المخاض الفلسطيني والولادة المتعسرة لحكومة الوحدة

وبالاستناد الى هذه القراءة فأن الصراع بين مكونات النظام القديم وقواه المهيمنة والقوى الحاملة للنظام الجديد يصبح مفهوما ومنطقيا، لكن ما هو خارج عن سياق هذا الفهم ولا يمكن أن تبررة المصلحة الوطنية العليا أن يتجاوز هذا الصراع القواعد الديمقراطية الحضارية والخطوط الحمراء والمحرمات الوطنية الفلسطينية ، في نفس الوقت ينبغي أن يوضع هذا الصراع في إطار القراءة الصحيحة لطبيعة المرحلة التي يعيشها شعبنا والمظهر الرئيسي لتناقضاتها ، فالتناقض في مرحلة التحرر الوطني مظهره الرئيسي مع الاحتلال وما عداه من تناقضات تبقى ثانوية ،يجب أن يحكمها إطار الوحدة الناظمة لعلاقات القوى المتصادمة معه .
اضافة لذلك ادراك أن السلطة التي يجري الصراع عليها ترزح ومعها شعبنا تحت نير الاحتلال . وما هو غير منطقي ومبرر أيضا التعامل مع ما سمى بشروط الرباعية الدولية الإسرائيلية الأمريكية المنشأ كثوابت وطنية فلسطينية وورقة رئيسية في إدارة الصراع الداخلي تحت ذرائع فك الحصار ،فيما سمي بالالتزامات الدولية لمنظمة التحريرر أو شروط الرباعية للاعتراف بالحكومة الجديدة أو الاتفاقات فهي غير قائمة على الأرض فقد انتهكتها إسرائيل وداستها ودمرتها ولم يبقي منها سوى شبح سلطة مثقلة بمسؤوليات اجتماعية واقتصادية تخلص الاحتلال من عبئها ،من جهة أخرى فأن ما قدمته م.ت.ف من التزامات لا يرقى الى مستوى التزامات الدولة التي لم تنشأ بعد ولا تشكل أيضا نقاط او اجماع فلسطيني .
وعلى هذا الأساس وكما هو معروف كبديهية سياسية أن برنامج هذه الحكومة يستند الى مساحة القواسم المشتركة التي وجدت تعبيرها في وثيقة الوفاق الوطني ،وهذه الوثيقة التي تستند في علاقاتها مع المجتمع الدولي باستنادها الى قرارات الشرعية الدولية تلبي الأسس الضرورية لكسر الحصار السياسي والاقتصادي ، وغير مطلوب من شعبنا لأن يفرض على نفسه الزاما بالآليات العقيمة التي حملتها المشاريع ، السياسية الامريكية الإسرائيليةالتي وصلت الى طريق مسدود ،كما من حق شعبنا وعبر نضال قواه الموحدة أن يرفع سقف استجابة هذه القرارات لمصلحته الوطنية، فهذه القرارات هي محصلة لموازين القوى التي تحكم الصراع على الأرض وانعكاساتها على الوضعين الدولي والإقليمي ،فالقرار 1701 لم يكن ممكنا أن تصاغ نصوصه على هذا النحو الذي استجاب لمصلحة الشعب والمقاومة اللبنانية لولا موازين القوى الناشئة عن صراع المقاومة مع جيش الاحتلال .
في نفس الوقت فإن الحاجة لحكومة الوحدة يستدعيها كسر الحصار الاقتصادي المفروض على شعبنا قبل أن يكون على الحكومة التي شكلتها حركة حماس بعيدا عن أي شكل لاستبدال الحصار الاقتصادي بتعميق الحصار السياسي واخضاع الشأن الوطني الداخلي وقيادات شعبنا الوطنية، النضالية والديمقراطية ومصادرة القرار الوطني المستقل وسقف طموحاتنا الوطنية بالرؤية الإسرائيلية الأمريكية الهادفة للهبوط بها دون سقف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية .فالوحدة الداخلية هي المدخل الوطني لكسر الحصار الاقتصادي في إطار حماية ثوابتنا الوطنية والحفاظ على قدرتنا على تطوير المبادرات الدولية بالتقاط زمام المبادرة السياسية في إدارة صراعنا مع الاحتلال.
فالقراءة الموضوعية الواقعية للمستوى الذي بلغته التناقضات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية تشير خاصة بعد الانتصار الحاسم الذي حققه حزب الله والمقاومة اللبنانية في الحرب الذي أدارتها إسرائيل وأمريكا ضد الشعب الفلسطيني، فقد عمق هذا الانتصار من الأزمة التي يعيشها المشروع الامريكي للسيطرة في المنطقة في جميع حلقاته ، ونقل هذه الازمة الى المستوى الدولي والمجتمع الأمريكي ،كما عمق من مأزق حكومة اولمرت وادخلها في أزمة مستعصية، نشهد تفاعلها واثارها العميقة على المجتمع الإسرائيلي ، وفي هذا المناخ نلمس مؤشرات لبداية تغير في الميل الدولي وخاصة الاوروبي للتعاطي مع الأزمات في المنطقة عكسته بدرجة أو بأخرى المبادرة الاسبانية الفرنسية الايطالية كخطوة في الاتجاه الصحيح والتي دعت الى عقد مؤتمر دولي للسلام، هذه المبادرة ينبغي التقاطها والدفع نحو تطويرها لترتقي الى الامساك بالمعالجة السياسية المستندة الى قرارات الشرعية الدولية ومرجعية الامم المتحدة بديلا للمعالجات الأمنية التي طرحتها المشاريع السابقة التي فشلت ووصلت الى طريق مسدود ، وما طرح اولمرت لما سمي بمبادرته السياسية التي لم تختلف من حيث الجوهر عن الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع سوى استشعاره لخطر نشوء هذا الميل ورغبته لقطع الطريق على مبادرته ، اضافة لسعيه بعد طى ملف خطته للانطواء الى ابقاء زمام المبادرة السياسية في يد إسرائيل لاحتواء الصراع وادارته وملأ الفراغ السياسي قبل أن يفرض عليه ما لا يرتضيه ./ مجمل هذه المعطيات تؤكد أن الطريق لكسر الحصار السياسي والاقتصادي هو امتلاك المبادرة السياسية مدخله وعنصر قوته الاساسية انجاز الوحدة الوطنية الداخلية والتسريع بتشكيل حكومة الائتلاف الوطني، والانتقال العملي لاعادة بناء م.ت.ف ، بشكل يستجيب للخارطة السياسية الفلسطينية الجديدة لتوزيع القوى السياسية الفلسطينية بما يعزز ويكرس دورها كممثل شرعي ووحيد لشعبنا، وتوفير الاساس والضمانة لتسوية كل التناقضات الداخلية سواء تلك الناشئة عن مركبات النظام السياسي الفلسطيني التي وجدت تعبيرها بالتناقض بين مؤسستين الرئاسة والحكومة في ظل سلطة اللون الواحد، أو التناقض بين برنامج الرئاسةوالسلطة وغيرها.
ومع هذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل فإنها وحدها لا تكفي لانجاز، الوحدة التي نصبو اليها وباتت تشكل املا لشعبنا ولاصدقائه ، فالى جانبها يجب أن تتوفر القناعة والارادة لدى جميع القوى السياسية التي ترفع من شأن تحقيق الوحدة وضروراتها الى مستوى المبدأ ، وجزءا مهما من ثقافتها ومنهجها ، فأي مراقب سياسي قريب أو بعيد صديق أم عدو لا يلمس من مسار الحوار الفلسطيني الداخلي في محطاته المتعاقبة جدية ومسؤولية ترقي الى استحقاقات المرحلة في السعى لانجاز الوحدة، والشواهد على ذلك كثيرة ، فالتأرجح غير المتوازن بين رفع سقف التوقعات والأمال لدى جماهير شعبنا حول الشوط المقطوع في هذا الاتجاه والعودة المفاجئة الى نقطة الصفر أو الحديث عنى تجاوز الخلاف السياسي والانتقال لمناقشة تفاصيل تشكيل الحكومة ليعود الحديث عن الخلاف السياسي الى واجهة المشهد الفلسطيني
أن هذه التناقض الذي تكرر في كل جولات الحوار علاوة عن أنه غير مفهوم فهو ايضاً يطرح سؤالا صريحا حول وجود مقاسات أو معايير أمريكية تجعل هذا الشكل أو ذاك لحكومة الوحدة مقبولاً أو مرفوضاً ،وهنا لا بد من تسجيل أن القبول بتكييف عملية تشكيل الحكومة والشخصيات المرشحة ، لتولي الحقائب الوزارية فيها لمقاسات الموقف الامريكي هو اخطر من استدخال شروطها واملاءاتها السياسية، فحكومة الوحدة يجب أن تكون تدعيم لخيار الشعب الديمقراطي وارادته الحرة بعيداً عن أي شكل للتدخل الخارجي في الشأن الفلسطيني الداخلي.
من جهة أخرى فأن عملية بناء حكومة الوحدة الوطنية بقدر ما يجب أن تستند الى نتائج العملية الديمقراطية ونسب القوى ينبغي أن تؤسس أيضاً على منطق تعميم المشاركة الديمقراطيةالجماعية في كل المؤسسات .مشاركة تحتكم الى مبدأ توزيع المسؤوليات ووضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب ؟ فهذا هو الأساس المتين لتعميق المحتوى الديمقراطي للمؤسسات الوطنية وفتح صفوفها لجميع أبناء شعبنا بعيدا عن التمييز الفئوي ، فكما لا يمكن انجاز التغيير الضروري بالادوات القديمة فهو غير ممكناً ايضا بالاحتكام الى المنهج القديم، وهنا يكمن جوهر المعالجة الوطنية الديمقراطية التي تترجم وعود القوائم البرلمانية للجماهير في حملاتها الانتخابية ، وهذا يعنى هو ما يجب الاتفاق عليه أولا هو المنهج ،وثانياً اطار الحوار الجماعي الواسع الذي تشارك فيه كل مكونات شعبنا واطيافه السياسية والاجتماعية ويمكن من خلاله الوصول الى النتائج المرجوة.
صحيح أن تفاهم التيارين المركزيين ضروري ومرتكز هام لتحقيق الوحدة، لكن حصر النقاش في هذا الإطار وحجب معطياته عن جماهيرنا وقواها السياسية الاخرى ، والاكتفاء بتوظيف من هو خارج هذين المحورين كوسطاء بعيدا عن الاطار الجماعي المطلوب ، إن هذا السلوك لا يمكن وصفه مع عدم إسقاط أية نوايا حسنة سوى أنه صيغة يعشش فيها منطق الهيمنة وتقاسم النفوذ دون أي دوافع حقيقية لتكريس الوحدة واحترام التعددية السياسية ، أو مناورة سياسية لاحتكار المؤسسسات التي همشتها في وقت سابق واحتجزت ممكنات تطورها وحولتها الى أهرام بيروقراطية للانتفاع الشخصي أو الفئوي عاجزة عن تلبية احتياجات الجماهير، فالحوار المجدي الوطني والمسؤول يجب أن لا يستند الى بند مقدس سمي بالشروط الدولية أو تحويل النسب والارقام الى أصنام للعبادة، فعلى الجميع أن يتذكر أن قرابة أربعة وعشرون بالمئة من جماهيرنا لم تشارك في العملية الانتخابية ،وان استنكافهم عن هذا الحق لا يسقطهم من دائرة الحسابات الجماعية، وبالانتقال الى ملف م.ت.ف، النظام السياسي الأشمل لشعبنا فإن استمرار المماطلة في تنفيذ استحقاق اعلان القاهرة بالعمل على اعادة بنائها لا يمكن فهمه الا في اطار سياسة احتجاز تطورها المقصود .فقد مضى سنتين على اعلان القاهرة لم تجرى خلالها أي حراك جدي أو خطوة عملية واحدة تعكس الحرص الذي تعكسه الخطابات السياسية حول شرعية تمثيلها لشعبنا ،أن واقع حال م.ت.ف، البائس الذي يسحب عليها وصف الركام المشلول ،اضافة الى حملته الانتخابات التشريعية من حراك في التناقضات الداخلية التي سبق ذكرها ،كل ذلك تعطي عملية ،اعادة البناء أهمية استثنائية ودوراً يجب أن تلعبه هذه العملية في احتواء تناقضات الوضع الفلسطيني على أساس التوافق الوطني أو الحسم الديمقراطي في المجلس الوطني الجديد والمنتخب، و عليه فان انجاز هذا الملف يجب أن يحتل اولوية في أجندة الحوار الوطني الفلسطيني بعد التوافق على هذه المهمة وتسمية الاطار العام للجنة المكلفة بتقديم التصور والصياغة والآليات المناسبة لانجاز هذه العملية، فهذه اللجنة التي سمي لعضويتها اعضاء اللجنة التنفيذية والامناء العامون للفصائل الفلسطينية ورئاسة المجلس الوطني،اضافة الى عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة الوازنة في الداخل
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

6 شهداء وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 6 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة، فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر شن طائرات الاحتلال...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...