الثلاثاء 13/مايو/2025

شهادة وفاة لخطة كيري

د. أيمن أبو ناهية
أخيرًا وضع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه النقاط على الحروف، بإعلانه أن “اتفاق الإطار” الذي يروج له وزير الخارجية الأميركي جون كيري ينص على إقامة دولة فلسطينية صورية بلا معابر أو حدود أو أجواء أو عاصمة، مع بقاء الكتل الاستيطانية غير المحددة، والاعتراف بيهودية (إسرائيل)، واعترافه أن “العملية السياسية تصطدم بحائط مسدود”.

إن كيري يطرح فكرة تبادل السكان، الذي سيكنس ويسلخ أكثر من مئتين وخمسين ألف فلسطيني من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م إلى أراضي السلطة الفلسطينية، أي إخراج سكان فلسطينيين من تلك الأراضي، واستبدال بهم نحو 100 ألف مستوطن من أصل 700 ألف يقيمون في الضفة الغربية المحتلة، مع بقاء التكتلات الاستيطانية الرئيسة التي تسيطر عمليًّا على أكثر من نصف مساحة الضفة، الأمر الذي يجعل الدولة الفلسطينية المزعومة عبارة عن “حارات” في قرية أو “ضواحٍ” في مدينة، وبذلك ما يتبقى للفلسطينيين لا يتجاوز ما مساحته 40% من الضفة؛ ليبيح الاحتلال لنفسه حق معاملة المكنوسين من سكان القدس وبقية الضفة الغربية وفق قوانينه الاحتلالية، وفي مقدمتها تقييد حرية حركتهم، بعكس ما هم عليه الآن من امتلاكهم حرية الحركة، ما يتيح لهم تسيير قوافل حجيج إلى الأقصى ليرابطوا فيه ويدعموا اقتصاد المقدسيين، وذلك كي تبقى هذه المستوطنات شوكة في حلق الكيان الفلسطيني فيما لو أقيم، وقواعد إستراتيجية مساندة لنقاط المراقبة الأمنية، وربطها معًا لتكون فواصل جغرافية وديموغرافية تشتت الأرض الفلسطينية، وتهدد أمنها، وتكون خط الهجوم الأول على الفلسطينيين في حال حدوث أي تغيير محتمل، خاصة أن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة هو حديث الساعة.

وليكون هذا التبادل في حال الموافقة عليه باكورة مشروع تهجيري لبقية فلسطينيي الداخل المحتل، وبطرق شتى؛ توطئة لتحقيق الحلم الصهيوني بـ”يهودية الدولة”؛ بهدف خلق مساحات جديدة لاستيعاب يهود جدد ينوي الاحتلال جلبهم من دول شتى في العالم، ولعل فرنسا أولى هذه الدول؛ لتبديد التطور الديموغرافي الفلسطيني الذي يفوق التطور الديموغرافي اليهودي، ما يعني زيادة عدد اليهود في فلسطين؛ لموازاة التطور الديموغرافي الفلسطيني.

أعتقد أن خطة كيري ليست من صلب “خريطة الطريق”، ولا تمت بأي صلة قرابة إلى (كامب ديفيد) الأولى ولا الثانية، بل هي خطة أمنية مكتملة الأركان للاحتلال، وأعتقد أنها جاءت مكملة لاتفاقية (أوسلو) من عام 1993م في عملية خنق الاحتلال الأراضي الفلسطينية من الجهات الثلاث (الشمال والجنوب والغرب)، وبقيت الجهة الشرقية الرابعة، ألا وهي الحدود الأردنية – الفلسطينية التي تسمى الأغوار، وإبقاء حرية الحركة والتنقل عبر المنفذ الوحيد إلى الأردن بيد الاحتلال ونيرانه، تمامًا كما هو الحال في قطاع غزة المربوط فقط بمعبر رفح مع الجانب المصري، وحرمان السلطة أي حق سياسي واقتصادي وقانوني على المعابر، وبذلك يكون الاحتلال قد ضمن عدم تدفق الفلسطينيين المحتمل من الشتات إلى أراضي فلسطين، خاصة بعض العائلات الفلسطينية الهاربة من جحيم الحرب في سوريا.

إن الذي يحكم جولة كيري للمفاوضات والتسوية هو ما يسمى “القانون الحديدي” المتفق عليه إسرائيليًّا وأميركيًّا، ألا وهو الاستمرار بالمفاوضات إلى ما لا نهاية، وممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية أوروبيًّا وأميركيًّا وعربيًّا، بالتلويح بإيقاف الدعم المادي لها لتبقى وتستمر بالمفاوضات، واستغلال الظروف الصعبة وحالة فوضى في الدول العربية وحالة الانقسام الفلسطيني، في محاولة لانتزاع تنازلات إضافية من الفلسطينيين.

فنحن سعداء حين رفض الشعب الفلسطيني هذه الخطة الخطيرة على قضيتنا وشعبنا، وكان يجب على عبد ربه أن يكون أكثر جراءة بإصداره شهادة وفاة لخطة كيري بأن يقول: إن منظمة التحرير عاجزة عن القيام بأي خطوة دون إجماع فلسطيني كامل، بدلاً من أن تضع كل بيضها في سلة فصيل معين يسيطر عليها وعلى السلطة، وبيده سر المفاوضات، ويحتفظ لنفسه دون غيره توقيع الاتفاقات السرية والعلنية مع الاحتلال منذ 20 عامًا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات