السبت 27/يوليو/2024

كاميرات المراقبة.. هل يكشف العميل التكنولوجي أبطال عملية جلعاد؟

كاميرات المراقبة.. هل يكشف العميل التكنولوجي أبطال عملية جلعاد؟

بعد أن فقدت أذرع الأمن الصهيونية الأمل بالوصول إلى منفذي عملية قتل الحاخام “رزئيل شيفح” مساء الثلاثاء، في الساعات الأولى بعد وقوع العملية، بدأت توجه جهودها للاستفادة من التكنولوجيا لتعقب أبطال العملية.

فمنذ الدقائق الأولى لعملية إطلاق النار التي نفذتها المقاومة الفلسطينية قرب البؤرة الاستيطانية “حفات جلعاد” المقامة على أراضي قرى غرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، دفع الجيش الصهيوني بأعداد كبيرة من قواته إلى الميدان سعيا للقبض على المنفذين.

عملية البحث عن منفذي العملية شارك بها جنود من وحدات عسكرية مختلفة، منها وحدة الكوماندوز، ومجلان، ووحدة المظليين، وبمتابعة من جهاز “الشاباك”.

وشنت هذه القوات، وفقا لما رصده مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، عمليات بحث وتمشيط واسعة جنوب وغرب مدينة نابلس، حيث اقتحمت بلدتي صرة وتل، القريبتين من مكان العملية، وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع، كما اقتحمت الأطراف الغربية والجنوبية لمدينة نابلس، وانتشرت على الطرق الرئيسية وعلى مداخل القرى.

لكن ساعات طويلة مرت لم يتمكن خلالها الاحتلال من معرفة الوجهة التي لجأ اليها المنفذون، وعزا نجاح المنفذين بالانسحاب بسلام، وفشله في تعقبهم، إلى توقيت العملية التي جاءت تحت ظلام الليل.

وإن تراجعت عمليات التمشيط والبحث الميدانية، فإن أذرع الاحتلال باتت تعول على عيونها وعملائها في المنطقة، ويتربع على رأسهم كاميرات المراقبة المنتشرة في المحلات ومحطات تعبئة الوقود، والتي باتت عميلا تكنولوجيا يتفوق في كثير من الأحيان على العميل البشري.

عميل خطير

ويعتقد مراقبون أن كاميرات المراقبة كانت العامل الرئيسي والحاسم في كشف غالبية عمليات المقاومة بالضفة، وبالتالي تحولت خلايا المقاومة إلى ما بات يعرف بـ”خلية العملية اليتيمة”، وهي الخلية التي ينتهي الأمر بأفرادها للاغتيال أو الاعتقال بعد أول عملية لها.

وهذا ما عبرت عنه بوضوح الدوائر الأمنية للاحتلال، والتي عبرت في اليوم التالي للعملية عن مخاوفها من إقدام المنفذين على تنفيذ عملية ثانية، قبل أن تتمكن أجهزة الاحتلال من الوصول إليهم.

مثل هذه الخلايا عُرفت في العقد الأخير، وكان من بينها خلية تابعة لكتائب شهداء الأقصى نفذت عملية إطلاق نار استهدفت حاخاما صهيونيا بين نابلس وطولكرم أواخر العام 2009، وبعد يومين اغتال الاحتلال أفرادها الثلاثة في منازلهم بمدينة نابلس.

ومنها أيضا الخلية القسامية التي نفذت عملية “ايتمار” مطلع أكتوبر 2015، والتي قتل فيها مستوطن وزوجته شرق نابلس، واعتقل الاحتلال جميع أفرادها بعد يومين فقط.

والعامل المشترك في الكشف عن هوية منفذي هاتين العمليتين وغيرهما كان كاميرات المراقبة، والتي وفرت معلومات هامة مكنت أجهزة الاحتلال من التوصل لطرف خيط قادها إلى المنفذين بشكل سريع.

وتبدو مهمة منفذي العمليات شائكة ومعقدة في محاولتهم لرسم خطوط سيرهم وانسحابهم من موقع العملية، إذ يتطلب منهم الأمر دراسة شاملة لموقع العملية وتحديد خط سير يتضمن طرقا فرعية، وربما ترابية وعرة، لتجنب تلك الكاميرات.

وبحسب باحثين، تحدثوا لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”، فإن الكاميرات باتت تتفوق على العميل البشري بما توفره من مزايا، فهي تعمل على مدار الساعة ودون انقطاع، وتوفر تفاصيل قد لا يستطيع الاحتفاظ بها العقل البشري كأرقام السيارات ولونها، والتوقيت الدقيق.

كما توفر أرشيفا يمتد لشهر واحد أو أكثر، ما يساعد في الربط بين تسجيلات عدة كاميرات، وتحليل المعلومات بشكل أدق.

وهي توفر كذلك دليلا محسوسا يساعد محققي “الشاباك” في الضغط نفسيا على أفراد المقاومة أو من يقدم لهم المساعدة، وإجبارهم على الاعتراف عند اعتقالهم.

وتستبعد هذه الكاميرات العامل الشخصي الذي قد يدفع العميل البشري إلى حجب بعض المعلومات حفاظا على مصالحه، أو دفعا للأذى عن شخص عزيز.

اتساع الدائرة

وفي عملية “حفات جلعاد” وبسبب انتشار كاميرات المراقبة في كل مكان، فإن الاحتلال يبذل جهده للحصول على تسجيل كل الكاميرات في المناطق الواقعة تحت دائرة المراقبة.

ويوما بعد يوم تتوسع دائرة البحث، فبعد اقتحام قرى “تل” و”صرة” وأجزاء من مدينة نابلس ومصادرة تسجيلات كاميرات المراقبة منها، عمل الاحتلال على توسيع دائرة البحث لتشمل قرى أخرى، مثل ياصيد وبيت امرين وعصيرة الشمالية والباذان.

وامتد البحث أبعد من ذلك إلى جبع جنوب جنين، وواد الفارعة بمحافظة طوباس، لتصل مساء الأحد إلى بلدة قباطية، حيث تحدثت الأنباء عن مصادرة أكثر من 50 جهاز تسجيل DVR فيها.

ويرى متابعون أن الاحتلال بات يتنقل من منطقة إلى أخرى باتجاه واحد، يمتد من منطقة وقوع العملية جنوب غرب نابلس، ويسير باتجاه الشمال.

ووفقا لهؤلاء المتابعين الذين تحدثوا لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، فإن هذا يشير إلى أن الاحتلال ربما تعقب السيارة التي استخدمها المنفذون عبر بعض الكاميرات، لكنه فقدها بعد أن خرجت من دائرة تصوير تلك الكاميرات.
خدمة مجانية للاحتلال

وينشر الاحتلال شبكة كاميرات تابعة له على المفارق والطرق الرئيسية التي يسلكها المستوطنون بالضفة، بالإضافة لمحطات الوقود ا”لإسرائيلية” والحواجز العسكرية.

لكن الكثير من الطرق داخل القرى والبلدات بالضفة لا تتوفر فيها مثل تلك الكاميرات، فيلجأ الاحتلال بعد كل عملية إلى الكاميرات الخاصة بالمواطنين، ويسعى لجمع أكبر عدد ممكن من تسجيلاتها، ليبدأ بعدها بتحليل محتوياتها في سبيل تتبّع وتعقب منفذي العمليات.

وتزايدت في السنوات العشر الأخيرة أعداد المحلات والمنشآت والمباني التي تستخدم هذه الكاميرات، خوفا على ممتلكاتهم، ولكشف أية عملية سرقة أو اعتداء قد تتعرض له منشآتهم، ومساعدة الشرطة في الوصول إلى الفاعلين.

وساهم انخفاض سعر منظومة تلك الكاميرات، وارتفاع جودة الصور التي تلتقطها، وسعة التخزين الكبيرة، في انتشارها بشكل كبير، بدون أن يكون هناك داع لها أحيانا.

لكن هذه الكاميرات، كما يرى متابعون تحدثوا لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، باتت سلاحا استراتيجيا فتاكا بيد الاحتلال، حتى أضحت معها خلايا المقاومة مكشوفة الظهر، ومكنت أذرع الاحتلال من الوصول إلى أغلب خلايا المقاومة في غضون أيام معدودة.

ويقول الإعلامي معاذ حامد، إن هذه الكاميرات توفر كمية كبيرة جدا من المعلومات المجانية التي تحصل عليها المخابرات “الإسرائيلية”، للحاق بمنفذي العمليات.

ويعتقد المتابعون أن كثيرا من كاميرات المراقبة المثبتة على المباني والمنشآت يمكن الاستغناء عنها، لأنها ترف زائد لا فائدة منه، وضرره أكبر من نفعه.

ويضيف حامد: “هناك رغبة جامحة لدى الكثيرين لتركيب كاميرات، خاصة وأن الموضوع سهل جدا وغير مكلف، لكن يجب أن يعلم كل من يرغب بذلك أن هذه الكاميرات قد تساهم في الإمساك بمنفذي العمليات يوما ما، ويمكن أن يستشهدوا بسببها”.

ويحذر حامد من ذلك، قائلا: “الكاميرات صارت سلاحا للاحتلال ضدنا.. وسنخسر الكثير بسببها، وإذا كنا نعدّ أنفسنا شعبا واعيا ومثقفا فيجب أن نطلق حملة لإزالة الكاميرات، أو على الأقل أن لا يتم توجيهها للشارع”.

وبسبب ما خلفته هذه الكاميرات من أضرار على المقاومة، عمد الكثير من المواطنين إلى تنبيه أصحاب المحلات وغيرهم ممن يقتنون هذه الكاميرات إلى ضرورة المسارعة لحذف تسجيلاتها قبل وقوعها بيد الاحتلال.

ولعل هذا ما تفطن إليه الاحتلال، إذ عمد إلى اعتقال صاحب محل في “تل”، وكذلك أصحاب محطة للوقود في عصيرة الشمالية، بعد أن بادروا إلى حذف تسجيلات الكاميرات لديهم. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات