الصحفي محمود عيسى.. أسرٌ حصد نصفَ عُمره

مضت ثلاثة وعشرون عامًا على آخر مشوار قام به وعائلته إلى “البيدر” لحصاد القمح.. لم يكن يعلم آنذاك بأنه المشوار الأخير قبل اعتقال دام بعمر معاهدة السلام المبرمة بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية؛ إلا أنه كان على موعد مع القدر في حصاد آخر.. فيه تَحصد سجون الاحتلال أعمار الناس وتقضي على زهرة شبابهم؛ حيث القيود القاسية، والليل الطويل، والجدران المعتمة، والحرية المسلوبة.
يقبع اليوم، الأسير الفلسطيني محمود عيسى في زنزانته “لا حيًّا ولا ميتًا” -كما يصف- يحتارُ في أسئلته عمّا إذا كان سيخرج من “مقابر الأحياء” التي دفن فيها ربيع عمره ولا زال، أم سيصبحُ رقمًا يُضاف إلى عدد الذين استشهدوا داخل أسر الاحتلال؟.
في الثالث من حزيران (يونيو) لعام 1993، عاد محمود وأشقاؤه إلى منزلهم في بلدة عناتا الواقعة شمال شرق مدينة القدس المحتلة، وقد أنهكتهم أعمال الحصاد في “البيدر”، وما كانت إلا دقائق قليلة حتى أقدمت القوات الصهيونية المدجّجة بالسلاح على تطويق المنزل من كلّ جانب، قبل تكبيل الأشقّاء الأربعة وتعصيب أعينهم، وتفتيش كل شبر في منزلهم فوق الأرض وتحتها.
كان صوت “أم محمد” عيسى يعلو وهي تردّد “دفعنا الأرنونا” (ضريبة صهيونية على السكن)؛ فقد اعتقدت أنهم جاؤوا من أجلها، لكنّها ما كانت تعلم أنهم جاؤوا من أجل نجلها الأسير الصحفي الذي كان في عامه الـ 25 من العمر آنذاك، أمّا اليوم وقد أكل السجن سني عمره فبات في نهاية عقده الرابع.
اعتقل الصحفي محمود عيسى في ذلك اليوم وكان يشغل حينها إدارة مكتب جريدة “صوت الحق والحرية” في القدس، وتعرّض للضرب والتعذيب والشّبح أثناء فترة التحقيقات معه والتي دامت شهورًا طويلة قبل الحكم عليه بالسجن ثلاثة مؤبدات و40 عامًا إضافية.
اُتّهم الأسير عيسى قبل الحكم عليه، بقيادة خلية عسكرية تابعة لـ “كتائب الشهيد عز الدين القسام” (الجناح العسكري لحركة حماس)، نفذت عددًا من العمليات الفدائية، كان أبرزها أسر الرقيب أوّل في جيش الاحتلال نسيم توليدانو من مدينة اللد في عام 1992، والمطالبة بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين في حينه، مقابل الإفراج عنه، لكنّ الاحتلال لم يستجب، فقُتِل توليدانو.
وفي عام 2002 تم التحقيق مجدّدًا مع الأسير محمود عيسى، واتّهم بتنظيم وقيادة خلايا خارج السجون، ليتم إضافة ست سنوات لحكمه السابق.
وكان اعتقال محمود ضمن حملة صهيونية استهدفت نشطاء وأنصار حركة “حماس”، أُبعد على إثرها 415 من قادتها إلى “مرج الزهور” في الجنوب اللبناني، واعتقل الآلاف من عناصرها في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة.
عزلٌ وقرآن وحكايات مع الله
عزل محمود لم يكن أيامًا ولا شهورًا بل كان سنوات طويلة، سرقت من شبابه الكثير، كان يُسمّي زنازين العزل “مقابر الأحياء” لقساوتها، لكن ما يُسرّي عن الأسير هو التقرّب إلى الله، واللجوء إليه، فخرج محمود منه حافظًا القرآن الكريم كاملاً.
تحدّثت انتصار شقيقة الأسير لـ “قدس برس”، وقالت: “أراد الاحتلال منه أن يخرج مجنونًا، منطويًا على نفسه، منعزلاً تمامًا، خاصة بعد قضائه أكثر من 12 عامًا في العزل الانفرادي، لكنّه خرج حافظًا لقرآنه، متقرّبًا إلى ربّه، ألّف عدة كتب خلال تلك المدّة، من بينها رواية (حكاية صابر) التي نُشرت لأول مرّة عام 2012، ومن يقرأها يعرف بأنها قصة محمود”.
وتضيف: “لم يزدْه العزل إلّا قوة وثباتًا وإصرارًا على الحياة، كان يُسمح له بإدخال المذياع فقط، فكنّا نبعث له رسائلنا عبر تلك الإذاعات، مع أننا لا نعلم إن كانت تبثُّ أصلاً في أماكن السجون التي يقبع فيها، كما كان يُسمح للصليب الأحمر الدولي بزيارته لكن ليس باستمرار، ومن خلالهم نتبادل الرسائل على الأوراق الخاصة بالصليب، وهكذا إلى أن قامت الحركة الأسيرة في السجون بالإضراب المفتوح عن الطعام للضغط على مصلحة السجون وإخراج الأسرى المعزولين”.
شيبٌ ولحيةٌ بيضاء
تستيقظ قبل صلاة الفجر، تلقي تحية الصباح على صورته التي وضعتها بجانب فراشها، تقبّلها وتصلّي قبل أن ترفع يديها إلى السماء بالدعاء له.
والدته “أم محمد” وبعد تلك الفترة التي تم عزلُه فيها، ومُنع من زيارة أيٍّ من أقاربه، قابلته عام 2013 وقد غزا الشيب رأسه وأصبح رجلاً كبيرًا في السن، وما هي إلّا أشهر قليلة حتى ساء وضعها الصحي ولم تعد تستطيع زيارته.
اليوم يتناوب الإخوة على الزيارة، في محاولة للتخفيف عنه قساوة السجن والبعد، آملين أن فرجًا قريبًا بانتظار محمود الذي تصنّفه سلطة الاحتلال كأحد أخطر عشرة أسرى في سجونها.
ترفض السلطات الإسرائيلية الإفراج عن محمود في إطار أي صفقة تبادل، وسبق وأن انصاعت لشروط المقاومة الفلسطينية بتحرير جميع أفراد الوحدة الخاصة القسّامية التي يُتّهم الأسير محمود عيسى بتأسيسها عام 1992، وهم: موسى عكاري، وماجد قطيش، ومحمود عطون، وذلك في إطار صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، وأبعدتهم إلى تركيا، وبقي عميد أسرى “حماس” والمعزولين في السجون الصهيونية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

القسام يوقع قوة صهيونية من 10 جنود بين قتيل وجريح في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري، لحركة حماس، تنفيذ كمين لقوة صهيونية راجلة من 10 جنود وإيقاعها بين قتيل وجريح في...

38 شهيدًا و145 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، وصول 38 شهيدا، منهم 4 شهداء انتشال، و145 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال 24 ساعة...

مخطط إسرائيلي لإقامة أحياء استيطانية في قلقيلية وبيت لحم
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عن مخطط تعمل عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل بناء مجموعة من الأحياء...

تقرير إسرائيلي: 3 آلاف قنبلة لم تنفجر في غزة إعادة تدويرها يثير المخاوف
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفاد تقرير إسرائيلي بأن نحو 3 آلاف من القنابل التي أسقطها جيش الاحتلال على قطاع غزة خلال حرب الإبادة المتواصلة، لم...

استشهاد المعتقل إسماعيل الأسطل في سجون الاحتلال
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مصادر حقوقية استشهاد المواطن محمد إسماعيل الأسطل نتيجة التعذيب الوحشي في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وأفادت مصادر...

محمد طوباسي .. مدني فلسطيني اغتاله الاحتلال لأنه رفض التخابر معه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن وثق شهادات مقلقة تفيد بقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي شابًّا مدنيًّا في قطاع...

الاتحاد الأوروبي تطالب الاحتلال بعدم تسييس المساعدات الإنسانية بغزة
بروكسيل - المركز الفلسطيني للإعلام قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. وفي...