يا لثارات باريس!
ورغم أن جنوداً (نظاميين) آخرين اشتركوا في القسم الثاني من المجزرة، أي الذي طال من تدافعوا لإسعاف الجرحى ونقل الشهداء أو التعبير عن غضبهم والتظاهر ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، إلا أن نَفَس الفجور الصهيوني في التصريحات الإعلامية لم يخفُت قيد أنملة، ولم يضطر لأية مجاملات اعتذارية. والأمر ذاته ينطبق على جميع جرائم قوى البطش الغربية داخل البلاد العربية والإسلامية، وعلى سبيل المثال؛ حتى عندما تسرّبت تلك الفضيحة القائلة إن اتهامات (أسلحة الدمار الشامل في العراق) كانت مجرد أكذوبة لتبرير حرب غزو العراق لم يصطبغ وجه أمريكا بالخجل ولم تغيّر من سياساتها في العالم، رغم أنه غزو نفّذه جيشها وليس مجموعات منشقة عنه ولا تمثّل إلا نفسها، والأمر ذاته ينطبق على مشاهد التعذيب الفظيعة في سجن أبو غريب، وغيرها من الشواهد التي لا تعدّ ولا تُحصى.
وفي الجانب العربي للإرهاب الذي يمثّله الطغاة وجيوشهم (النظامية) يمكن أن نقول الشيء ذاته، فعشرات الآلاف قُتلوا وما زالوا يُقتلون بدم بارد، فلا الطغاة يخجلون، ولا رموز القوى الكبرى تقول شيئاً من شأنه أن يقلّل مساحة المجازر والانتهاك.
في مقابل ذلك كلّه، كان التذلّل والانسحاق والنفاق السياسي سمة غالبة في التعاطي الرسمي العربي مع أحداث باريس، ومثله نفاق جانب كبير مما يُسمى بالنخب الفكرية والإعلامية والثقافية، حين اهتزّت مشاعرهم وفاضت إنسانيتهم حزناً وإنكاراً لأجل بضعة قتلى في عاصمة الأضواء، فبالغوا في الانشغال بالقضية وتناولها من جانب واحد يشنّع على (الإرهاب الإسلامي)، ويصمت عن كل شيء آخر في العالم، بل يجبُن عن الاستدراك ولو تلميحاً إلى ازدواجية فرنسا نفسها في موضوع حرية التعبير، وإلى حتمية أن هذا الاستفزاز الدائم لمشاعر المسلمين ودمائهم يمكن أن يُفضي إلى أعمال منفلتة من أي عِقال، ولا تقيم وزناً لحسابات الحكمة والتعقّل.
ليس هذا معناه أن كان مطلوباً أو منتظراً مباركة عربية وإسلامية للحدث، وتصنيفها في سياق الردّ المشروع على جرائم الغرب، وعلى حرية النيل من الإسلام ورموزه، ولكن كان يمكن إخراج ذلك الفيض من التسامح في مشهد محترم لا مبتذل، وقوي لا مرتعد، وشامل لا مُجتزأ، فقيمة التسامح مع الآخر لا تكون ذا وزن معتبر وأنت ضعيف و(مدعوس) على رقبتك من قبل ذلك (الآخر)، إنما تتجلى قيمتها وأنت قوي، تمارسه بوحي مبادئك وأخلاقك، لا بدافع ضعفك وهوانك وغايات استجلاب المصالح الزهيدة.
وفي ظلّ حالة الهوان الشاملة المرزوءة بها الأمة، وغياب الرموز التي تقدّم خطاباً قوياً خالياً من التطرف ومن الابتذال في الوقت ذاته، سيكون علينا أن نفهم لماذا يُحجم غالبية المكلومين في بلادنا عن إبداء التعاطف مع ضحايا الغرب حتى لو كان بعضهم بريئا، فازدواجية المعايير وهوان أصحاب الحقّ وجبنهم أمام منطق الصلف والعتوّ والاستكبار سيقود إلى مزيد من هذه الأحداث ومن تفهّم دوافعها، والاستهزاء بكرنفال الإدانات أحادية الجانب، ومشاهد الاصطفاف ضدّ الإرهاب من قَبل رعاته وعبيدهم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
البرغوثي يوضح تفاصيل ندوة إيطاليا ويؤكد: سنتصدى للتطبيع بكل أشكاله
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام تعهد الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، باستمرار التصدي للتطبيع بكل أشكاله...
مجزرة جديدة .. 16 شهيدًا بقصف الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين في النصيرات
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 16 مواطنا، وأصيب 75 آخرون، اليوم السبت، في مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مدرسة تؤوي نازحين في مخيم...
القسام يواصل التصدي لقوات الاحتلال بمحاور التوغل في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تنفيذ عدة عمليات واستهداف آليات الاحتلال وقواته في محاور التوغل في...
سرايا القدس تقصف سديروت وتوقع قوة للاحتلال بالشجاعية في كمين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، توجيه رشقة صاروخية لمستوطنة سديروت ،وإيقاع قوة صهيونية في...
الاحتلال يعتدي على عشرات المصلين ويمنع دخولهم الأقصى
القدس المحتلة- المركز الفلسطيني للإعلاماعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، على عشرات المصلين ومنعتهم من الدخول للمسجد الأقصى المبارك. واضطر...
السلطات الألمانية توقف ممدوح بدوي على خلفية إيصال تبرعات إلى غزة
برلين - المركز الفلسطيني للإعلام أوقفت السلطات الألمانية، رئيس هيئة الإغاثة العالمية في ألمانيا، ممدوح بدوي، فور وصوله إلى مطار ميونخ قادما من...
الشرطة: الاحتلال يستهدف ضباطنا وعناصرنا لينشر الفوضى في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت المديرية العامة للشرطة بقطاع غزة، إن الاحتلال الإسرائيلي يسعى لنشر الفوضى من خلال استهدافه المتكرر للضباط...