معركة الفرقان في غزة

عاد الأمن والسلام في قطاع غزة بعد مرحلة مريرة من انتشار الفساد والفلتان الأمني المستمر في ظل السلطة البائدة، وأرخى الاستقرار بظلاله على الناس في ظل حكومة هنية التي أخذت في نشر العدل ومحاسبة العابثين بمقدرات الأمة، وهذا ما أغاظ دولة البغي في الكيان الصهيوني والمنافقين في مقاطعة رام الله، وخاصة بعد أن تلقوا الضربة القاصمة لظهرهم في حسم غزة، والتي أعلنوا قبلها الحرب الاستئصالية العلنية ضد أبناء الحركة الإسلامية وأنصارها، بالقتل، والاعتقال، والتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وكان ذلك بتحريض وتواطؤ من العرب(المجاورين لغزة) والقتال بجيش يهودي تماماً كما حدث في غزوة الأحزاب : حيث كان في هذه المرة تحريض وتواطؤ من اليهود (المجاورين للمدينة)، والجيوش العربية هي من قاتلت المسلمين.
وأخذوا جميعاً يعدون العدة لتهيئة ضربة تكون قاتلة لا حياة بعدها، فخرج عباس في زيارته المكوكية ليجوب أنحاء العالم والهدف من هذه الزيارة ليحذرهم من خطر حماس، لا بل: الهدف هو: دخول غزة ، وقال على الملأ وبدون خجل ولا حياء أن هذه فرصة تاريخية لا يمكن أن تعوض للقضاء على حماس.
فكان الحصار، ثم توج هذا الأمر بزيارة ليفني إلى مصر لتعلن من مركز النفاق والتآمر من دولة المعز، واتجهت هذه الأحزاب المحزبة نحو غزة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه، آلاف القذائف تلقى على غزة في لحظة واحدة، استخدم فيها العدو كافة أنواع وأشكال الأسلحة الفتاكة، وفي نفس الوقت انطلقت أبواق المنافقين من الداخل والخارج لتفتيت الصف الداخلي، وبث الرعب في نفوس الشعب المسلم المحتسب المصابر في غزة، ليؤثر ذلك على المقاومة والحكومة التي اختارت لا بل تخندقت في خندق المقاومة والشهادة.
وبفضل الله كان ما لم يخطر لهم على بال، لأن الغزيين اتخذوا من التقوى له زاداً، ورغم عدم التكافؤ في القوة العسكرية للطرفين: حيث قوة اليهود أضعاف مضاعفة لقوة القسام والمقاومة وحينها صدق فيهم قوله تعالى: [ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] وقوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ] وتحول ما بهم من قتل وتشريد ودمار إلى نصر وعزة…
* فمعركة غزة وضعت معالم المرحلة القادمة من النصر المؤزر الذي كانت بدايته تمريغ أنف المحتل والقضاء على غطرسته، وذلك بتوجيه المفاجأة الكبرى الأولى: بضرب العمق الداخلي لدولة الكيان المسخ بصواريخ جراد التي دكت حصون بئر السبع، واسدود، ويبنا اكبر المدن .. والمفاجأة الكبرى الثانية: كانت في حفر شبكة من الخنادق والأنفاق التي شكلت بحق مفاجأة كبرى للجيش الصهيوني تماماً كما كانت في غزوة الأحزاب مفاجأة كبرى لجيش الأحزاب.
* إنها معركة الفرقان التي وضعت حدا لغطرسة يهود بعد أن انتهت مرحلة الدفاع عن غزة بالكلاشنكوف وبعض الرصاصات، لتبدأ مرحلة الهجوم، ودك الحصون والموانئ، والمواقع العسكرية والمطارات وهذا ما أذهل الجميع.
* واستمر القتال لأول مرة في تاريخ فلسطين المعاصر ثلاثة وعشرين يوماً، وكذلك في غزوة الخندق التي استمر الحصار فيها للمسلمين بضعاً وعشرين ليلة، ولكن شتان شتان بين الحصارين.. فحصار المدينة المنورة حصار نفسي، صاحبه الخوف والرعب، هذا بالإضافة أن الحصار الخانق تزامن مع القتال وقد صوره الله في قوله:[ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ].
أما في معركة الفرقان: حصار غزة الخانق سبق القتال بشهور، ثم تلا ذلك: قصف جوي وبري وبحري عنيف ومن جميع الجهات جاءتهم طائرات الأباتشي والزنانة والإف 16 من فوقهم ، ومن تحتهم الدبابات والبوارج البحرية وهذا لم يحدث في الأحزاب.. ورغم ذلك لملمت غزة جراحاتها ودفنت موتاها بكل شموخ وكبرياء، وانتفضت كالأسد لتوجه الضربة إلى العمق الصهيوني، ووصلت بهم الثقة كل مبلغ، وصور الله حالهم بقوله[ وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ] الناس تخاف الاحتلال والمجاهدون يأملون في غنيمة وتجارة رابحة.. وهذا الأمل دفع كتائبنا المظفرة لأن تقول: قدرنا أن نتصدر الدفاع عن غزة والأمة، ونعاهد الله ثم نعاهد شعبنا أن نلقن العدو دروسا لن ينساها..
انطلق المجاهدون بهذه الروح واستطاعوا أن يأسروا العديد من الجنود الذين ظن البعض أنهم الجيش الذي لا يقهر، مما دفع العدو إلى ضربهم بالطائرات حتى لا تسجل نقطة وسابقة خطيرة على دولة الكيان.
* أما المنافقون وضعاف النفوس، فقد تزعزعت قلوبهم لرؤية هذا الجيش العرمرم وظنوا بالله الظنونا: [ وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا].
وحاول أزلام عباس في غزة أن يرصدوا تحركات وأماكن المجاهدين ليسلموها إلى أسيادهم ووصلت عبر التنسيق الأمني، وكذلك عملوا جاهدين على نشر الإشاعات والبلبلة بين الناس، وكانوا يوهمون الناس وأنفسهم بأنهم سيعودون إلى غزة ويتسلموا مقاليد الأمور ظناً منهم بأن الحرب ستنهي كل شيء .. العباسيين والدايتونيين ( أبى بن سلول) قالوا إن حماس جرَّت الشعب إلى حرب خاسرة …
ولكن قلبت الطاولة كل توقعاتهم رأساً على عقب، ونظم المجاهدون البلد وارسوا فيها قواعد الأمن.. في الشوارع والمؤسسات والبيوت.. وحقق الله على أيديهم النصر والتمكين، وخرج الجميع في الداخل والخارج عربياً وعالمياً ولأول مرة يهتفوا لغزة.. وللمقاومة..
* فمعركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر في أعداد الجنود، فالذين سقطوا من المسلمين 6 من الصحابة رضوان الله عليهم، بينما قتل من المشركين 10، أما في غزوة الفرقان فعلى العساكر فقد استشهد 48 شهيداً، و قتل من العدو 49 جنديا.
* واستطاعت المقاومة بإذن الله أن تمنع الزحف القادم للجيش الصهيوني من دخول المدينة، وكانت كل الاشتباكات على أطراف غزة، ولم يستطيعوا دخولها كما كانت في غزوة الأحزاب: المناوشات على أطراف المدينة ولم يستطيعوا دخولها.
*غزوة الأحزاب ميزت الصف، ولفظت الخبيث من المنافقين ، كذلك معركة الفرقان في غزة قد أزالت ورقت التوت التي كانت تستر عورة عباس وزمرته.
*معركة الفرقان قسمت الناس إلى محورين كما هي في الخندق، محور الاستسلام والخنوع والذلة متمثلاً في: عباس، ومبارك، وعبد الله ومن لف لفهم.. ومحور المقاومة والثبات والصمود والممانعة متمثلاُ في: حماس، وسوريا، وإيران، وقطر، وكل الأحرار في العالم.
وبهذا فإن معركة غزة حققت ما لم تحققه جيوش العرب على مدار تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية.
* وبهذا نخلص إلى أن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر، بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام.
* وانتهت الحرب في معركة الفرقان: نتيجة لصمود أهل غزة، وعدم تحقيق أي هدف من أهداف يهود:( منع إطلاق الصواريخ ـ القضاء على قيادة حماس ـ تحرير شاليط ) ودبت الخلافات بين اليهود كما ظهر في الإعلام، باراك وأولمرت وليفني ولحظ الجميع التأييد الرباني لأهل غزة حيث قال المولى[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا] .
وكما لم تستطيع قوات الأحزاب استئصال القوة الصغيرة في المدينة المنورة، بعدما جمعوا كل ما بوسعهم من غطفان وغيرها، لم يستطيع العدو الصهيوني في معركة الفرقان من القضاء على مقاومة غزة الصغيرة بحجمها وعدتها، برغم تجمع يهود ومنافقون ومن تحزب معهم.
وانتهت معركة الفرقان: بوقف إطلاق نار من جانب واحد وانسحاب جيش اليهود من غزة دون تحقيق أي هدف وكفى الله كتائب القسام من خوض الحرب البرية العنيفة داخل غزة ، وهذه بشارة للمسلمين لأنها تعيد الذاكرة إلى غزوة الأحزاب: التي انتهت كذلك بإنتهاء القتال من طرف واحد وانسحاب الأحزاب دون تحقيق أي هدف، قال تعالى [ وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ].
* والنتيجة الحقيقية للمعركتين:
غزوة الأحزاب : استئصال بني قريظة الذين كانوا سببَ التحريض والتواطؤ، وبعد الغزوة قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن قريش:( اليوم نغزوهم ولا يغزوننا ) وبعدها كان صلح الحديبية، ثم فتح خيبر، ثم فتح الفتوح فتح مكة وهكذا توالت بشريات النصر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....

الأمم المتحدة: عدد الوجبات اليومية المقدمة في غزة تراجع بنسبة 70%
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن عدد الوجبات اليومية المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة انخفض هذا...