السبت 10/مايو/2025

قراءة في دوافع و أهداف الأحداث الجارية

م. بدر الدين حمدي مدوخ

في الثامن من شهر فبراير استبشر الناس خيراً باتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس برعاية سعودية، وكان البعض يسأل كم سيستمر الاتفاق؟ فكنت أقول من ستة أشهر إلى عام! فكان البعض يقول لي أنت متفائل جداً، ولكن ما السبب؟ فقلت لأن السعودية لن تسمح – على حد قناعتي – بانفراط عقد مكة برغم هشاشة هذا الاتفاق، لكي تحافظ على مكانتها و صدارتها و خصوصاً في الفترة الأخيرة. يبدو أن حدس الآخرين كان أكثر واقعية من حدسي، لكن حسبنا أننا نريد الخير لهذا الشعب، لأن هذا جزء من ديننا و من عقيدتنا ومن وطنيتنا كذلك.

وقبل اندلاع الأحداث بيوم أو يومين هممت بالكتابة لشعوري بصدق حدس الآخرين، لكن عزفت عن ذلك بعد كتابة نصف المقال تقريبا، لأني أحب أن أكون حجراً في بناء أمن البلد و المواطن، لا معول هدم، لكن بعد حدوث ما نرى يجب أن نبدي برأينا، كجزء من الجدار الآمن الذي يحتاجه الشعب، برغم قناعتنا أن هذا يدخل ضمن الاجتهادات البشرية و التي تخضع للصواب و الخطأ.

إن ما يحدث لا يمكن إبعاده عما يحدث على الساحة الدولية و الإقليمية، وعليه فلننظر على هذه الساحة الدولية و الإقليمية:

لقد حققت الدبلوماسية السعودية بعض النجاحات بجمع العديد من الفرقاء في بعض الأقطار الإسلامية، و خير دليل على ذلك، ما تم بالنسبة للعراق و فلسطين، ودخلت رسميا بقوة بعدما أريد تهميشها على حساب بعض القوى كمصر و قطر وغيرهما، والذي دفع السعوديين لذلك هو خشيتهم من دعم أمريكي للشيعة في العراق لما يهدد أمن السعودية نفسه و كذلك الخليج، وهذا ما دفع خادم الحرمين الشريفين لاعتبار الوجود الأمريكي في العراق بغير الشرعي، وبذلك تكون السعودية قد دعمت المقاومة في العراق معنوياً، مما جعل الموقف الأمريكي يتضعضع، ومن ورائه الصهيوني، ولذلك كان لا بد من إفراغ النجاحات السعودية من مضمونها، وخصوصاً أنه لأول مرة تشعر مصر بفقدان بوصلة الثورة الفلسطينية، وهذا ما فهمته السعودية فرفضت الخوض في أمر منظمة التحرير و جعلته أمراً يخص مصر و هو أمر مهم كرسالة للمصريين أن البوصلة ما زالت قريبة منهم، لكن يبدو أن مصر شعرت بتهميشها في المنطقة، فلم يعجبها ذلك، ولذلك فإن ما قامت به من أجل إعادة تشكيل منظمة التحرير لم يكن بالشكل المطلوب، وتسربت معلومات أن مصر ترى أن إعادة تشكيل منظمة التحرير لا يخدم الأهداف الإقليمية في المنطقة!

ولعل هذا التهميش الذي شعرت به مصر هو الذي دفعها لجمع الفرقاء السودانيين في القاهرة بخصوص مشكلة دارفور، وكان هناك دائماَ تساؤلات عديدة من بعض المراقبين عن موافقة مصر لتجهيز و إعداد و تدريب حرس الرسالة و السماح لها بإدخال سلاح بالتوافق مع الأردن، وكذلك الرباعية الأمنية التي شكلتها رايس بما يسمى رباعية رفح الأمنية؟ كذلك مضايقات مصر للعديد من القيادات الإسلامية حتى الوزراء منهم و أعضاء المجلس التشريعي و غيرهم، بينما يسمح لمن هو مجرم في نظر القضاء المصري بالتجوال هنا و هناك في مصر و تفتح له الأبواب! إذا أضفنا لذلك الأزمة المصرية الداخلية التي يعيشها النظام مع الإخوان المسلمين و ازدياد شعبية هذه الحركة، لذلك فإن نجاح الحركة الإسلامية في أي بلد لا يخدم أي نظام عربي أو إسلامي إلا ما رحم الله! وهنا تجد أمريكا و دولة يهود ضالتهم لتحقيق ما يريدونه و هم الذين شعروا أن اتفاق مكة قطع الطريق عليهم لتنفيذ مخططاتهم، فبدأوا بالتخطيط من جديد في كيفية القضاء على حركة حماس في فلسطين إما بالاستيعاب أو الإقصاء أو الإنهاء، وهذا ما كانت تدركه – على حسب ظني- حركة حماس. فقالوا فليدخلوا الانتخابات و عندها يكونون أقلية فنستوعبهم، ففوجئوا بالنسبة الكبيرة التي حصلت عليها حركة حماس، فكانت الصدمة، ولكن بدأت المرحلة الجديدة و هي مرحلة الإفشال و كان ذلك بالحصار المالي و السياسي و الذي اشتركت فيه معظم الدول العربية! وجاء اتفاق مكة ليصدم الجميع. إذاً فهل المرحلة الآن –  وهذا ما نخشاه – مرحلة الإنهاء لحركة حماس!.

أما على الصعيد الداخلي: فالمشاهد لا يجد صعوبة في ترتيب الأحداث، فالصدمة التي تلقاها البعض في الداخل جعله يشارك الخارج في ما تم التخطيط له. وكان لا بد من إفشال اتفاق مكة، والعديد من التقارير كانت تشير إلى عدم رضا العديد من نتائج هذا الاتفاق، وتمثل ذلك جلياً في تشكيل ما يسمى بتشكيل تنفيذية فتح نكاية بالقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، وسألت أحد المقربين منهم عن دور هؤلاء عند الاجتياحات الصهيونية فقال لي هؤلاء ليس لهم علاقة بذلك، هم فقط جاهزون للتصدي لحماس و التنفيذية. و تمثل عدم الرضا من اتفاقية مكة كذلك بمراقبة و حصر ما يمكن حصره من أسماء أعضاء القوة التنفيذية و كتائب القسام الذين يظن أنهم شاركوا في أحداث ما قبل اتفاق مكة، وتمثل ذلك بنرقيم قيد العشرات إن لم يكن المئات من أفراد الأجهزة الأمنية و الذين يشتبه بهم بانتمائهم أو حتى تعاطفهم مع حركة حماس واستثنائهم من الدورات العسكرية في الداخل و الخارج. ومن أبرز أمثلة عدم الرضا عن اتفاق مكة هو الإعلام المسموم الموجه و الذي لا يرى في حركة حماس إلا كل نقيصة و في حركة فتح لا يرى إلا كل فضيلة ومن يشك في ذلك فليطالع الأعداد الصادرة بعد اتفاق مكة من مجلة حركة فنح “منبر الثورة” وما قالته العديد من أبواقهم الإعلامية و بعض النشرات الداخلية لبعض الجهات في الحركة.

كما أن هناك مخططات مدروسة أظهرتها بعض وسائل الإعلام، تم تخطيطها و صياغتها في الخارج كما كشفت عن ذلك جريدة المجد الأردنية و كذلك جريدة الحقيقة و جريدة الحقائق و غيرها، ونحن هنا لن نستشهد بما قاله الصهاينة و أخرجوه في صحفهم و إعلامهم من مؤامرات تحاك لإفشال اتفاق مكة و من ثم القضاء على حركة حماس. كما لا يفوتنا أن نذكر باجتماعات أريحا و التي تضم بعض من يسمون بالعلماء، بهدف تشويه صورة حركة حماس و محاولة سحب البساط من تحت قدميها في المساجد و المجتمع كحركة حامية للإسلام و الشريعة الإسلامية.

مما سبق و غيره مما ربما نسينا ذكره نستطيع فهم ما يحدث اليوم، و نفهم تلكؤ محمود عباس في القدوم للوطن و من ثم لغزة بالرغم من تهديد وزير الداخلية بالاستقالة، و الطلب بانتظار سيادته حتى يعود من جولته التي ستحقق النصر و السيادة! غير عابئ بالجرائم التي تم ارتكابها! وحينما أتى سيادته لغزة وعد ولكن؟

الهدف باختصار من كل ما يجري إبقاء العدو الأمريكي و الصهيوني ممسكين بزمام الأمور على الساحة الإقليمية و العربية و الفلسطينية و توجيه الناس و العالم للنظر لفلسطين بدلاً من إخفاقات أمريكا في العراق و أفغانستان، هذا بالنسبة للخارج، أما الداخل فمحاولة تغيير الخارطة السياسية الداخلية الفلسطينية من خلال جر الساحة الفلسطينية لانتخابات مبكرة بوسائل عديدة، منها تضخيم نتائج العديد من الانتخابات المحلية التي تكون في صالح فتح، لإيهام المجتمع بأن الخارطة السياسية الآن مغايرة لما عليه توجه الشعب الفلسطيني. فإن لم ينجح هذا المخطط فالفوضى و عدم الأمن و العودة لتهديد سيادة الرئيس بانتخابات مبكرة و العودة للدوامة من جديد و ذلك من خلال انسحاب أعضاء فتح من التشريعي و ربما من الحكومة أيضا، ضمن إبقاء الحصار و إبقاء الانتقائية في التعامل مع أعضاء الحكومة  وموازاةً لذلك يتم العمل على الإساءة للشخصيات المقبولة عند الشعب كرئيس الوزراء و غيره ليتساوى في نظر الناس الصالح مع الطالح.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات