حماس على مفترق طرق

أصبحت حركة حماس في بؤرة الاهتمام الدولي منذ أن برزت على الساحة الفلسطينية عاملاً مهماًً في معادلة الصراع العربي – الصهيوني، ولا يغير هذه الحقيقة نوع المسار الذي تسلكه حماس طالما أنها ترفع لواء المقاومة وتحمل الهم الفلسطيني، ولذلك تعرضت الحركة منذ نشأتها للعديد من محاولات التقويض والتهميش، ومع دخول حماس في المعترك السياسي من أوسع أبوابه؛ ازدادت هذه المحاولات ضراوة، وباتت حماس أمام مفترق طرق صعب وخطير.
دخلت حماس المعترك السياسي لتؤثر في القرار السياسي الفلسطيني وتشارك في صناعته بحجم يتناسب مع ما تحظى به من قوة سياسية فعالة على الساحة الفلسطينية، وما تتمتع به من مصداقية وتأييد شعبي معزز بالإنجازات التي حققتها في ميدان مقاومة الاحتلال، وما برهنته من نجاح في حمل هموم المواطن الفلسطيني وطموحاته.
وبينما أرادت حماس الدخول في المسار السياسي لحماية مبادئها ومؤسساتها وأذرعها، لتظل قادرة على حمل الطموحات الفلسطينية دون تنازل عن حقوق أو تفريط بثوابت، أرادت الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي الفاعل أن يكون ذلك مدخلاً لحرف الحركة عن مسارها، وإفشال مشروعها، والتشكيك في مصداقية الوعود التي قطعتها على نفسها أمام الشعب الفلسطيني.
لا شك أن دخول حركة حماس في المعترك السياسي جاء بإرادة دولية، وذلك بعد أن تبين للاحتلال الصهيوني ورعاته استحالة تجاوز الحركة، وفشل محاولة إيجاد شريك فلسطيني يحظى بتأييد الشعب ويسهم في تسوية القضية الفلسطينية وفق الأطماع الصهيونية والرؤية الأمريكية، إلا أن حجم هذا الدخول في المعترك السياسي جاء على عكس كل التوقعات ومخيباً لآمال الاحتلال والأمريكان وشركائهم، وزادت هذه الخيبة باستعصاء حماس على كل محاولات تقويضها.
وربما يغيب عن فهم كثير من الناس أن الوضع الذي وصلت إليه حماس جاء نتيجة طبيعية لتطورات القضية الفلسطينية واستجابة طبيعية لإرادة الشعب الفلسطيني المواكبة لهذه التطورات، وقد ساعد على ذلك نجاح حماس في القيام بدور مؤثر محلياً وإقليمياً وتحولها إلى عامل مهم لا يمكن تجاوزه في المنطقة، الأمر الذي جعلها تنال ثقة الشعب الفلسطيني الذي حمّلها همومه وطموحاته، ولذلك من السطحية القول أن ابتعاد حماس عن المسار السياسي سيعفيها من الضغوطات التي تتعرض لها أو أنه سيبعدها عن بؤرة الأحداث ويحفظ لها مبادئها وفكرها، وفي كل الأحوال؛ فإن حماس ستسير على نهجها دون تنازل عن مبادئها أو نكوص عن حمل الهم الفلسطيني.
يراهن المجتمع الدولي على تخلي حماس عن مبادئها وعقيدتها الإسلامية، لتتحول إلى فصيل سياسي يخضع لقواعد اللعبة السياسية ويرضخ لسياسة الأمر الواقع، فتصبح بذلك حماس ممن يؤمنون بالمسار السياسي – دون الاستناد إلى المقاومة – طريقاً وحيداً لحل القضية الفلسطينية، وبهذا يطمح المجتمع الدولي في أن يصبح المسار السياسي مدخلا لتنازل حماس عن الحقوق…
ولهذا فهناك فروق جوهرية حول مضمون مفهوم العمل السياسي بين وجهة الطرف الفلسطيني ووجهة نظر الاحتلال الصهيوني ورعاته، فالطرف الفلسطيني ينظر إلى العمل السياسي على أنه حق طبيعي لاختيار الشعب الفلسطيني من يمثله ويحمله همومه وطموحاته، كما أنه أداة لتوظيف مقاومة الشعب الفلسطيني وإنجازاته وتضحياته لخدمة قضيته العادلة…
أما المجتمع الدولي الراعي للمشروع الصهيوني فإنه ينظر إلى العمل السياسي على أنه مدخل لاعتراف الطرف الفلسطيني بأن أرضه التي احتلها الصهاينة بالعنف والإرهاب هي حق غير متنازع عليه لكيان الاحتلال الصهيوني، وأن على الشعب الفلسطيني أن ينخرط في تسوية لقضيته وفق الرؤية الصهيونية المستندة إلى إنكار حق الشعب الفلسطيني في الوجود على أرض آبائه وأجداده.
وفي ظل اختلال موازين القوى لصالح الاحتلال، وحالة الضعف المزري الذي يتسم به العالم العربي والإسلامي، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مؤسسات صناعة القرارات الدولية، لا يلوح في الأفق أي أمل، على الأمدين القريب والمتوسط، في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني ونيل حقوقه وتحرير أرضه.
فالاحتلال الصهيوني يطمع في إنشاء سلطة حكم ذاتي فلسطينية تسيطر على حياة الشعب الفلسطيني وتقدم القرابين الفلسطينية في طقوس يومية للبرهنة على الخضوع لإله الاحتلال (أمن كيان الاحتلال) بين الفينة والأخرى، وبذلك ستتحول السلطة الفلسطينية ومؤسساتها إلى أجهزة أمنية تابعة للأجهزة الأمنية الصهيونية بذريعة التنسيق الأمني والالتزامات الأمنية….
كما أن الاحتلال يطمع في خوض مفاوضات مع الطرف الفلسطيني تؤدي إلى تحقيق الحلم الصهيوني في إنشاء دولة يهودية (نقية) بعد تهجير فلسطينيي الأرض المحتلة منذ عام 1948م من بيوتهم وأرضهم وتوطينهم في مناطق السلطة الفلسطينية، وسيسعى الاحتلال إلى إعادة رسم حدود دولته المزعومة لتأمين أمنها وسلامتها، هذا بالإضافة إلى تكبيل المجتمع الفلسطيني بقيود اقتصادية تجعله سوقاً للاحتلال وإغراقه في منتجات الاحتلال الصناعية والزراعية وغيرها…
وحتى في حالة الجمود المتمثلة في هدنة يلتزم بها الجانب الفلسطيني فقط، فسيستمر الاحتلال في ممارسة سياسياته الرامية إلى التهويد وخلق الوقائع التي تأتي في سياق مشروع الدولة اليهودية، وسيتخذ الاحتلال من حالة الجمود ذريعة لتنفيذ ما يسمى “حلولاً انفرادية” وتحريك أدواته في الداخل لعرقلة برامج حماس وإبقاء المجتمع الفلسطيني في حالة تآكل واحتراب وفوضى.
هذا بالإضافة إلى استمرار حالة الاستقطاب الحاد بين حركتي حماس وفتح، واستمرار حالة الحشد والتجنيد لأبناء الشعب الفلسطيني، وربما إشعال شرارة حرب أهلية شرسة، وكذلك استمرار معاناة شعبنا الفلسطيني في ظل الحصار والعزلة والفوضى…
لذلك فإن الجمع بين العمل السياسي – بالمفهوم الفلسطيني – والمقاومة أمر مستحيل في ظل تحيز المجتمع الدولي إلى كيان الاحتلال الصهيوني، ومن العبث التعويل على تحول مواقف الدول الغربية الراعية للمشروع الصهيوني بشكل يسمح لحماس مواصلة مشروعها التحرري على ذات الأسس التي قامت عليها الحركة.
لذلك فلا بديل أمام حماس غير التمسك بالمقاومة خياراً استراتيجياً وفريضة شرعية وضرورة ذاتية، والعمل الدؤوب على تجنيد طاقات أبناء الشعب الفلسطيني للتصدي للعدوان، وتعزيز صمود شعبنا ورص صفوفه، وتنقية الجبهة الداخلية من الشوائب وأسباب الضعف.
كما أنه على شعبنا أن يسعى للخروج من الواقع الذي فرضه إطار أوسلو التفاوضي والتخلص من إفرازاته، وعليه إعادة صياغة الوضع الفلسطيني الداخلي بشكل جذري وجوهري، وذلك من خلال إعادة بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وإيجاد إطار فلسطيني بديل يجمع كل القوى الفلسطينية في الداخل والخارج ويتصدى لكل محاولات التسوية الهزيلة في المنطقة.
إن العودة إلى المربع الأول في مواجهة الاحتلال، والإبقاء على جذوة الجهاد والمقاومة مستعرة، وعدم إتاحة أي عمليات تطبيع بين الكيان الصهيوني المسخ والدول العربية، هو البديل الوحيد المتاح للشعب الفلسطيني.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...

جيش الاحتلال يفرض إغلاقًا على قرية المغير في رام الله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام فرضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، إغلاقًا على قرية المُغَيِّر شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة...

بوريل: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بغزة بقنابل من أوروبا
المركز الفلسطيني للإعلام أكد المسؤول السابق للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأن نصف...

الاحتلال يواصل الإبادة بغزة موقعاً 147 شهيدًا وجريحًا خلال 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 23 شهيدا، و124 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...