الطلبة في الجامعات التي أبدعت في تقديم الخدمات والارتقاء بالواقع اجتماعياً ونقابياً وحفظت الكرامة والعزة وكافة مقدرات الشعب حين أعطيت كامل حريتها .. وعليه أن يدرك أن بلوغ التغيير والإصلاح يحتاج إلى أن تقدّم القرابين على أعتابه. وعليه التضحية في سبيل قناعته التي صبّها في صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وألا يسمح بأن تُخلى الساحة لخيارات تنازلية طالما أذاقت الشعب الهوان والذل، الأمر الذي جعل البعض يتغنى بفوزه في انتخابات هنا أو هناك متناسياً أن جميع قادة حماس السياسية والنقابية في السجون ولم يتبق للحركة في الخارج غير مشاريع الاعتقال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات