السبت 10/مايو/2025

توجهات الأميركيين اليهود

توجهات الأميركيين اليهود

كما في كل انتخابات أميركية، يكثر الحديث عن توجهات الأميركيين اليهود في هذه الانتخابات، رغم أن نسبتهم لا تتعدى 2% من مجمل ذوي حق الاقتراع في الولايات المتحدة، ويقال إنهم يضاعفون نسبتهم في يوم الانتخابات، بسبب إقبالهم الشديد عليها.
ولكن تسليط الضوء على هذه الشريحة الأميركية لا يمكن أن يكون حالة طبيعية، بل حالة تختلقها الحركة الصهيونية، في سعيها إلى التغلغل أكثر في دوائر اتخاذ القرار الأميركي. ولهذا، ليس صدفة أنه ينتشر في البيت الأبيض، حالياً أيضاً، عدد كبير نسبياً من المستشارين وكبار المسؤولين اليهود، الموالين للحركة الصهيونية والمنخرطين فيها.
وقد عالجنا في هذه الزاوية سابقاً مسألة الانتخابات الأميركية، والدور المتزايد لليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو، للتأثير في هذه الانتخابات من خلال الأميركيين اليهود، والحركات المسيحية المتصهينة الموالية أكثر للحزب الجمهوري.
والحقيقة الملموسة حتى الآن، وفق استطلاعات رأي وأيضاً وفق ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، هي أن الغالبية الساحقة من الأميركيين اليهود ما تزال تؤيد الحزب الديمقراطي ومرشحه للرئاسة باراك أوباما، رغم الدور المكشوف الذي يقوده نتنياهو بأذرع مختلفة، لدعم صديقه الجمهوري ميت رومني، وآخر هذه التحركات تشكيل أطر خاصة باليهود في الولايات المتحدة تطرق بيوتهم من أجل إقناعهم بدعم رومني ضد أوباما.
ولا نذكر من قبل هذا الشكل من علانية حراك قوى اليمين الإسرائيلي، ولا حتى في ولاية بنيامين نتنياهو الأولى في النصف الأول من التسعينيات. وإذا ما وضعنا مسألة الانتخابات جانباً، ونظرنا إلى جوانب أخرى في الحراك اليميني الصهيوني على الساحة الأميركية، سنستنتج أن قوى اليمين وضعت لنفسها هدفا، وهو تغيير المفاهيم السياسية والاجتماعية السائدة بين أبناء الديانة اليهودية في الولايات المتحدة، وهذا ليس صدفة.
فالحالة الدائمة والمتصاعدة التي نستنتجها من تقارير صادرة عن مؤسسات الحركة الصهيونية، هي أن اليهود في الولايات المتحدة، كما في أوطان أخرى، يبتعدون أكثر فأكثر عن شعور الانتماء للمشروع الصهيوني.
وتقول هذه التقارير، ومن بينها التقرير السنوي الأخير لـ”معهد سياسة الشعب اليهودي” التابع للوكالة اليهودية – الصهيونية، إنه كلما نشأت أجيال جديدة، كان ارتباطها بالمؤسسات اليهودية في أوطانها أضعف. وبالتالي ضعُف الشعور تجاه “إسرائيل” ومؤازرتها. ومن ثم، فإن هذه الشريحة، وهي شريحة الأغلبية الساحقة، لن تفكر في أي يوم بالهجرة إلى “إسرائيل”. وهذا ما تدركه الحركة الصهيونية ويزيد من قلقها. ولهجة القلق بالإمكان تلمسها بوضوح في التقرير الأخير للمعهد السابق ذكره، إذ جاء ما يلي: “لدى الكثير من القادة اليهود الأميركيين، أصبحت الأسئلة بشأن العدالة الاجتماعية ثاقبة أكثر، وبشكل خاص حينما ينتقدون سياسة “إسرائيل”.
وهذه الحالة تسري على مستوى الأفراد والمؤسسات اليهودية، وتلك التي تسمى “النخبة التقدمية”، ونجدها في “صندوق إسرائيل الجديدة” وفي منظمة “جيه ستريت”، فهذه المنظمات تؤيد السلام بين إسرائيل والفلسطينيين”. وكان المعهد ذاته قد خصص قسماً كبيراً من تقرير له صدر قبل عامين، لكيفية التعامل مع الأجيال اليهودية الناشئة في أوطانها، وتقريبها إلى الحركة الصهيونية و”إسرائيل”، من خلال سلسلة محفزات وحملات دعائية.
ولكن لم تظهر لاحقاً أي متابعة لهذه القضية، ما يعني أن التجاوب مع هذه المبادرات الصهيونية ضعيف.من الواضح أن هذه العلنية للحراك اليميني الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية، وسعي نتنياهو للصدام الكلامي شبه اليومي مع الرئيس أوباما والإدارة الأميركية حول الشأن الإيراني، لن يكونا حالة عابرة، وإنما سنرى لهما نتائج في حال إعادة انتخاب أوباما، على مستوى العلاقة مع الإدارة الأميركية، وأيضاً على مستوى تعامل “إسرائيل” واليمين الحاكم فيها مع مختلف المنظمات الأميركية اليهودية.
ولكن من الضروري أن لا نقع في أوهام؛ فقد تتكدر العلاقات بين حكومة نتنياهو وأوباما، وقد نرى مشاهد أشد من هذه الأجواء في حال أعيد انتخاب أوباما، ولكن العلاقات الاستراتيجية العميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا يمكنها أن تهتز، ولو هزّة بسيطة، بسبب هذه الأحداث.
[email protected]
صحيفة الغد الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات