عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

كيف نحمي صلح مكة المكرمة؟

خليل الصمادي
لاشك أن الاتفاق الذي وقع في مكة المكرمة من أعظم إنجازات الشعب الفلسطيني لهذا العام فبعد أن كادت النار تأكل الأخضر واليابس ظهرت نداءات الخيرين من العقلاء من الأطراف كافة وتم الصلح والصلح خير.
 
ولا شك أن جميع الغيورين من أبناء فلسطين وغيرها يترقبون عودة الفرقاء الأشقاء إلى أرض الوطن لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ورفع المعاناة عن الشعب المحاصر بعين من الترقب والحذر.
 
 ويبدو أن المهمة صعبة قد يتخللها الكثير من العوائق والمطبات لا سيما أن كثيرا من القوى الغربية لم يرق لها هذا الاتفاق ناهيك عن إسرائيل الذي صرح رئيس وزرائها قبل الاتفاق أنه غير راض عما سيتوصل إليه الفلسطينيون!!
وفي رأيي إذا كان المخلصون ينشدون حلا دائما فما لهم إلا طريقان الأول التحرر الاقتصادي والثاني ضبط عناصر الأمن، وما عدا ذلك فحلول مؤقتة عمرها قصير.
 
 أولا :التحرر الاقتصادي
 
صحيح أننا نعيش في منظومة عالمية يفرض فيها القوي شروطه على الضعيف ، ولكن ليست هذه سياسة عامة إلا عند الذين يستمرؤون الضعف ويجدون فيه هروبا من التحدي والمقاومة،  ولو كان الأمر كما يريد الأقوياء لما تحرر جنوب لبنان وفيتنام ولما وصل مانديلا إلى سدة الحكم ولما خرج المستعمرون من البلاد التي احتلوها في القرن الماضي والذي قبله.
تستطيع الرباعية أو غيرها أن تقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وهذا حقهم ، فالذي يدفع المال يحق له أن يفرض شروطه والذي يأخذ المال عليه أن ينفذ شروط المانح ، ولكن ما الحل في الخروج من هذه الأزمة ؟
وليس لنا إلا طريقان للخروج من الشروط التي لا يؤمن بها اللاعب الأساسي في الصلح:
أولا: أن نؤمن البديل العربي والإسلامي، وهذا الطريق صعب ومؤقت ويقع تحت تأثيرات عالمية وضغوط دولية ولا سيما إن كانت المساعدات من الدول، ولكن ربما نحتال بجميع الطرق في إدخال المال العربي والإسلامي وتنميته في فلسطين بمشاريع استثمارية ذات خطط اقتصادية قصيرة الأجل أو طويلة، وإذا كانت هناك عزيمة وإصرار فلا بد من تخطي عقبات إدخال المال لا سيما أننا نعيش ضمن منظومة العولمة والأنترنت وتحويل الحسابات خلال ثوان.
 
 ثانيا: وهو الطريق الأصح والأفضل فهو إيجاد البديل الوطني عن المساعدات الخارجية قد يقول قائل كيف نؤمن البديل، طبعا يجيب عن هذا السؤال المختصون الاقتصاديون ولكن أستطيع أن أبدي وجهة نظر علها تكون صحية وهي: تحويل المجتمع الفلسطيني من مستهلك إلى منتج ، فلا شك أن على الحكومة الفلسطينية أعباء كبيرة لقطاع كبير من الموظفين، وهؤلاء الموظفون أكثرهم في الأجهزة الأمنية التي ترهق ميزانية الحكومة، وهذه الأجهزة أرى أن تتحول ضمن مشروع وطني إلى قطاع منتج  وطني فعال.
لمَ لا يتحول الكثير من أعضاء الأجهزة إلى عمال في المصانع وشركاء في المتاجر والشركات التجارية وإلى مساهمين في القطاعات الإنتاجية، وفي الوقت نفسه يخضعون لدورات وطنية وتدريبية ؟
 لماذا لا تُضع الخطط  الاقتصادية البناءة من أجل النهوض بهم وبالوطن؟
 لمَ لا يستدرج المال الفلسطيني في الخارج من أجل بناء الوطن وإيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل.
أسئلة كثيرة مشروعة بحاجة إلى إجابات واضحة من قبل مسؤولي السلطة والرئاسة.
بيد أن هناك مشاريع كثيرة يستطيعون تنفيذها إذا توفر الصدق والإخلاص وأهم هذه المشاريع مشروع جمعيات الاكتفاء الذاتي، والهدف منها الاعتماد على الذات ، للإفلات من حملات الضغط من قبل سلطات الاحتلال والمجتمع الدولي وقد مارس العرب في الخط الأخضر بقيادة الشيخ رائد صلاح هذه التجربة قبل عشر سنوات فأتت أكلها وحول العرب هناك إلى مجتمع عصامي بامتياز،
وتضمن مشروعهم إنشاء “هيئة الإغاثة العليا” والتي تولت الإشراف على الشئون الصحية والاجتماعية والاقتصادية والمرافق العامة وغيرها.
وكانت مصادر تمويل هذا المشروع ذاتية، عن طريق إحياء الوقف الإسلامي، وإحياء باب الوصية بالثلث في الميراث، ودفع الزكاة، وجمع الصدقات والتبرعات كما اتجهوا لإقامة المجتمعات التعاونية (كيبوتس إسلامي) التي تتميز بتجارتها الخاصة وأمنها المستقل.
وقد نما مشروعهم الذي سموه ” المجتمع العصامي” واتسع حتى أصبح يضم إحدى وعشرين هيئة وجمعية  تضم أكثر مناشط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، قامت بإعمار المساجد، وصيانة المقدسات وحراستها، ومساعدة المعتقلين، وكفالة الأيتام، والأسر المحتاجة، ودعم طلاب العلم، وافتتاح المكتبات للعامة ،ودعم التلميذ الفقير بالقرطاسية والكتب وغيرها.

وكان لهذا المشروع انعكاساته الإيجابية الكبرى على حياة الفلسطينيين، فقد كسر حصار التجويع والتضييق عليهم، كما عطل مخطط فرض البؤس والشقاء من  قبل الاحتلال، وحري بسلطتنا الفلسطينية أن تخطط لمثل تلك المجتمعات التي لا بد أن تكون حرة بعد نجاح مثال هذه المشاريع بإذن الله ،عندئذ لا يستطيع القوي أن يفرض شروطه علينا بل ربما نحن نفرض شروطا أفضل مما نطرحها اليوم.

ثانيا: الانضباط الأمني
وهذا الانضباط متعلق بالاقتراح الأول فكلاهما متلازمان ومتكاملان، ولا سيما في قضية الإنتاج والاستهلاك كما مرَّ سابقا، فلا شك أن القطاع الأمني الكبير يشكل عامل ضغط سلبي على الاقتصاد والأمن، ومراقب اليوم كما الأمس يرى أن أغلب عناصر الأجهزة الأمنية  ما هي إلا عوامل فلتان أمني وضررعلى المجتمع ، وما المناوشات الأخيرة في غزة والقطاع إلا بسبب هؤلاء العاطلين عن العمل .
 
ليس أمام أي سلطة وطنية أو أي دولة في العالم  تريد القضاء على عوامل الفتنة والفلتان الأمني سوى طريق واحد هو توحيد الأجهزة الأمنية تحت وزارة الداخلية لضبط الأمن وملاحقة المجرمين واللصوص، أما من لا يعجبه هذا الكلام ويريد المزاودة بجميع ألفاظ القاموس السياسي النضالي الحالي والقديم فأقول له : لا حل إطلاقا إلا بالضبط الأمني وكل الدول التي لا تستطيع السيطرة على أفرادها أو مليشياتها في غاية التردي والضعف، وليست هذه دعوة للخنوع والانهزامية بل دعوة للبناء والجهاد الحقيقي، فإنه يحق لكل مواطن الدفاع عن وطنه إذا تعرض لعدوان خارجي ولا يحق له إثارة البلبة، والفوضى والفتنة، وحرق الجامعات والمكتبات، فالذي يحب وطنه يستطيع أن يعمل أي عمل حر أو يعمل في الوظائف التي يوفرها القطاع العام أو الخاص وفي الوقت نفسه يضع نصب عينه بلده فما ضرَّنا لو اتبعنا خطط الدول القوية أو دولة العدو التي تجاورنا ، نلزم جميع الشبان بأداء الخدمة الإلزامية لمدة شهر في السنة وخلالها يتدرب ويأخذ رقما عسكريا ويستدعى في حالة النفير العام أو عند تعرض البلاد للخطر.
 
أما اختيار العناصر الوطنية في الأجهزة الأمنية فيجب أن يكونوا من تتوافر فيهم شروط القوة والوطنية والنزاهة والثقافة والحيادية، ولا بد من تسريح عناصر الأمن الذين لاحاجة لهم وإيجاد فرص عمل شريفة لهم عن طريق إعطائهم تعويضات تقارب  رواتب السنتين لوضعها في مشروع تجاري صغير يكفيه ذل السؤال، وتشجيع إنتاجه وفرض ضرائب صغيرة عليه لاستثمارها في الصندوق نفسه لمساعدة غيره، ولنا في تجربة البنغلادشي محمد يونس والسعودي عبد اللطيف جميل ما يغنينا عن التردد، ويمكن للقائمين على هذا البرنامج  تطويره وإدخال المساعدات له حتى يصبح ركيزة في الاقتصاد الوطني ، كما يجب على أي حكومة تشجيع الإنتاج والتصدير، وحث فلسطينيي الشتات ومحبيهم شراء الصادرات الفلسطينية ضمن حملة إعلامية كبيرة يتبناها علماء الأمة ومؤسساتهم الدينية، ولنا في مقاطعة البضائع الأمريكية والدنمركية قبل مدة تجربة غنية في تكاتف الشعوب مع حملات المخلصين من قادتهم، ولإنجاح المشروع وتطويره لا بد من جلب المال الفلسطيني والإسلامي ضمن آليات معروفة، وضمانات صادقة، حتى يتمكن المجتمع الفلسطيني من الاستقرار والاعتماد على نفسه كليا، عندها نستطيع قول: “لا ” بملء فينا في مجتمع بعيد عن الفلتان الأمني، الذي قد لا يعجب عناصره ما قلته.
 
* خليل الصمادي – عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات