السبت 28/سبتمبر/2024

تحليل صهيوني حول الخيارات المتاحة أمام سوريا

تحليل صهيوني حول الخيارات المتاحة أمام سوريا

وجه الرئيس السوري بشار الأسد رسالة سلام إلى الكيان فكانت المناسبة الأخيرة في إطار مقابلة أجرتها معه صحيفة نمساوية قبل عدة أسابيع حيث أعرب من خلالها عن اهتمامه باستئناف مفاوضات السلام، من جهة أخرى فإن الأمر الأهم في هذه المقابلة هو بيان آخر أدلى به الأسد للصحيفة أعرب من خلالها عدم اهتمام سوريا بتطوير أي قدرات نووية، بل ذكر أنه تلقى عرضاً باكستانياً مجهولاً يقضي بتسليم سوريا معلومات نووية جُمعت في باكستان.

ويشار هنا إلى أنه من المهم إن كان هناك شخص ما في الكيان والغرب يمكنه قبول بيان الأسد هذا كما هو، ولكن مهما كان الأمر فإن تصريحات الأسد هذه كما هو حال تصريحاته في الماضي تثير من جديد جدلاً حاداً في الكيان بشأن الخيار السوري أي هل أن بشار الأسد معني فعلاً بالسلام؟ وبنفس المعدل هل للكيان مصلحة ما في دفع عملية سلام على المسار السوري أيضا، إلى جانب الجهود الرامية إلى دفع مثل هذه العملية على المسار الفلسطيني.

هناك كثيرون في تل أبيب يشيرون إلى حقيقة أنه أثناء إدلاء الأسد بتصريحات نارية ضد الكيان والولايات المحددة في الماضي كان يعود ويؤكد على أن سوريا خلافاً لحزب الله وإيران معنية جداً باستئناف العملية السياسية في منطقتنا، كما أن هدفها النهائي ليس القضاء على الكيان، وإنما التوصل إلى معاهدة سلام معها تحديداً أي كما أوضح الأسد في خطابه في السابع عشر من تموز 2007 أمام مجلس الشعب السوري في بداية ولايته الثانية كرئيس لسوريا، من أن سوريا تفضل استعادة لجولان من خلال اتفاق سلام حيث أن ثمن الحرب باهظ جداً، إضافة إلى ذلك وبعد انتهاء سبعة أعوام من توليه الحكم يبدو أن الرئيس الأسد بات رويداً رويداً الحاكم غير المنازع في هذا البلد مع أنه بطبيعة الحال لا يحظى بنفس المكانة التي كانت لأبيه، كما يبدو أنه ليس بإمكانه نشر الاحترام والخوف الذي بثه والده في أوساط المواطنين السوريين.

مع ذلك وفي غياب بديل آخر وبفضل سياسة تعددية مناهضة للغرب وللكيان يتربع الأسد على عرشه آمنا مطمئناً وهذا يعني أن بشار لديه القدرة إذا رغب بذلك على دفع عملية سلام مع الكيان إلا ينبغي إبداء بعض الملاحظات الآتية:

أولاً : صحيح أن بشار يعرب عن استعداده في التوصل إلى سلام مع الكيان غير أن هذا الاستعداد لا يواكبه أولا يعكس عزماً أو رغبة عارمة في السلام أي أن بشار ليس جائعاً للسلام بل ربما يكون صنع السلام يفوق حجم مقاسه من خلال كل ما ورد وضمن تفكير إبداعي ومن خلال قراءة صحيحة لخريطة الواقع الداخلي – الإسرائيلي والإقليمي والدولي أيضا.

ثانياً : كما هو حال أبيه في حينه بشار ليس مستعدا للقيام بخطوات لبناء الثقة تسهل على القيادة الصهيونية عملية حشد الدعم في أوساط الجمهور لعملية السلام مع سوريا وهكذا هو الأمر بالنسبة لقضايا أخرى مثل إعادة رفات الجاسوس إيلي كوهين إلى الكيان، ونقل لمعلومات عن المفقودين في الحروب الماضية، إغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية العاملة في دمشق والانفصال عن إيران وحزب الله – هذه جميعها ليست مطروحة على جدول الأعمال وربما يمكن التحدث بشأنها إذا كان هناك حديث ولكن بعد ضمان إعادة الجولان لسوريا فقط.

