الإثنين 05/مايو/2025

مصر ومعاهدة السلام

مصر ومعاهدة السلام

يرى كثير من المصريين أن معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، كانت وليدة ظرف تاريخي وعسكري استثمرته الولايات المتحدة لتحقيق هدف محوري لها، وهو إخراج مصر بثقلها العسكري والسكاني والحضاري والثقافي من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني، وربما من دائرة الفعل العربي أيضاً. ومعروف أن هذا الهدف المحوري للولايات المتحدة، هو هدف محوري للكيان الصهيوني، وبالطبع فإن المنظور الأمريكي للصراع العربي الصهيوني هو ذات المنظور الصهيوني ذاته.
لا ريب أن المناخ الذي أفرز معاهدة السلام المصرية الصهيونية كانت له تبعاته وتداعياته، فقد مهد لمعاهدة السلام الأردنية – الصهيونية، وكذلك اتفاق أوسلو بين القيادة الفلسطينية والكيان الصهيوني، كما مهد لشيوع ثقافة السلام المرتكزة على مسوغ بات شائعاً، وهو أن المواجهة المسلحة مع الكيان الصهيوني لم تجلب إلا الخراب والدمار وضياع الأرض، وأن السلام هو الخيار الأولى بالإتباع، أو ربما هو الخيار الوحيد. ولعل هذا ما تمثل في معاهدة السلام المصرية – الصهيونية، وكذلك معاهدة السلام الأردنية – الصهيونية، إضافة إلى النهج الذي اعتمدته السلطة الفلسطينية مسقطة خيار المقاومة.
لعل ثقافة الهزيمة هي التي أشاعت ثقافة السلام، مع أنهما وجهان لعملة واحدة. فثقافة السلام التي راجت هي أيضاً رواج لثقافة الهزيمة، حيث سقط خيار المواجهة والمقاومة على اعتبار أنه خيار خلّف النكبات والنكسات، ولم يُجْدِ نفعاً في استرداد حق عربي أو فلسطيني، بل زاد من رقعة الاحتلال الصهيوني للأرض العربية والفلسطينية.
ومعروف أن مبادرة السلام العربية جاءت في هذا السياق، وأسقطت خيار المواجهة والمقاومة، بل قدمت للكيان الصهيوني كل ما يطلبه من تطبيع كامل، مقابل انسحابه من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. ولعل الأحداث التي جرت في سيناء مؤخراً، قد أعادت موضوع معاهدة السلام إلى دائرة الضوء والاهتمام، ذلك أن هذه المعاهدة تقسم سيناء إلى مناطق وتحدد عدد الجنود المصريين، وكذلك نوع وكمية العتاد المسموح به في كل منطقة، وتكاد تكون المنطقة المحاذية للشريط الحدودي مع الكيان الصهيوني منطقة منزوعة السلاح تقريباً. في مثل هذا الوضع المجحف بحق مصر والجيش المصري، يبدو الجيش غير قادر على بسط الأمن وتحقيق الاستقرار، وهو ما أتاح مناخاً خصباً لتفريخ جماعات متطرفة مسلحة، أقدمت على ارتكاب مجزرة بحق ضباط وجنود مصريين. ورغم أن الجيش المصري استطاع أن يشن حملة مكثفة بأعداد من الجنود أكثر من ذي قبل، وبعتاد أفضل وأكثر مما اعتاده عليه من قبل، فإن ذلك ربما تم في صيغة توافق مع الكيان الصهيوني الحريص على أمنه في المقام الأول.
وبقدر ما أشاع هذا التحرك للجيش المصري ارتياحاً، فإنه أثار تساؤلاً مشروعاً عن دور الكيان الصهيوني وضرورة التنسيق معه في أي تحرك للجيش المصري في سيناء يتجاوز عدد جنوده أو نوعية عتاده وكميتها القيود التي تفرضها معاهدة السلام، وهذا ما حدا بأكثر المصريين إلى الدعوة إلى مراجعة بنود معاهدة السلام، وإدخال التعديلات الضرورية حفاظاً على السيادة المصرية والكرامة المصرية أيضاً التي خدشتها.
ومعروف أن الحفاظ على معاهدة السلام يظل هدفاً أمريكياً رئيساً، وشرطاً أمريكياً رئيساً كذلك. ولا ريب أن المنظور الصهيوني في تأكيد الحفاظ عليها هو المنظور الأمريكي ذاته، على اعتبار أنها تحقق له على الجبهة المصرية الأمن الذي يضعه في أول أولوياته، والذي تضعه الولايات المتحدة في أول أولوياتها كذلك، وترى أن أمن الكيان الصهيوني مقدس.
وعود على بدء، فإن أهداف ومرامي ومضامين معاهدة السلام، تتجاوز بسط الأمن في سيناء وحدود سيناء. ذلك أنها أخرجت مصر بثقلها السكاني والعسكري والحضاري والثقافي من دائرة الصراع مع العدو الصهيوني، بحيث باتت أسيرة هذه المعاهدة التي تفرض على مصر أن تنظر إلى الصراع العربي الصهيوني بعيون صهيونية – أمريكية، وتحقق أهداف الرؤية الصهيونية – الأمريكية، وهو ما درج النظام السابق على القيام به أو ربما بما هو أكثر منه.. سعياً إلى إرضاء الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني كذلك الذي رأى بعض قادته فيه كنزاً استراتيجياً. ولكن الجديد المتوقع أن ينهج النظام الجديد في مصر نهجاً مختلفاً عن نهج النظام السابق معتمداً على الالتزام بمعاهدة السلام في ضوء التزام الطرف الآخر بها من دون تفريط في السيادة المصرية، والأمن القومي المصري، وأن يسعى إلى مراجعة المعاهدة، مراجعة موضوعية بمنظور مصري وطني يحفظ السيادة المصرية في إطار القانون ووفق مرجعياته بحيث لا تخل بسيادة مصر على سيناء أو غيرها، وتحفظ الأمن القومي المصري في المقام الأول.
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات