الخميس 08/مايو/2025

عقم الانتصار

عقم الانتصار

يشخص المفكر العربي د. عبدالوهاب المسيري، في كتابه “من هم اليهود.. وما هي اليهودية؟؟” الصادر عن دار الشروق الطبعة السادسة 2009، أزمة الدولة اليهودية، واستحالة استمرارها ككيان مأزوم، والتعايش معها كدولة عنصرية فاشية، ملخصاً كل ذلك في عبارة موجزة شديدة التكثيف “عقم الانتصار”..” فالحروب المستمرة لم تأت لا بالسلام ولا بالنصر، وقد تبين الإسرائيليون أنهم وصلوا إلى ما يمكن تسميته “نقطة الذروة” أي أعلى نقطة استخدام العنف والقوة دون جدوى” ص48.
هذا وإن كان الكتاب يركز على سؤال الهوية، وأزمة المجتمع الصهيوني، والتناقضات الأساسية بين الرؤية الصهيونية، لما يسمى “الهوية اليهودية” وواقع الجماعات اليهودية، إلا أنه يكشف ببراعة المفكر والباحث الفذ، التغييرات الخطيرة التي أصابت هذا المجتمع، والذي هو بالأصل خليط لمجموعات عاشت وانتمت لدول عدة، اغلبها في أوروبا الشرقية، وبالأخص بولندا، إضافة إلى يهود الدونمة، الذين نزحوا من الأندلس بعد سقوطها 1492، وعاشوا في سالونيك باليونان، بعد أن أعلنوا إسلامهم، وأخفوا يهوديتهم، ثم عادوا ليعلنوها، بعد هجرتهم إلى فلسطين ودول أخرى.
ويخص بالذكر التغييرات التي عصفت “بالصابرا” وهم اليهود الذين ولدوا في فلسطين، والذين حملوا شعلة الأمل والعزم الإسرائيلية، وكيف انقلب هذا الجيل، وأصبح أسير “الأمركة” وحلمه الأهم هو الهجرة إليها، بعد ما كان يعيب على اليهود الآخرين، عدم الهجرة إلى “إسرائيل”، مستشهداً بأمثلة فارقة، فبعد أن كان الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وقوات النخبة، هو حلم كل شاب إسرائيلي، أظهرت الاستطلاعات أن أكثر من ثلث هذا الشباب يحبذ تأجيل الخدمة العسكرية، بعد ما اكتشف أن المؤسسة الحزبية والعسكرية غررت به، في خوض الحروب الأخيرة، بمعنى أنها لم تكن حرباً ضرورية، للدفاع عن الدولة، ولكنها حرباً اختيارية، كالحرب على لبنان وغزة، وهذا ما أدى إلى العزوف عن الخدمة العسكرية، أو بالأحرى التهرب منها، بسبب الخسائر الباهظة التي ألحقتها المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ومن أبطال هذا التهرب “أفيف جيفين” ابن شقيقة الجنرال دايان، وقد انتهى به الأمر إلى الهجرة إلى بريطانيا، بسبب سرطان الاحتلال، كما ذكر في طلب الهجرة، والاهم في كل ذلك أن هناك قبولاً اجتماعياً لهذا الموقف، ما يؤشر على أن الكيان الصهيوني، أصبح كياناً مأزوماً، بعد ما فشل في تحقيق مشروعه الصهيوني الاستئصالي، بفضل صمود الشعب الفلسطيني، وإصراره على المقاومة والتضحية، وهو ما أدى إلى حصول هذه التحولات الكبيرة في المجتمع الإسرائيلي.
ويقف المؤلف مطولاً أمام هذه التحولات، والتي غلب عليها التحول إلى اليمين المتطرف، وهذا ما تأكد بفوز نتنياهو، وسيطرة المتطرفين على مفاصل الكيان الصهيوني، وتراجع اليسار، أو بالأحرى اختفائه، ومن هنا فهذا الجيل لا تختلف منطلقاته الفكرية عن نتنياهو الذي يصر “ليس هناك أي نهر أو بحر يفصل الضفة الغربية عن باقي الأراضي الإسرائيلية، إنها جزء من دولة إسرائيل نفسها، إن الضفة الغربية هي مركز البلاد، أنها فناؤنا الداخلي، وليست أرضاً غريبة” ص55.
وأهم ما يؤشر عليه هذا الكتاب، هو الديمقراطية المشوهة التي يؤمن بها أغلبية المجتمع الإسرائيلي، فهو يؤمن بها على المستوى النظري، ويرفضها على المستوى العملي، إذا كان الأمر يتعلق بحقوق العرب الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني… إنها العنصرية الصهيونية في أبشع صورها.
باختصار.. كتاب “من هم اليهود” يقطع الشك باليقين، ويضع النقاط على الحروف بكل جرأة وموضوعية … لا تعايش مع هذا الكيان الصهيوني العنصري.
[email protected]
صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات