نادي فلاسفة السلاح…فالعرض سار لحين نفاذ الكمية!

يمكن لخيالي الواسع أن يتخيل وجود طيور تخاف من المرتفعات. ويمكنني تصور وجود فئران وقوارض تتبع حمية سوائل؛ أو تخشى من المناطق الضيقة والمغلقة. وقد أصدق أن الكلاب يمكن أن تأنف من النباح؛ وأن الأفاعي ستترك الفحيح يوما ما؛ لكنني عاجز عن تصور حال هذا المقاوم الذي يضع سلاحه مستسلما؛ لا بل يسلمه لعدوه وفق اتفاق “عفو”…اتفاق عفو يصغر فيه ويذل خاضعا؛ ويحبس نفسه بموجبه طواعية في مكان معلوم مدة ثلاثة أشهر؛ ويتمثل أبا نواس وهو ينسحق طالبا الصفح والمغفرة بين يدي خليفة أو ملك وينوح باكيا:
لكن عجلة الخيانة سادرة في غيها وماضية؛ فلا “تهدِّي” يا بحر؛ فقد قرر صعلوك يحب الصهيونية “تالي فحيمة” أن المقاومة يجب أن تتوقف وأن لا حق للعودة! هو أصلا قبض “حقها” هو وقادته وانتهى الأمر! ولن يكون هناك فدائي لا “فوق التل” ولا “تحت التل”؛ فقد قرر “أبو جبل” أنه لن يعارض نزع السلاح ولن يكون “عَطَلِة” – هكذا قالها! – في طريق الرئيس؛ محاولا على ما يبدو تمثل لغة السياسيين ذوي البذلات الرمادية؛ عله يفلح في الخروج من قالب “ابن الشوارع”؛ لكن مع حصيلة لغوية كهذه – حصيلة لا تنبغي حتى ولا “لصبي ميكانيكي” – كانت محاولته فاشلة بكل وضوح!
هناك مائة وثمانون مناضلا مثل “أبو جبل” و”أبو الزيك” الزبيدي ممن قرروا أن المفاوضات أخيرا شكل من أشكال المقاومة؛ ولذلك هم يتنازلون عن شرفهم العسكري – بل يبيعونه بواقع ألفي دينار للكلاشنيكوف وعدة أضعاف ذلك المبلغ لبندقية “إم 16” – فشكرا لكما وللمائة وثمانين قالب ثلج أو لوح خشب من أهل دياثة النضال؛ ممن اكتشفوا أخيرا أكسير الوفاق الوطني وحجر الفلاسفة المفقود؛ وحلوا المعضلة التاريخية لشبهة الفرق الموهوم بين الخيانة والنضال؛ ووضحوا لنا أن المفاوضات شكل من أشكال المقاومة! الآن أخيرا وجب على الأمة أن تعيد الاعتبار لمن باع أكثر فلسطين في جنيف؛ ولمن يريد أن يبيع ما تبقى منها في طابا أو البحر الميت أو “واي ريفر” أو “كامب ديفد” أو في “أوسلو” أو إن شاء الله حتى في بلاد واق الواق؛ المهم أن يسافر! الآن وجب على حماس والجهاد وكل أنصار المقاومة والعمل الفدائي أن يعظموا السلام للقادة الحقيقيين للمقاومة؛ من عبدربه إلى عريقات؛ فعباس ودحلان؛ وليس انتهاء بزينة شباب المساومات و”نضوتها” وإمام رعيلها الأول حسن عصفور!
هل هذا يحدث حقا؟!
هل انفضت السوق وسيمضي كل إلى بيته أخيرا؟! هل فعلا وجب الآن إتلاف كل شرائط أغاني “أبو عرب” واستبدالها بأناشيد عبرية من التي غناها زكريا زبيدي في معسكرات السلام وهو طفل؟ وهل يجب شطب رسومات ناجي العلي واستخراج جثته من القبر للتأكد من وضع باقي رفات أصابعه في “الأسيد” أو الحمض جزاء وفاقا ونكالا بمن خالف قرار الرئيس ولو بأثر رجعي؟ كل هذا يمكن احتماله؛ فالأغاني لن تموت لو حظرت وكسرت أقراص حفظها؛ وبالنسبة لناجي فلن يضير الشاة سلخها بعد ذبحها – أو بعد اغتيالها من أجل عيني رشيدة مهران وبمعرفة عشيق رشيدة مهران – لكن أخشى ما أخشاه أن يقرر القوم فرض حفظ قصائد “المنجل” و”المعمل” و”ريتا” و”كلب جارنا المهاجر إلى كندا” على جمهور الناس؛ ويغدو الإنشاد لمحمود درويش واجبا بديلا عن “طل سلاحي” و”هدَّى البلبل عالرمان”؛ وبدلا من رفع الآذان يصير لزاما علينا الترديد: “سجل أنا مقاوم؛ وسعر بندقيتي عشرون ألف شيكل جديد”!
لكن لا؛ فليس يصح إلا الصحيح! وهذا السيناريو الخرافي لا يصمد ولا حتى لمشروع نكتة ثقيلة الظل أو كابوس متوهم؛ فمن ألقى سلاحه ونال عفو الصهاينة لم يكن ليقدم للمقاومة قديما ويعطي؛ ليشكل انسحابه الكاذب منها الآن خطرا على النضال والجهاد مشروعا وعقيدة! هذا الكلام ليس تجنيا ولا افتراء؛ فالصهاينة وبكل موضوعية لا يكفون عن ملاحقة من على يديه دماء صهيونية؛ وهم لم يغفروا ذنب سفك دمائهم قط؛ ولذلك حين ينال رجال عصابات فتح عفو الصهاينة؛ فليس هذا أبدا لأنهم مقاتلون؛ بل كل ما هنالك أن رجال العصابات هؤلاء الذين ساموا أهل المدن الفلسطينية سوء العذاب – هؤلاء السوقة جرى استخدامهم كورقة معدومة لخلق شبهة انجاز سياسي لمحمود عباس؛ ليزعم لاحقا أنه حصَّل العفو عن “مجرم” لم يكن قط يشكل أي خطر على إسرائيل؛ ولم يلحق الأذى إلا بالمؤسسات الفلسطينية الخاصة والعامة.
لذلك فمهما اجتهد تلفزيون فتح وصحف فتح وإعلام فتح وناطقو فتح في تزيين صورة باعة البنادق وباذلي أعراضهم للصهاينة فإن الحيلة لن تنطلي على أحد؛ وشعب فلسطين الذي ورث بطولات عزالدين القسام وعبدالرحيم الحاج محمد وحسن سلامة وسعد صايل وأحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي – هذا الشعب يعرف بضاعة الشرف وليس عليها بطارئ؛ وهو يعرف كيف يسوم المقاومة ويقلبها ويسعرها في سوق الرجال؛ ويعرف الجهاد الحق من الجهاد الكذب؛ ويميز المقاومة الحقة من المقاومة المفتراة المدعاة التي لم تغادر مواقع الكذب أمام الكاميرا أو في بيانات الدجل الوطني! ولذلك فإن هذا الشعب جميعا بين الضفة وغزة؛ وبين الداخل والخارج؛ سوف ينظر لهؤلاء المتساقطين ويقسم أنه لم ولن ينخدع بهم؛ ولن يصدق أنهم أهل مساجد ولو دمغوا جباههم بسيماء السجود؛ ولن يصدق أنهم أهل بيان ولو لطخوا أثوابهم بالحبر؛ ولن يصدق أنهم أهل مقاومة ولو زعموا أن لهم فيها حظا ونصيبا ورحما!
فخلوا عن المقاومة لستم منها؛ ودعوا لنا البندقية وخذوا شواكل عباس؛ ودعوا لنا النضال والجهاد والمسجد الأقصى فقد توسخت بتمحككم بها كثيرا؛ ودعوا لنا “أبو عرب” وأغاني العودة؛ وطيبوا أنتم نفسا “بشعبان عبدالرحيم” يغني فيكم رائعته: “كدَّاب يا خيشة”!
…يا كَذَبَة النضال ويا غَشَشَة المقاومة ويا باعة السلاح!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...

لجنة أممية تحذر من خطر المجاعة والمرض على الفئات الهشة بغزة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام قالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري إن نفاد الغذاء في قطاع غزة، إلى جانب الدمار الواسع...

إصابتان برصاص الاحتلال وهجمات للمستوطنين في الضفة
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في بلدة تقوع جنوب شرق بيت لحم، فجر السبت، في الضفة الغربية المحتلة، إثر اقتحام...

“الجهاد الإسلامي” تنعى القائد بسرايا القدس الشهيد نور البيطاوي
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد نور عبد الكريم البيطاوي، القائد في "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس،...

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...