القدس بين أوباما وقرار التقسيم

صحيفة الاتحاد الإماراتية
أثارت الفقرة التي وردت في خطاب أوباما حول القدس تساؤلات عن دلالتها بالنسبة للحل الذي يرتئيه لمدينة القدس الموحدة بشطرها الغربي، الذي احتلته “إسرائيل” عام 1948 وشطرها الشرقي الذي احتلته عام 1967. الإسرائيليون يعلنون بكافة أحزابهم أنهم يعتبرون القدس الموحدة بشطريها عاصمة أبدية لدولة “إسرائيل”، في حين يطالب العرب بأن تكون القدس الشرقية في التسوية النهائية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة.
من هنا يكشف التأمل بكلمات فقرة أوباما عن درجة عالية من الإبهام والغموض التي دعتني إلى مراجعة دقيقة للقرار رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل نشوب حرب 1948 تلمساً لآفاق الرؤية التي توحي بها كلمات أوباما دون تحديد. يقول أوباما بالنص: “لقد تدفقت دموع الكثيرين وسالت دماء الكثيرين، وعلينا جميعاً تقع مسؤولية العمل من أجل ذلك اليوم الذي تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهن يتقدمون في حياتهم من دون خوف، وعندما تصبح الأرض المقدسة التي نشأت فيها الأديان الثلاث العظيمة مكاناً للسلام الذي أراده الله لها، وعندما تصبح مدينة القدس وطناً دائماً لليهود والمسيحيين والمسلمين، المكان الذي يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا في سلام، تماماً كما ورد في قصة الإسراء عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم”.
ويمكننا أن نلاحظ غموض المحتوى الذي تؤديه العبارة التي يرد فيها اسم القدس باعتبارها وطناً دائماً لليهود والمسيحيين والمسلمين. العبارة هنا عامة على نحو يوحي بأن المقصود هو القدس بشطريها الغربي والشرقي، كما أن العبارة باستخدامها كلمة “وطن” لأصحاب الديانات السماوية الثلاث، تعيدنا إلى الوضع الذي حدده قرار التقسيم، فهو أقرب الأوضاع للإيحاء الناتج عن كلمات أوباما سواء من حيث حدودها أو من حيث وضعها الخاص، أو من حيث كونها وطناً، ينتمي إليه مواطنوها سواء كانوا عرباً أم يهوداً أم كانوا مسلمين أم مسيحيين.
فهل يمكن أن تكون كلمات أوباما نوعاً من نفخ الروح أو الأحياء لقرار التقسيم فيما يخص القدس؟ هذا هو السؤال الذي يبقى هائماً أمام العيون إلى أن نحصل على تحديد للمعاني الدقيقة لكلمات الرئيس الأميركي.
ودعونا نطوف في القسم الخاص بمدينة القدس في قرار التقسيم لنتبين القرب الشديد بين الإيحاء الرئاسي ونص القرار الدولي. يرتب القرار نظاماً خاصاً للمدينة مستقلاً عن الدولتين اليهودية والعربية المقترحتين فيه. ويجعل هذا النظام للمدينة كياناً منفصلاً خاضعاً لنظام دولي خاص، وفيه تتولى الأمم المتحدة إدارتها، ويعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة. أما حدود المدينة، فتشمل بلدية القدس في ذلك الوقت مضافاً إليها القرى والبلدان المجاورة وأبعدها شرقاً أبو ديس، وأبعدها جنوباً بيت لحم وغرباً عين كارم، وتشمل معها المنطقة المبنية من قرية قالونيا.
أما عن نظام الإدارة المقترح، فيقوم على دستور مفصل للمدينة يضعه ويقره مجلس الوصاية، يتضمن جوهر الشروط التالية فيما يخص الإدارة الحكومية، التي تكون مقاصدها وأهدافها حماية المصالح الروحية والدينية الفريدة الواقعة، ضمن مدينة العقائد التوحيدية الكبيرة الثلاث المنتشرة في أنحاء العالم – المسيحية واليهودية والإسلام – وصيانتها والعمل لهذه الغاية بحيث يسود النظام والسلام – السلام الديني خاصة – مدينة القدس. وكذلك دعم روح التعاون بين سكان المدينة جميعهم، سواء في سبيل مصلحتهم الخاصة أم في سبيل تشجيع التطور السلمي للعلاقات المشتركة بين شعبي فلسطين في البلاد المقدسة بأسرها، وتأمين الأمن والرفاهية، وتشجيع كل تدبير بناء من شأنه أن يحسن حياة السكان أخذاً بعين الاعتبار العادات والظروف الخاصة بمختلف الشعوب والجاليات. إذا تأملنا المقاصد السابقة، كما وردت بالنص في القرار، فإننا نجدها قريبة للغاية من عبارة أوباما وكلماته. فضلاً عن ذلك ينص القرار على أن يكون حاكم القدس من غير مواطني الدولتين اليهودية والعربية ضماناً لحيدته. أما فيما يتعلق بالمواطنة، فينص القرار على أن يصبح جميع المقيمين بحكم الواقع مواطنين في مدينة القدس ما لم يختاروا جنسية الدولة التي كانوا رعاياها أو ما لم يكونوا عرباً أو يهوداً قد أعلنوا نيتهم أن يصبحوا مواطنين في الدولة العربية والدولة اليهودية، ويتخذ مجلس الوصاية التدابير لتوفير الحماية القنصلية لمواطني المدينة خارج أرضها. إذن نحن أمام ترتيبات تجعل من القدس وطناً لمواطنيها من المنتمين إلى الأديان الثلاثة، يتعايشون في سلام طبقاً لعبارة أوباما.
يبقى أن نتساءل هل قصد أوباما هذا المعنى بعقليته القانونية عندما استخدم كلمة (وطن)، أم أنها وردت في السياق العاطفي العام؟ الإجابة ستتبين عندما يعلن أوباما السياسات المحددة، التي تترجم نواياه ورؤاه الواردة في الخطاب.
ودعونا لا ننسى الاستماع إلى رد نتانياهو على خطاب أوباما لملاحقة جدل الأفكار والرؤى.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

6 شهداء وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 6 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة، فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر شن طائرات الاحتلال...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...