مسيرات العودة: من حراك الشباب إلى حضن المقاومة.. سياق وخصائص

انكشف لنا جليا من خلال سياق تصاعد الإجهاز على مقومات الأمة لنصرة فلسطين، والذي صحبه تسابق تطبيعي عربي غير مسبوق، رافقه إعداد وتحضير أمريكي لنقل السفارة أن المرحلة الثانية بعد مرحلة قرار ترمب هي مرحلة التنزيل والتصريح الأمريكي بصفقة القرن باتفاق عربي مبطن. وهو أمر خطير سيجدد اللعبة ويغير قواعدها بشكل رسمي بعدما كانت الصفقة فقط عبارة عن تسريبات.
لكن الصدمة كانت قوية في عمق الكيان الصهيوني والاستكبار الأمريكي والعربي لما ظهرت قوة فلسطينية شعبية من غزة يناصرها الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، فأربكت الصفقة وعطلتها عن وقتها وبعثرت الأوراق، وأعادت الاستكبار الصهيوني والأمريكي والعربي للتفكير من الصفر.
وتبرز فجائية الصدمة من خلال مخالفة التقارير الصهيونية والأمريكية الاستخبارية لواقع نضج وصحوة الشعب الفلسطيني، هذه الأخيرة التي رصدت وخلصت خطأ من خلال مراكزها البحثية أن الشعب الفلسطيني بعد سبعين سنة من النكبات و التهجير والتشريد والقتل والتطبيع والحصار والتنسيق الأمني الفلسطيني لن تقوم له قائمة.
قوة صدمة الكيان الصهيوني وأرباب الصفقة رهين بنوعية الذي صدم واختياره لوقت الصدمة ومكانها، و تنبع قوة الصدمة من خصائص جديدة في الصادم والفاعل للحدث والصدمة وهي:
– خاصية الابتكار: إذا كانت مرحلة الانتصارات التاريخية السابقة للقوة الشعبية الفلسطينية – منذ وعد بلفور إلى معركة البوابات الإلكترونية- يطبعها الصمود والانتفاضة والبذل، فهذه المرة لن يواجه الكيان الصهيوني صفوفا ومسيرات على باب الأسباط أو باب العامود، ولن يواجه مرابطات ومرابطين عند بوابات المسجد الأقصى، ولن يلقى مقاومة في معارك الفرقان أو سجيل، بل صدم الاستكبار الصهيوني والأمريكي والعربي بشعب مجهز معبأ بمخيلة شعب حراكي ثائر، وبعقلية وإرادة الشباب الغزي الذي أبدع في الأشكال الميدانية وجمعات مختلفة الأسماء و سلمية المسيرات ببصلة غيرت البوصلة، وكوتوشوك دخاني عابر الحدود، وورق طائر حارق.
– خاصية التوقيت: اختار الشباب الفلسطيني الغزي فترة ذكرى النكبة الفلسطينية ليصنع الفعل في 14مايو، ليعرف الشعوب والأحرار والمنظمات بقضيته ويفضح جرما ممهدا لصفقة سينزل في 14 مايو وهو نقل السفارة الأمريكية.
بل واختار الشباب المبدع التحرك والحشد الداخلي وتعبئة الشعوب لذكرى النكبة قبل حينها بستة أسابيع وجمعات تقريبا ليجعل من مسيراته عنوانا موحدا لها هو “العودة” دون الاستنكاف عن مطلب رفع الحصار عن غزة. فكان الحدث الأهم دوليا وإعلاميا هو العودة إلى الأراضي التي يضمنها قرار 194.
وقد نجح شباب الحراك في توجيه البوصلة دوليا وإعلاميا، ونجح في تحريك مسيرات الشعوب العربية والإسلامية للنصرة والغضب ضد جرائم الاحتلال، ونجح في تحريك المنظمات الإسلامية والدولية للاصطفاف مع عنوان العودة وتجريم جرائم الاحتلال عند الحدود المحتلة.
– خاصية صناعة الفعل: لم ينتظر الشعب الفلسطيني هذه المرة مكتوف الأيدي موعد نقل السفارة والاحتفال بها في غضون سلسلة خطوات التمهيد لصفقة القرن، ولم يكن الشعب الفلسطيني في زاوية ردة الفعل ودائرة المتفرج بما أنه هو المستهدف من التصفية، بل بادر في شخص حراك غزة وأخذ بالزمام وصنع الفعل قبل 14 مايو، وتحركت مسيرات العودة تعبئة وحشدا بأسابيع و ست جمعات قبل الإعلان الرسمي عن نقل السفارة والذي يتزامن مع ذكرى النكبة.
– خاصية الارتكاز: لم يحرك الحراك الشعبي الغزي فقط نفسه والشعب الفلسطيني لمسيرات العودة بل وعبأ معه الشعوب العربية والإسلامية والدولية وجهزها ليوم 14 مايو موعد نقل السفارة ويوم النكبة، بل وغير حراك غزة البوصلة الدولية سياسيا وإعلاميا ليجعل من قضية فلسطين وغزة النقطة الأساس، فضلا على أن الحراك الشبابي الغزي كسر إعلاميا من الرواية الإسرائيلية التي تروج أن “شباب المسيرات بغزة هم قوى إرهابية”، ومما ساعد “نسبيا” في غلبة الرواية الفلسطينية (أن الاحتلال يقنص الشباب في غزة) هو فكرة شعبية الثورة و “سلمية المسيرات” دون مواجهة مسلحة وإن كانت ضرورة،.بل كان الشعب الغزي هو المحرك وكانت وظيفة القيادات والمقاومة تتمثل في دور الحاضنين.
-خاصية الاحتضان: من الخصائص التي أنجحت الحراك الشعبي وقدمت الصفعة للكيان والصدمة لأرباب صفقة القرن، هو فوز الحراك الشعبي بإجماع الفصائل والقوى الفلسطينية داخل غزة وخارجها. فضلا عن احتضان محلي شعبي من لدن القوى الفلسطينية (الفاعلة والصادقة) التي كانت سندا وعونا لشباب الحراك وحاضنا لمسيرات العودة، وهذه القوى والقيادات بالداخل الفلسطيني وخارجه كان لها الفضل في نقل الحراك من شعبي محلي إلى حراك دولي إعلامي وقانوني وحقوقي ودبلوماسي يبني تحركاته على مكتسبات مسيرات العودة، ويفضح جرائم الاحتلال ضد شعب أراد أن يعود إلى أراضيه.
لكن الصدمة التي صفعت الكيان الصهيوني هو دخول المقاومة في خط الدفاع كحاضن ثان للحراك الشعبي بعدما أراد الكيان الصهيوني فرض قاعدة واحدة، ولعبة ترضي الطرف الأمريكي والعربي الصامت المتخاذل.
وكانت المقاومة بقوتها سندا مكملا للحراك لحمايته والذود عن حقوقه واستمراريته دون ترك العنان للآلة الصهيونية الإجرامية لإجهاض عمليات مسيرات العودة وحراك الشباب الذي أدخل المشروع الصهيوني ببصلة وورق طائر وكوتشوك أسود في دائرة الاستنزاف والفضح وفشل الرواية الإسرائيلية وإرباك صفقة القرن.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال هدم 600 منزلاً في جنين ويوسع عمليات تجريف المخيم
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 106 أيام عدوانه على مدينة جنين ومخيمها، مع توسيع عمليات التجريف والتدمير داخل...

حماس: الخطة الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع المساعدات تمثل خرقاً للقانون الدولي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، رفضها الشديد تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي أو إخضاعها لشروط الاحتلال،...

أوتشا: الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات تتناقض مع المبادي الإنسانية
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمم المتحدة زعماء العالم إلى توفير الغذاء للمدنيين في قطاع غزة، في ظل دخول "الحصار الشامل" الذي تفرضه...

سلطات الاحتلال تهدم قرية خلة الضبع في مسافر يطا
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، قرية خلة الضبع بمسافر يطا جنوب الخليل، في واحدة من أوسع عمليات...

الاحتلال يفرج عن 10 أسرى من قطاع غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، عدد من أسرى قطاع غزة، والذي وصلوا إلى المستشفى في حالة صحية منهكة....

العفو الدولية تطالب بخطوات جادة لوقف جرائم إسرائيل في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار، جميع الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الاتحاد...

كتائب القسام تعلن عن كمين مركب لقوة هندسة صهيونية شرق خانيونس
المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الاثنين، تنفيذ كمين مركب لقوة هندسة صهيونية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح...