فتح والمتاجرة بدم صدام حسين
لا شك أن إعدام صدام حسين بهذا المشهد الطائفي المهين حرك مشاعر الملايين من المسلمين وغيرهم بغض النظر عما كان الموقف من صدام حسين.
ولا شك أن مشهد الإعدام الدرامي ولا سيما الذي صور بهاتف خلوي ترك انطباعا لدى الجماعات والأفراد ، وقد ترجمت هذه الانفعالات من قبل الجماعات والمؤسسات نشاطات شتى منها إقامة مجالس العزاء والمظاهرات المنددة هنا وهناك، أما من ناحية الأفراد فكان التعبير عن الموقف بكتابة بعض المقالات ولا سيما على مواقع الأنترنت ، أظهر كاتبوها مناقب صدام حسين ودوره في الصراع العربي الإسرائيلي وأنه دفع حياته ثمنا لهذه المواقف العظيمة.
إلى هنا يكون الأمر مشروعا ولا غبار علي فالتعبير عن المواقف السياسية المرتبطة بعواطف الجماهير لاينكره أحد وتكفله جميع الفعاليات المؤسساتية .
أما أن يتحول التعبير عن الرأي إلى الاتهام والتخوين والسب والشتم فهذا لا يرضاه عاقل، ويبدو أن مشهد إعدام صدام غدا متاجرة من بعض القوى السياسية لتصفية حسابات لها مع فرقاء آخرين، وعلى سبيل المثال لا الحصر ظهر ذلك جليا في الساحة الفلسطينية إذ كان وقع إعدام صدام كبيرا على الفلسطينيين أكثر من غيرهم، ربما بسبب مواقف الراحل صدام حسين من القضية الفلسطينية كما أنه جاء متزامنا مع أخبار المجازر الطائفية التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في العراق من قبل المليشيات الطائفية .
لا أحد ينكر خلاف حركة فتح مع حماس منذ وصول حماس للسلطة عن طريق صناديق الانتخابات في سابقة ندر مثيلها في دول العالم الثالث، وبعد وصول حماس للسلطة بدأ مسلسل الحصار المفروض على الحكومة واشتركت به أطراف دولية وعربية ومحلية هدفها حصار الحكومة ثم اسقاطها ، ودأبت الأطراف جميعها العمل على هذه الأجندة ، ولم تترك فرصة مواتية لها إلا وجربتها ولكن يبدو أن حكومة حماس عصية عن السقوط بسبب نزاهة الأصوات التي أوصلتها للحكم.
المتتبع اليوم لمشهد صدام حسين يرى أن القوى المناوئة لحماس ولا سيما حركة فتح اتخذت من إعدام صدام حسين مادة إعلامية خصبة لإثارة الشارع الشعبي ضد حماس ، فبرز عشرات الناطقين لحركة فتح منددين بحركة حماس واتهامها بالعمالة لإيران، كما ظهرت مئات المقالات والتصريحات العديدة والتي تتهم حماس بالانحياز للصف الذي أعدم صدام حتى يخيل للقارئ في بعض المقالات أن حركة حماس هي التي أعدمت صدام حسين!! وأن حركة فتح أصبحت الممثل الشرعي والوحيد للقوى السنية والسلفية !! وأن حركة حماس غدت ألعوبة بيد الصفويين والشعوبيين و الروافض وما إلى ذلك من تعابير تمتلأ بها المواقع المؤيدة لحركة فتح!!.
الاتهامات التي تكال بلا دليل من أجل سحب البساط من حركة حماس لا شك أنه ستصب أخيرا في صالح حركة حماس لعدة أسباب أهمها أن الحركة أول من ندد رسميا بالإعدام وتوقيته ، أما بالنسبة لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق فقد يظن القارئ لأول وهلة أن حركة حماس تركتهم يواجهون فرق الإعدام وحدهم، ولكن المتعمق في الأخبار يجد أن حماس وبالرغم من مشكلاتها الداخلية لم تنس فلسطينيي العراق فما من زيارة قام بها مسؤول من الحركة لدولة مجاورة أو مؤثرة في العراق إلا وكان ملف فلسطينيي العراق أول الملفات المطروحة وفي أول زيارة للسيد محمود الزهار لدمشق تم حل مشكلة بضع مئات من اللاجئين ممن كانوا عالقين في الرويشد إذ تم نصب مخيم لهم في منطقة الحسكة، كما وجهت حماس عدة نداءات للمراجع الشيعية العديدة في طهران والعراق من أجل إصدار فتاوى تحرم قتل الفلسطينيين هناك ، ولكن يبدو أن المشكلة أكبر من حماس والقوى الفلسطينية مجتمعة.
يتخذ المتاجرون بدم صدام من زيارة السيد إسماعيل هنية لطهران مادة إعلامية خصبة يدعون فيها أن حماس باعت نفسها لطهران وأن المساعدات التي وعدت بها إيران الحكومة الفلسطينية ما هي إلا شراء لحماس !! المتتبع للعلاقة بين حماس وطهران لا يجد فيها أي تبعية أو هيمنة أو سيطرة ولكن المشكلة أن الذين ينطقون بأسماء تنظيماتهم أو الذين يكتبون المقالات ويكيلون التهم لحماس إما أنهم محدودو الثقافة لا يطلعون على الأخبار أو أنهم لا يراجعون الدراسات التي رصدت كل هذه المواقف أو أنهم يعرفون ويحرفون.
إننا في خضم هذه المواقف العصيبة ، لسنا بحاجة إلى تحريف الأمور وإلى تغذية ثقافة الكراهية والحقد بين الشعب الفلسطيني والمتجارة بدماء صدام حسين من أجل إفشال برنامج حماس وما يرافقه من تأجيج النار، و زيادة الحصار على الشعب الفلسطيني، والتي لا يستفيد منها في النهاية إلا العدو الصهيوني .
على العاقلين في حركة فتح أن يبينوا لأتباعهم حقيقة الموقف وأن يمسكوا بزمام المبادرة قبل أن تأكل الحرب الأخضر واليابس، يوم لا ينفع الندم ، وعليهم أن يتذكروا قول الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي:
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت ْ فـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
* خليل الصمادي – عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ دمشق