ثالثاً : حري بنا أن نتذكر ونُذكر أن الاستعداد لإقامة سلام مع الكيان لا يبشر بالرغبة في التغيير أو الاستعداد لتحول ما في السياسة السورية ضمن ساحات العمل المختلفة: أي السياسة الخارجية وكذلك سياسة النظام الاجتماعية والاقتصادية الداخلية.

من جهة أخرى وفي الوقت الذي سعى فيه الرئيس السادات الراحل عام 1977 صنع السلام من أجل إحداث تغيير كلي في الواقع المصري فإن هدف الرئيس السوري عكس ذلك تماماً أي منع حدوث أي تغيير والإبقاء على الواقع السوري كما هو، ولضمان استمرارية النظام البعثي في سوريا إن الصعوبة في استئناف المفاوضات الصهيونية السورية لا تكمن فقط بالمواقف السورية إذ يبدو أن حكومة تل أبيب هي الأخرى ليست معنية الآن لمناقشة وحسم موضوع الجولان.

صحيح أن هناك في الكيان من يعتقد أن سلاماً مع سوريا هو مصلحة صهيونية من منطلق الإيمان إن سلاماً مع سوريا من شأنه ضمان الهدوء على الجهة الشمالية والمساهمة في كبح جماح حزب الله في لبنان، وبشكل أساسي إغلاق الباب في وجه إيران ومنعها من دخول منطقتنا حيث تمول من خلاله وتزود وتوجه التنظيمات الفلسطينية وحزب الله، ويشار إلى أن هذا الأمر ينطوي على أهمية خاصة في ظل القلق من إمكانية حيازة إيران على أسلحة نووية بعد بضعة أعوام.

وضمن هذا السياق فإن الراغبين بالسلام مع سوريا على استعداد للقبول بعودة دمشق إلى لبنان لأن عودة السوريين إلى بيروت تعني أن تعود سوريا لتكون العنصر الفاعل والمسئول في هذا البلد غير أن مفاوضات مع سوريا قد تنطوي على مشاكل بالنسبة للحكومة الحالية عدا عن أن مفاوضات كهذه من شأنها أن تعرض الحكومة لانتقادات داخلية من جانب “لوبي الجولان” الذي يحظى بدعم واسع خارج الأطر الحزبية في أوساط الجمهور الإسرائيلي وبطبيعة الحال تقصير أيام هذه الحكومة.

من جهة أخرى فإن تصريحات شخصيات من حزب العمل لا تشير على ما يبدو إلى استعداد فعلي لدفع علمية سياسية مع سوريا في هذه المرحلة ويشار هنا إلى أن وزير الحرب باراك كان شريكاً في المرحلة الأخيرة والحاسمة للمفاوضات الصهيونية السورية في بداية عام 2000 – كما رفض براك منح سوريا السيطرة على ساحل طبريا مما قضى على هذه الجهود والآن هل أن براك عام 2007 على استعداد لمنح سوريا ما رفضه براك عام 200؟

يبدو لنا من هنا بأن تصريحات براك بشأن رغبته في استئناف المفاوضات مع سوريا هدفها احتياجات داخلية على ما يبدو وختاماً فإن الرئيس الأمريكي بوش يُعد شريكاً ضرورياً لأي حوار صهيوني سوري في المستقبل كما لا يزال يعتبر سوريا جزءاً من محور الشر دولة ينبغي محاربتها وليس التناقش معها وبالفعل فإن متحدثين أمريكيين خلال الأعوام الأخيرة أوضحوا مراراً تحفظات واشنطن من حوار صهيوني سوري مباشر باعتباره جائزة للرئيس الأسد وهي جائزة لا يستحقها.

صحيح أن الولايات المتحدة امتنعت عن المعارضة العلنية والرسمية لمفاوضات بين الكيان وسوريا إلا أنه واضح أنها لن تتجند لتحريكه ودفعه مما يعني أنه دون التزام لمفاوضات كهذه فإن فرص نجاحها صفر، من هنا فإن الاستنتاج هو أن الجميع يتحدثون عن خيار سوري وعن ضرورة دفع مفاوضات صهيونية سورية ولكن يبدو أن المهمة تفوق قدرات زعماء سوريا إسرائيل والولايات المتحدة مما يعني أن طريق الكيان الصهيوني وسوريا لا يزال طويلاً كما عهدناه .

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات