نتائج مؤتمر باريس بين الخداع والوهم

لقد باءت كل محاولات إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل” بالفشل، حيث توقفت هذه المفاوضات على إثر استمرار دولة الاحتلال بتشييد الاستيطان في كافة أرجاء الضفة الغربية المحتلة و”القدس الشرقية “العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية.
لقد مرت “عملية السلام” بمراحل عديدة بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م، وكان مما ينبغي أن تبدأ مفاوضات الوضع النهائي عام 1999م، لتقوم دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيع اتفاق المبادىء، ثم مُددت عاماً لتبدأ مفاوضات كامب ديفد عام 2000م، والتي لم يتمخض عنها سوى معرفة السقف الفلسطيني والإسرائيلي الممكن في ذلك الوقت.
لقد وصلت القناعة لدى القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات آنذاك، بأن الدولة العِبرية والدول الراعية لعملية السلام وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد غررت بها وخدعتها واستدرجتها وأوقعت بها عندما تنازلت عن الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية وذلك باعترافها بقراري” 338 ،242 ” اللذين يتحدثان فقط عن عدوان عام 1967م والذي تم بموجبه احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، مقابل دولة فلسطينية منزوعة السلاح على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967م، ومن هنا كانت الأسباب الحقيقية لاندلاع انتفاضة الأقصى التي اتسمت بالعمل المسلح والعمليات التفجيرية.
ما الذي تغير بعد انطفاء جذوة انتفاضة الأقصى؟ لقد واصلت الحكومة الإسرائيلية عمليات المصادرة للأراضي الفلسطينية، وواصلت عمليات البناء الاستيطاني وخاصة في شرقي القدس المحتلة، ثم قامت ببناء جدار فاصل قضى على مساحات واسعة من الضفة الغربية وعزل مدينة القدس عنها، وأبقى خارج جدار مدينة القدس أكثر من مائة ألف مقدسي، وحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني فإن الأراضي التي فُقدت بسبب الجدار هي (1.61) مليون دونم؛ أي أكثر من عشرين بالمائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة.
إن الإجراءات الاحتلالية التي تقوم حكومات الاحتلال المتعاقبة بتثبيتها على الأرض، عدا عن الاعتداءات على مدينة القدس والمسجد الأقصى، والتي تتواصل ساعة بساعة، تشير دون أدنى شك أن الاحتلال ماضٍ في مخططات التهويد والسيطرة التي قضت على مفهوم حل الدولتين، وأنّ الواقع المحيط بالقضية الفلسطينية في هذه الأوقات يجعل الصراع يدور بين طرفين غير متكافئين، وأنّ الأسباب التي ستُفشل كل لقاءات التسوية السلمية متوفرة، وكل الحراكات الحاصلة هي لذر الرماد في العيون، ولبيع الوهم على الشعب الفلسطيني.
لقد جاء مؤتمر باريس للسلام الذي افتتح في 15/1/2017م في العاصمة الفرنسية، في وقت عانت فيه عملية السلام من إخفاق كبير في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، ومن انقطاع في مجرياتها، فكان هذا المؤتمر ردّا على الفتور والانشغال الدولي عن القضية الفلسطينية، ولكنّ نتائج هذا المؤتمر لا تقاس بالأحلام الوطنية الفلسطينية، فقد صرّح السيد محمد شتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في مقابلة لتلفزيون العربي في20/1/2017م، بأن المؤتمر عجز عن قضايا جوهرية؛ منها تحديد سقف زمني لانهاء الاحتلال، وتحديد مرجعية حيادية ملزمة لعملية السلام، وقال بأنّ اتساع المشاركة السياسية في المؤتمر جاءت على حساب البيان الختامي للمؤتمر، الذي ساوى بين دولة الاحتلال والفلسطينيين، عندما طالب طرفي النزاع بـ”برهنة تمسكهما بحل الدولتين، وذلك من خلال اعتماد سياسات وأفعال واضحة تدعم هذا الحل”، وطالب الطرفين بـ”نبذ العنف”.
يجمع عدد كبير من المراقبين على أنّ مؤتمر باريس فشل؛ لأنّ هذا المؤتمر لم يخرج بنتائج عملية ملزمة لردع الاحتلال، وهو لم يكن سوى تحريك للمياه الراكدة، وفي هذا السياق فقد صرّح الرئيس الفرنسي بالقول “أنا واقعي بشأن ما يمكن أن يحققه المؤتمر. لن يتحقق السلام إلا من خلال (الإسرائيليين) والفلسطينيين…لا أحد غيرهم. المفاوضات المباشرة فقط هي ما يمكن أن ينجح”. تصريحات الرئيس الفرنسي بالضبط هي موقف نتنياهو الذي يدعوالفلسطينيين لمفاوضات مباشرة دون شروط. ومما يؤكد ذلك أيضا محتوى المكالمة الهاتفية التي أجراها كيري مع نتنياهو قبيل إلقائه كلمته في المؤتمر والتي وعده فيها بأن لا يكون لمؤتمر باريس خطوات تكميلية في مجلس الأمن، وهذا لا يدل إلّا على الوهم والخداع الذي انطوى عليهما هذا المؤتمر.
وبالتالي فإنّ الفترة القادمة ستشهد مزيداً من الإهمال والتناسي للقضية الفلسطينية، وسيكون مؤتمر باريس في خبر كان، إذ لم تتغير الأجندات الدولية وزيادة عليها فإنّ القادم هو رئيس أمريكي منحاز بالكامل للاستيطان ودولته، والسؤال هو: ما هي الأجندة الفلسطينية العملية للمرحلة القريبة القادمة؟
ترى شريحة من الشعب الفلسطيني، أنّ من أهم العوامل التي تضعف الموقف الفلسطيني، هو القناعة بإمكانية التسوية السلمية على الرغم من هول الإجراءات الحاصلة على الأرض، ومن دون البحث عن برامج سياسية تعتمدها “القيادة الفلسطينية” ومعها الفصائل والشعب الفلسطيني كخيارات بعيدة عن خيار التفاوض لتحصيل الحق الفلسطيني، وهذا يتطلب التوافق الفلسطيني بحده الأدنى والقيام بجمع شمل الفلسطينيين على أساس الشراكة السياسية، وترك الجزئيات المسببة للانقسام فيما يتعلق بالإدارة وطريقة الحكم، وأن لا يتم العامل مع الأحداث بردّات الفعل، بل بالتخطيط والوحدة والإعداد.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

القسام يوقع قوة صهيونية من 10 جنود بين قتيل وجريح في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري، لحركة حماس، تنفيذ كمين لقوة صهيونية راجلة من 10 جنود وإيقاعها بين قتيل وجريح في...

38 شهيدًا و145 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، وصول 38 شهيدا، منهم 4 شهداء انتشال، و145 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال 24 ساعة...

مخطط إسرائيلي لإقامة أحياء استيطانية في قلقيلية وبيت لحم
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عن مخطط تعمل عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل بناء مجموعة من الأحياء...

تقرير إسرائيلي: 3 آلاف قنبلة لم تنفجر في غزة إعادة تدويرها يثير المخاوف
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفاد تقرير إسرائيلي بأن نحو 3 آلاف من القنابل التي أسقطها جيش الاحتلال على قطاع غزة خلال حرب الإبادة المتواصلة، لم...

استشهاد المعتقل إسماعيل الأسطل في سجون الاحتلال
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مصادر حقوقية استشهاد المواطن محمد إسماعيل الأسطل نتيجة التعذيب الوحشي في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وأفادت مصادر...

محمد طوباسي .. مدني فلسطيني اغتاله الاحتلال لأنه رفض التخابر معه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن وثق شهادات مقلقة تفيد بقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي شابًّا مدنيًّا في قطاع...

الاتحاد الأوروبي تطالب الاحتلال بعدم تسييس المساعدات الإنسانية بغزة
بروكسيل - المركز الفلسطيني للإعلام قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إن الوضع في غزة لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. وفي...