السبت 02/نوفمبر/2024

الهجرة المضادة من إسرائيل على وقع الانتفاضة

الهجرة المضادة من إسرائيل على وقع الانتفاضة

بينما حرب الاعصاب ونتائج الاستطلاعات تستعر في “إسرائيل”، بين الليكود وحزب العمل، في افتتاح موسم الانتخابات، وبينما أنباء الفساد والرشاوى تثير الاشمئزاز، وبينما يشتد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ويقوى، في مواجهات يومية ساخنة وعنيفة، قررت نسبة عالية من المستوطنين الإسرائيليين مغادرة “إسرائيل” نهائياً، بعد أن أيقنت أن هذه البلاد لا تصلح للعيش والاستثمار والاستقرار، وأن في وجودها مغامرة، لأن ثمة خطأ ما، ووضع غير منطقي، وهذا ما كشفته مؤخراً صحيفة «معاريف»، بأن عشرات الآلاف من اليهود، الذين هاجروا إلى “إسرائيل” منذ العام 1989، تركوا الدولة العبرية بلا أسف.

فالمعطيات تشير لأول مرة في هذا السياق، إلى أنه في العام 2000 هاجر واحد بين كل اثنين وصلا “إسرائيل”، وردد المهاجرون – حسب مصادر رسمية – أن قدومهم إلى “إسرائيل” لم يكن مجدياً، فمنذ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر العام 2000، ارتفع عدد اليهود الذين فروا من “إسرائيل”، ففي العام 2001، وصل إلى “إسرائيل” 44633 مهاجراً، لكن سرعان ما غادرها 17679 شخصاً، أي أنه مقابل كل عشرة أشخاص وصلوا إلى “إسرائيل”، هناك أربعة غادروها.

 وفي العام 2000، وصل إلى تل أبيب 61542 مهاجراً، وتركها 13056 شخصاً، أما مؤشرات العام 2002، فأكدت أن نسبة الهجرة المضادة من “إسرائيل” ارتفعت إلى خمسين في المائة من مجموعة المهاجرين إلى “إسرائيل”.

وهكذا استطاعت الانتفاضة مرة أخرى أن تحقق انجازاً جديداً، ليضاف إلى انجازاتها الكبيرة في هز الكيان الصهيوني. لقد بعثت هذه الانتفاضة برسائل واضحة وقوية ومكثفة إلى كل من يعنيهم الأمر مفادها أن هذه الأرض التي غرر اليهود بالهجرة إليها، ليست أرض لبن وعسل كما توهموا وضللوا، وإنما هي أرض دم لأن هذه الهجرة قامت على أنقاض شعب وتاريخ وجماجم.

والانتفاضة منذ انطلاقتها حققت انتصارات، دفعت الإدارة الأميركية و”إسرائيل” إلى البحث عن سبل للخروج من هذه الأزمة عبر شتى الوسائل وعندما فشلت الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية فإنها تحاول الالتفاف بنزع سلاح المقاومة، عبر مفاوضات أوطروحات هنا وهناك، غير أن أبناء وقادة الانتفاضة، باتوا يعرفون جيداً أن هذه المناورات، تكشف لهم مدى قدرتهم على التأثير، وبالتالي لن يكون هناك تراجع، أو أي خطوة إلى الوراء، والعكس تماماً هو ما سوف يحدث، حيث ستتصاعد الانتفاضة أكثر فأكثر، لتدمر البنى الإسرائيلية الأمنية والسياسة والمعنوية والنفسية والاقتصادية، فهذه الانتفاضة تمكنت حتى الآن من تسجيل النقاط التالية:

– ضرب السياحة الخارجية والداخلية، وهذا القطاع كان من أكبر الركائز التي تعتمد عليها “إسرائيل” في وضعها الاقتصادي والدعائي.

– شل الحركة العمرانية، وتقليص الخدمات في هذا المجال إلى حد مثير.

– إنزال خسائر بشرية فادحة في صفوف المستوطنين، تصل إلى نسبة تقترب من الخسائر الفلسطينية.

– ضرب حركة النقل والمواصلات.

– ترحيل عدد من المستوطنين وشعور من تبقى بخيبة أمل في البقاء والرغبة في الرحيل.

– إرهاق الجيش الإسرائيلي ودفع الاحتياطي إلى اليأس.

– إحداث أزمة اقتصادية خانقة استدعت الاستنجاد بالولايات المتحدة وغيرها لوقف الانهيار.

– الحاق الأذى بسمعة “إسرائيل” في الخارج، نتيجة مشاهد العنف والجريمة الإسرائيلية. ورفض الانصياع لقرارات الأمم المتحدة.

– إثارة مشاعر لجان حقوق الإنسان في العالم، وتأييدها للشعب الفلسطيني من جراء ما يحدث من مآس على يد الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه ومن جراء ما يجري داخل المعتقلات والسجون الصهيونية من أعمال تتنافى مع أبسط قواعد حقوق الإنسان.

وقائمة تأثيرات الانتفاضة على المجتمع الصهيوني، طويلة جداَ وأكثرها ظهور للعيان، الخلافات الحادة الناشبة حالياً بين الأحزاب والقوى السياسية والدينية على اختلاف اتجاهاتها، فقد نجحت هذه الانتفاضة في تعميق الشرخ السياسي، فالحكومة الحالية أغلقت الأفق أمام الحل السياسي. ومضت بكل غطرسة ووحشية على ارتكاب أبشع الجرائم، باعتبارها وسيلة الضغط التي ستفرض الشروط على القيادة والشعب الفلسطيني. وهذا ما رأته أطراف سياسية أخرى في “إسرائيل” هراء ومضيعة للوقت، وإغراقاً لـ”إسرائيل” في المزيد من المتاهات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولذا فهي تدعو إلى إعادة النظر بسياسة القبضة الحديدية، والاستماع إلى العالم المحتج، علّ ذلك يؤدي للعودة مجدداً إلى طاولة المفاوضات.

وإذا لم تتجاوب أي حكومة إسرائيلية مقبلة مع هذه المتغيرات والتأثيرات فإن الانتفاضة باتت أكثر صلابة وقوة، وقادرة على مواصلة كفاحها حتى تقيم توازن رعب يؤدي إلى استعادة الحقوق، تماماً كما سبق للمقاومة في لبنان أن قامت بنفس الخطوة، عندما فرضت بعملياتها وتضحيات أبنائها توازناً للرعب أدى إلى اقتلاع الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات