قراءة تاريخية وسياسية في قرار منظمة اليونسكو
قد يشكل قرار منظمة اليونسكو بعدم وجود ارتباط ديني لليهود في المسجد الأقصى وحائط البراق اعترافاً دولياً ببطلان الادعاء اليهودي العقائدي، وهذا مصدر قلق كبير بالنسبة لإسرائيل التي تقيم دولتها على أسس دينية وتاريخية، ولكن قرار منظمة اليونسكو لا يشكل أي ضغط عملي على “إسرائيل” كي تزحزح مواقفها السياسية، فكانت مقاطعتها لمنظمة اليونسكو خطوة تعكس الأطماع اليهودية التي لا توقفها قرارات.
لقد سبق قرار منظمة اليونسكو هذا؛ صدور الكتاب الأبيض عن الانتداب البريطاني سنة 1929، وفيه يؤكد الحاكم البريطاني أن الحائط الغربي لمدينة القدس والمنطقة المجاورة له هي ملك خالص للمسلمين، ولم يغلب اليهود في ذلك الوقت رغم قلتهم وضعفهم وعدم تواجدهم الفعلي في المكان، فكيف سيغلبون اليوم وقد حسبوا أنفسهم يمتلكون المكان بقوة الوجود، ويسيطرون عليه بالسلاح، ويمتلكون ناصية القرار السياسي في أكثر الدول الأوروبية؟.
لقد تصاعد الصراع على ملكية الأماكن المقدسة حين حاول اليهود الاقتراب من حائط البراق سنة 1929، فكانت الثورة في كل فلسطين، لتشكل عصبة الأمم لجنة تحقيق دولية سنة 1930، بهدف تحديد حقوق المسلمين واليهود في حائط البراق، وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الأسبق، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق، وهو سويسري الجنسية، وقد استمعت اللجنة إلى وجهتي النظر، وخلصت في تقريرها الذي قدمته إلى عصبة الأمم في العام 1930، إلى ملكية المسلمين الخالصة لحائط البراق.
فماذا كانت النتائج؟ وإلى أي مدى ألزمت القرارات الدولية العصابات اليهودية؟
لقد واصل اليهود هجومهم الكاسح للسيطرة على الأماكن المقدسة عملياً، فسيطروا على الأماكن المقدسة زمنياً دون الالتفات لردة فعل المجتمع الدولي، وفرضوا حقائق جديدة على الأرض تؤكد على حقهم السياسي من خلال حقوقهم الدينية في الأماكن المقدسة، وواصل اليهود مساعيهم في نزع القداسة الإسلامية عن المسجد الأقصى، فادعوا بأن المسلمين قد شيدوا مسجدهم فوق جبل الهيكل المزعوم، ليؤكدوا بذلك أن الصراع على أرض فلسطين، هو صراع عقائدي، وتطاحن على تاريخ هذه الأرض ومدى الارتباط الروحي بها، وليس صراعاً سياسياً، لتحديد صاحب الحق في السكن على هذه الأرض، والانتفاع بها.
ورغم أهمية قرار منظمة اليونسكو الصادر عام 2016، إلا أن خطورة القرار تكمن في الموقف الفلسطيني الذي اعتبر قرار اليونسكو نصرا ًتاريخياً، متجاهلين التالي:
أولاً: أن القضية الفلسطينية لا ينقصها القرارات الدولية، بمقدار ما ينقصها الفعل الميداني القادر على فرض معطيات جديدة على الأرض تناظر القرارات الدولية، أو تغاير وتناقض الفعل الإسرائيلي الذي يواجه القرارات الدولية.
ثانياً: يعكس قرار منظمة اليونسكو تراجعاً فاضحاً في التأييد الدولي للقضية الفلسطينية؛ وقد ظهر ذلك من خلال امتناع 26 دولة عن التصويت على القرار، وعزوف الدول الأوروبية قاطبة عن التصويت لصالح القرار، وهي التي صوتت مع القرار نفسه سنة 1930، وهنا نتساءل عن جدوى الزيارات المكثفة التي تقوم بها الرئاسة إلى أوروبا، وعن دور السفارات الفلسطينية التي وقفت عاجزة في الدفاع عن الحق الفلسطيني أمام الباطل الذي سوقته السفارات الإسرائيلية.
ثالثاً: نجاح السفراء الإسرائيليين على مستوى العالم في التأثير على مواقف الكثير من الدول مثل السويد وسلوفانيا والهند والأرجنتين وتوغو، تلك الدول التي انتقلت بمواقفها من المؤيد للقضية الفلسطينية إلى موقف الممتنع عن التصويت، وهذا يعكس تراجعاً فاضحاً للدبلوماسية الفلسطينية على مستوى العالم، حيث صوت لصالح القرار 24 دولة فقط في معظمها دول إسلامية ودول عربية ودول أفريقية، إضافة إلى روسيا والمكسيك ونيكاراغوا.
رابعاً: تبين أن الدول التي عارضت القرار هي دول لها ارتباطاتها الاقتصادية والتجارية والسياسية مع الدول العربية والإسلامية، ومعظمها دول عظمى، تقف على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وهولندا، بالإضافة إلى دولتي لاتفيا واستونيا.
وبين الفرح الفلسطيني والغضب الإسرائيلي ستشهد المرحلة القادمة مساعٍ إسرائيلية مكثفة للتأثير على عدد 26 دولة التزمت الحياد، ولم تصوت على القرار، هذه الدول هي مجال عمل الدبلوماسية الإسرائيلية في المرحلة القادمة، فهل يتنبه إلى ذلك العرب والفلسطينيون؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
استشهاد مقاوم من طوباس متأثرا بإصابته قبل أيام
طوباس- المركز الفلسطيني للإعلاماستشهد المقاوم الشاب معاوية موفق عبدالله دراغمة من طوباس -الليلة الماضية- متأثرا بجراحه التي لأصيب بها إثر انفجار...
الاحتلال يصدق على شرعنة 5 مستوطنات في الضفة ويفرض عقوبات على السلطة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن وزير مالية الاحتلال "سموتريش" في ساعة متأخرة من مساء الخميس، عن مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر...
الأمم المتحدة: 557 ألف امرأة في غزة يواجهن انعداما حادا بالأمن الغذائي
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن ما لا يقل عن 557 ألف امرأة في غزة يواجهن انعداما حادا للأمن الغذائي، وأن الوضع مقلق...
لليوم الـ 265.. القسام تواصل قنص جنود الاحتلال وتفجير آلياته
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل كتائب الشهيد عز الدين القسام لليوم الـ 265 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور من قطاع...
3 شهداء من كوادر الدفاع المدني بقصف إسرائيلي على غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الدفاع المدني الفلسطيني عن استشهاد ثلاثة من كوادره بقصف اسرائيلي خلال قيامهم بواجبهم الإنساني في غزة. وقالت...
القوات اليمنية تستهدف هدفا حيويا بحيفا وسفينة بالبحر الأحمر
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية التابعة لجماعة أنصار الله، تنفيذ عمليتين عسكريتين انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطينيّ،...
الاتحاد الأوروبي يحذر من استمرار الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة
بروكسل – المركز الفلسطيني للإعلام حذر الاتحاد الأوروبي، من "استمرار الوضع الإنساني الكارثي بقطاع غزة، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نحو...