مخيمات اللاجئين.. اكتظاظ قاتل وحلول شبه معدومة (تقرير)

لم تنته معاناة اللاجئين الفلسطينيين عند تهجيرهم وطردهم من ديارهم على أيدي العصابات الصهيونية قبل 67 عاما، بل تكرّرت وتضاعفت معاناتهم مع مرور الزمن.
فالمخيمات الفلسطينية على اختلاف أماكن تواجدها بعد إقامتها إبان النكبة الفلسطينية، واجهتها الكثير من المشاكل والمعضلات التي جعلت من الحياة داخلها صعبة.
وتعدّ مشكلة الاكتظاظ والعشوائية من أبرز المشاكل التي تعانيها مخيمات اللجوء داخل الأراضي الفلسطينية وفي الدول المضيفة، فقد تضاعفت أعداد سكان المخيمات منذ تأسيسها إبان النكبة حتى اليوم، دون زيادة في المساحة التي خُصّصت لها، ممّا يجعل تلك المخيمات بؤر اكتظاظ سكانية.
ولقد وجدت الجهات المسؤولة نفسها عاجزة عن إيجاد حلول لهذه الإشكاليات بسبب الواقع الصعب، ونظراً للمعطيات الموضوعية على الأرض، كما لم تطرح المؤسسات الدولية المختصة بشؤون اللاجئين بدائل لتجاوز الصعوبات والمشاكل بحجج مختلفة.
وبذلك استمرت نكبة اللاجئ الذي اكتوى بنار التهجير مرة وبنار الغربة والواقع المعاش مرات كثيرة، فتتحوّل قضيته من قضية سياسية استولى خلالها غريب على الأرض والدار إلى قضية إنسانية تتمثّل بمعاناة المهجّرين عن ديارهم في سبيل الحصول على مسكن آمن ولقمة عيش كريمة.
يؤكد رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم بلاطة أحمد ذوقان، أن المخيمات الفلسطينية في مجملها تعاني من كثافة سكانية عالية.
واستشهد بواقع مخيم بلاطة الذي يشكل عدد سكانه هذه الأيام ثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال منذ نشأة المخيم إبان النكبة على نفس المساحة، مما انعكس تلقائياً وبشكل سلبي على الأوضاع المعيشية والمناحي المختلفة داخله، وفق قوله.
ولفت، في حديثه إلى “قدس برس”، إلى أن المخيم أقيم بعد النكبة على مساحة قدرها ربع كيلو متر مربع، وكان يبلغ عدد السكان في حينه 6 آلاف نسمة، فيما بلغ عددهم حاليا في آخر إحصائية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” نحو 27 ألف نسمة.
وأضاف المسؤول الفلسطيني، أن الكثافة السكانية العالية انعكست بشكل سلبي على كثير من الجوانب، فالبنية التحتية للمخيم ضعيفة وسيئة ولم تعد تحتمل كل هذه الأعداد من السكان، حيث بات التوسع العمودي ظاهراً على حساب التوسع الأفقي.
ووفق ذوقان فقد اقتصرت المشاريع المختلفة المدعومة من جهات محلية ودولية على إصلاح وترميم البيوت الموجودة دون إمكانية إقامة أي بنايات جديدة، وذلك لاقتصار المنطقة المستهدفة على المساحة المخصصة للمخيم والمسجلة لدى وكالة الغوث.
وقال ذوقان، إن البدائل والحلول لمعضلة الاكتظاظ السكاني تكاد تكون معدومة، وذلك للحالة المادية الصعبة التي يعاني منها سكان المخيمات، حيث يحول ذلك دون إمكانية البناء والخروج خارج المخيم، ولعدم تبني أو الاعتراف بالتجمعات السكانية الجديدة المتولدة من المخيمات من قبل “أونروا”، وبالتالي حرمانها من الخدمات المقدمة من هذه الوكالة.
وعزا الأسباب التي تؤدي لانعدام الحلول إلى ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات في المناطق المحيطة بالمخيمات، ولمحدودية القدرة المادية للاجئين، وحالة الفقر التي يعانون منها.
الباحث الاجتماعي والنفسي، رائد سناكرة، يرى أن ضيق مساحة المخيمات والاكتظاظ السكاني داخلها حال دون إقامة كثير من المشاريع التنموية والترفيهية والأماكن المفتوحة التي يمكن أن تكون ملاذاً لأبناء وأطفال المخيمات في ظل الوضع السيئ الذي يعيشونه، بسبب الواقع الموجود وبسبب الاحتلال وانتهاكاته.
ولفت سناكرة إلى أن واقع الحرمان ولّد لدى الأطفال في المخيمات عنفاً يمارسونه في حياتهم اليومية، وبات ذلك ظاهراً في المدارس، حيث تسجل هناك يومياً حالات، نتيجة حالات الكبت وعدم وجود أماكن لتفريغ الطاقات الموجودة لدى الأطفال، خاصة بين من هم ضمن الفئة العمرية (7 إلى 14 عاما)، حسب قوله.
كما شكّل اكتظاظ الغرف الصفية وقلة أعداد المدارس المقامة سبباً رئيسياً في هذا الأمر، بالإضافة للتراجع الواضح في التحصيل العلمي، وعدم قدرة المدرسين على إيصال المعلومة لكل الطلبة في ظل العدد الكبير للطلاب داخل غرفة الصف الواحدة، حسب رؤيته.
كما بيّن المختص سناكرة، أن الاكتظاظ وتلاصق منازل المخيمات كان لها كذلك أبعاد اجتماعية، فقد حرم المواطن من الخصوصية، وبناء على ذلك وقعت الكثير من المشاكل العائلية والاجتماعية.
وأشار في حديثه إلى “قدس برس” إلى ضيق طرقات المخيم الرئيسية التي لا تتناسب مع الكثافة السكانية، والمعبدة بشكل بدائي والمليئة بالحفر والتشققات، كما أنها ضيقة ومظلمة ليلاً، ويوجد في بعضها حفر وقنوات مكشوفة، وبالتالي فهي تحتاج إلى الكهرباء وإعادة تأهيل لتتناسب والوضع القائم والحاجة المرجوة منها، كما يقول سناكرة.
وفيما يتعلق بانعكاس واقع الكثافة السكانية على الوضع الصحي داخل المخيمات، قال الباحث الاجتماعي، إن هذا الوضع داخل المخيمات يعلمه القاصي والداني، فهناك قلة في المرافق الصحية كما المدارس، وهناك مئات الحالات المرضية المسجلة الثابتة والمصابة بأمراض دائمة التي تراجع العيادات، فالخدمات الصحية المقدمة لا تكفي حاجة المخيم.
وشدد على أن بيئة المخيم وطبيعة الوحدات السكنية كان لها أثر في ازدياد الحالات المرضية، حيث أصيب عدد كبير من سكان المخيمات بكثير من الأمراض المزمنة كالربو والضغط والسكري.
وطالب الناشط سناكرة الجهات المحلية والدولية بمضاعفة الجهود لتوفير عدد أكبر من المدارس والعيادات للتغلب على مشكلة تراجع التحصيل العلمي وسوء الوضع الصحي، وكذلك توفير أماكن مفتوحة ومنتزهات لتكون ملاذاً لأطفال المخيمات، وأخرى لتفريغ احتياجاتهم وطاقاتهم.
الشاب رضوان حسن (25 عاماً) من مخيم عسكر القديم شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، يرى أن مشاكل المخيمات هي مشاكل مقصودة وسياسة قديمة جديدة، خاصة من قبل الوكالات الدولية المختصة بشؤون اللاجئين، وذلك للضغط على الفلسطيني لنسيان أرضه، واشتغاله بتوفير احتياجاته اليومية.
وقال إن الواقع الموجود سيئ، وهناك تراجع دائم، لافتاً إلى أن كل لاجئ مقتدر مالياً اشترى أرضاً أو بنى بيتاً خارج مخيمه، ليهرب من هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه المخيمات.
وأكد الشاب الذي لم يكن شاهداً على أحداث النكبة وتعرّف عليها من أحاديث والديه وأجداده، أن كل المصاعب والمشاكل لن تكون عاملاً في نسيان الأرض التي هجر منها الفلسطينيون، وستكون السياسة المتبعة اتجاه اللاجئين سببا رئيسيا بالتمسك بحق العودة، الذي لن يسقط بالتقادم ومهما طال الزمن، وفق تعبيره.
ويشارك الشاب حسن في رأيه نسبة كبيرة من اللاجئين الذين باتوا يعيشون ظروفاً غاية في القسوة، لا يعينهم على احتمالها إلا أملهم في العودة إلى ديارهم وأراضيهم وبيوتهم التي هجروا منها قبل 67 عاماً.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ما تأثير طوفان الأقصى على المكانة الدولية لإسرائيل؟
المركز الفلسطيني للإعلام خلصت ورقة علميّة، أعدّها وليد عبد الحي وأصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تحت عنوان: "تأثير طوفان الأقصى على مؤشرات...

عائلات أسرى الاحتلال تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو
المركز الفلسطيني للإعلام طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، اليوم السبت، بإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، محذرة من تصعيد القتال في القطاع كونه...

حماس تدين العدوان الصهيوني على سوريا ولبنان
المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العدوانَ الصهيوني الغاشم والمتواصل على الأراضي السورية واللبنانية، في تحدٍّ سافرٍ لكلّ...

حماس: شعبنا وعائلاته الأصيلة يشكّلون السدّ المنيع في وجه الفوضى ومخططات الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام حيّت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وفي طليعتهم العائلات والعشائر الكريمة، التي...

وجهاء غزة للعالم: كفى صمتا وتحركوا عاجلا لنجدة غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أدان وجهاء قطاع غزة وعشائرها -اليوم السبت- استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الغذاء والتجويع "سلاحا" ضد أبناء القطاع،...

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام قتل جنديان صهيونيان وأصيب 4 آخرون - اليوم السبت- بكمين في رفح جنوب قطاع غزة. وأفاد موقع حدشوت لفني كولام، بمقتل...

القسام يبث تسجيلا لأسير إسرائيلي بعد نجاته من قصف قبل أسابيع
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، تسجيلا مصورا لأسير إسرائيلي قال فيه، إنه يحمل الرقم 24، وإنه...