التهدئة في غزة بين سياق الانتصار ومعاول الاغتيال

التهدئة والسياق
نعلم جيدا أن معركة حامية الوطيس تحرك غبارها ودخانها في غزة وسماء الأراضي المحتلة، وكان رائدها الشباب الغزي وحراك مسيرات العودة سعيا للعودة إلى الأراضي المحتلة ورغبة في رفع الحصار المطبق من الاحتلال ومن ينسق معه إلى حد النخاع بل وحد القداسة والتنسيق المقدس.
المعركة اشتعل ميدانها وأبدع فيها الشباب، لكن الاحتلال رد كما عودنا بعقلية المهزوم المأزوم المصدوم برد سافر إجرامي خالف كل القوانين الدولية والإنسانية.
ومع ذلك جرّ الاحتلال أذيال الخيبة والهزيمة وتأسف أرباب صفقة القرن على تعطلها، وصدموا حين أخطأ الكيان الصهيوني ورفع السقف بالقصف، فتدخلت المقاومة بشكل طبيعي لرد القصف بالقصف ولحماية الشباب والثوار من خرجوا بصدور عارية دون سلاح أو مدفعية.
أمام تدخل المقاومة كقوة الردع التي فاجأت قوة الاحتلال، سارع المشروع الصهيوني إلى التراجع بخطوة إلى الوراء ليفوز بخطوات، لما اضطر لقبول التهدئة منتظرا إياها من قبل الأطراف الخارجية ليخرج من عنق الزجاجة مدحورا محرجا بسبب حراك الطائرات الورقية، خصوصا أن الحرب بين الاحتلال وغزة أوانها ربما لم يحن ولم تستكمل شروطها ومعالمها، ومن زاوية أخرى وفي سياق خطوات تحقيق التهدئة كانت هناك عملية تحقيق المصالحة جارية رغم سياسة الاعوجاج والاستنكاف السلبي من قبل السلطة الفلسطينية.
التهدئة ومعاول الاغتيال
تزامن سياق المصالحة مع خطوات إنجاز التهدئة، لكن في خضم الأحداث والخسائر الصهيونية بسبب التهدئة التي تنم عن استسلام صهيوني، وظف الكيان الصهيوني “قاعدة استغلال الحدث” مثلما وظفها في مسار وخطوات المصالحة لعرقلتها باستغلال طرف السلطة الفلسطينية التي تعد جزءا من حصار الشعب الفلسطيني، وفي مرحلة ما قبل التهدئة يستغل الاحتلال مسار التهدئة ويوظف نفس القاعدة لانتهاز الفرصة ليعود منها بنفع ونصيب عبر بوابة الإعلام والترويج الكاذب وليحقق خطوات في شيطنتها واغتيال روح وعمق انتصارها لصالح غزة من خلال معاول ثلاثة:
أولا : تزييف الوقائع
زَيَّفَ الاحتلال الوقائع ولَفَّقَ الأحداث ووَجَّهَ الانتصارات وخطوات التهدئة لصالحه لإقناع الرأي العام الإسرائيلي والعربي والغربي بأن التهدئة هي ربح لإسرائيل وانتصار لها، وبالتالي فالتهدئة بين غزة تفتل في صفقة القرن التي خطط لها منذ مدة لإيجاد حل لغزة إنسانيا. فالاحتلال يريد أن يوظف حدث التهدئة لصالحه ويوهم الجميع أن التهدئة هي انتصار واختيارلصالحه، وليس اضطرارًا، بل هو ما كان مخططًا له سابقا حسب تعبير الاحتلال، وهو عين الكذب والتزييف.
فالطائرات الورقية هي التي أربكت الصفقة وعطلت مشروعها التصفوي الذي تدرج من قرار ترامب إلى نقل السفارة، إلى قانون القومية، إلى التفكير في إنهاء غزة والمقاومة وفصلها عن الضفة، ثم بعدها تصفيتهما، وهذا الأخير هو ما فقهته وعيًا القوى الحية في غزة، وتنبهت له خصوصا بعد تصريحات حكام العرب بضرورة إنهاء القضية والدعوة إلى الخرس والصمت ليتدخل القادة العرب لتقديم الحل.
فالعقل الصهيوني يريد أن يوحي إلى ضعاف النفوس أنه انتصر، وفعل فعلته، وساوم حماس وغزة، وخرج بصفقة مع غزة في إطار سياق صفقة القرن وخطوات تنزيلها بعد حصار وخنق وحركة عسكرية دامية.
هذا التدليس و الدهاء الصهيوني النابع من تحطم أهدافه وفشل غاياته، أراد من خلاله التأثير على الصف الداخلي والنسيج الفلسطيني والقيادي بفلسطين، لاتهام حماس وغزة بالسقوط في صفقة القرن وتهدئة تنازلية.
ثانيا : تفعيل الأبواق العربية المطبّعة
تسابقت أبواق عربية خليجية بمعية القنوات والإعلام العربية الخليجية إلى تلقف الخبر والرواية الصهيونية لإيهام الأمة والشعوب أن غزة لم تنتصر، بل متورطة في المساومة الفردية مع الاحتلال لتنفيذ صفقة القرن الساعية سابقا لإيجاد حل للضفة وغزة عبر فصلهما ثم إغاثة كل منهما إنسانيا وماديا.
وأظن أن الأبواق العربية المطبعة السياسية والفكرية كانت متلهفة لهذا التلفيق لحجب عمق الهزيمة الصهيونية، والتغطية عن النتائج الإيجابية لمسيرات العودة وحراك غزة، بل وتسابقت الأبواق المطبعة إلى شيطنة وتخوين حتى الوسيط في عملية التهدئة وهي قطر واتهامها بالعمالة مع الكيان الصهيوني تطبيعا ومساومة وتقربا.
ثالثا: توظيف سلطة عباس لاغتيال التهدئة
الطرف الثالث المجاهر بتخوين وشيطنة عملية التهدئة هو الطرف الفلسطيني المنسق مع الكيان بهدف اغتيال التهدئة، فتسابقت أطراف فلسطينية محسوبة على السلطة الفلسطينية إلى تشويه الهدنة والتهدئة وخندقتها في زاوية صفقة القرن وتعميم أكاذيب التهدئة إعلاميا وسياسيا كمساومة تخوينية بين حماس والاحتلال.
وهذا الفعل المعيب هو ديدن من يعشق التقسيم الفلسطيني ويموت صبابة في التنسيق الأمني الصهيوني، يبحث دوما عن نقاط الانتصار والجمع الفلسطيني ليجعلها مفتتة مقسمة تخدم الأجندة الصهيونية.
التهدئة بين المهزوم والمأزوم:
قلنا سابقا إنّه يمكن تقييم الحدث أو الفعل من خلال سياقه وروابطه ومجرياته، فالتهدئة سياقها تأتي كنتيجة لمسيرات العودة وتحرك شباب غزة الذي سعى إلى كسر الحصار بطريقته مما أدى إلى تدخل الاحتلال بشكل إجرامي ومهزوم، لإنهاء التحرك لكنه فشل خصوصا بعد تدخل المقاومة للرد على العدوان العشوائي للاحتلال على غزة ومسيراتها.
فالتهدئة يمكن أن تلخص فعلا إيجابيا صنعته مسيرات العودة بمعية الحاضنة القيادية والمقاومة وتختصر رد فعل صهيوني مهزوم، يستدعي فيه الطرف المأزوم الفلسطيني التنسيقي لعرقلة التهدئة.
فكأن المهزوم والمأزوم يعانيان من شوكة مسيرات العودة ويحتالان على خطف نشوة النصر من شباب غزة والشعب الفلسطيني لتمييع التهدئة وعرقلتها وبعثرت نتائج مسيرات العودة التي أكسبت مربعات مهمة للحراك في غزة و للمقاومة وبعثرت الأوراق على أرباب صفقة القرن.
بعبارة أخرى؛ التهدئة نتاج صناعة للفعل من قبل صُنَّاعِ الفعل ومنتصرين وثائرين دفعوا الاحتلال إلى الرضوخ والاستسلام لتنزيل وتفعيل ما اتفق عليه في هدنة 2014، ومن أراد تعطيل التهدئة وعرقلة سيرها والتي تعد ربحا للشعب الفلسطيني فهو من عداد الأوراق الصهيونية وهو في الحقيقة عينه يدرج ضمن آليات صفقة القرن الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وكل مقومات حراكها ومقاومتها.
باختصار التهدئة تكون بين منتصر ومهزوم، لا بين منتصر غالب وصهيوني مهزوم، يصحبه رفيق درب مُنَسَّقٍ مأزوم.
ما كان المطلوب من السلطة الفلسطينية؟
كان المطلوب من السلطة الفلسطينية والأصوات الفارّة من الحقيقة أن تفرح بالوصول إلى مرحلة التهدئة، وتبتهج بانتصار مسيرات العودة وحراك غزة الذي دفع الاحتلال إلى الرجوع إلى مربع الصفر للجلوس على طاولة التفاوض، كمنهزم مقابل صاحب حق وأرض منتصر في مسيرات العودة.
كان المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تترحّم على شهداء غزة، وتقدم الاعتذار لغزة وشبابها وطاقاتها لغياب سلطة رام الله عن محور المواجهة في غزة عوض أن تكون يد عون للاحتلال من خلال فرض العقوبات وتشويه مسيرات العودة وضرب عمقها واعتبار قيادتها يتلاعبون بأرواح الشهداء حسب بعض التصريحات السلطوية الشاباكية.
كان المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تؤازر وتعين مسيرات العودة عِوَضَ محاولة إرسال العون الإغاثي إلى كواتيمالا التي أقرت نقل سفارتها إلى القدس كما فعلت نظيرتها أمريكا.
كان المطلوب من السلطة الفلسطينية تقبيل جبين المقاومة التي صفعت الآلة العسكرية الصهيونية، وتبارك حراك غزة الذي وجّه البوصلة، وحدّد من جديد أن الرهان الوحيد للحل الفلسطيني والأمة هو الشارع والمقاومة بدل التنسيق الأمني واتفاقيات آلت إلى بيع فلسطين وتهويد القدس واعتقال العشرات من الشباب بفضل جهود التنسيق الفلسطيني الصهيوني الشاباكي.
كان من المطلوب من السلطة الفلسطينية قبل أن تحاول عرقلة التهدئة وما سيتم الاتفاق عليه بين غزة والاحتلال أن تتواضع وتخرج أولا من تاريخ مظلم باتفاقيات منذ عهد أوسلو إلى التنسيق الأمني الصهيوني.
كان المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تنزع عنها الأنانية والفردانية في القرارات واللقاءات الرسمية المركزية قبل محاولة الولوج إلى التهدئة.
أسئلة محرجة. .
كيف ليدٍ ملطخةٍ بالتنسيق مع الكيان الصهيوني وساهمت في خنق غزة وحصارها اتباعا لتوصيات واتفاقيات أوسلو والاحتلال، أن تطالب بالشراكة في تحقيق تهدئة كانت نتاج حراك شعبي شبابي ضد خنق غزة وحصار غزة والاحتلال؟
هل ينفع أن يشارك الفارض للعقوبات والحصار في تهدئة حقق مخرجاتها شباب ناضل ضد الاحتلال وضد من نسق فلسطينيا لخنق غزة وفرض العقوبات؟
الجلاد لا ينفع أبدا أن يكون يوما نصيرا أو مدافعا عن الحقوق؛ بل هو إما في حالة سارق للأفراح، أو هو راقص على الجراح؟
أما عن دعاية السلطة الفلسطينية بأن حماس والمقاومة تسقط في صفقة القرن ورمي البندقية إن هي حققت التهدئة لوحدها، فنقول: بل السلطة الفلسطينية هي الأكثر نجاعة لمشروع صفقة القرن.
فإذا كانت غاية صفقة القرن تصفية القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة، فإن أول من تنازل على جزء كبير من فلسطين للاحتلال هي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وإن من قام بعقد شراكات التنسيق مع الكيان الصهيوني بـ99 في المائة هي السلطة الفلسطينية للتقويض من جهود المقاومة والحراك في الضفة والقدس وغزة.
وإذا كان من غايات صفقة القرن تقسيم النسيج الفلسطيني وتصفية غزة والمقاومة فيها، فإن أشد من قَسمَ الشعب الفلسطيني وعاقب غزة وحاصرها وفرض العقوبات عليها هي السلطة الفلسطينية، فهي المعرقل للتهدئة والمصالحة الوطنية وهي الفاعل المحاصر الخادم للأجندة الصهيونية.
وفي الأخير يقولون غزة وحماس تريد خيانة الشعب الفلسطيني وعقد صفقة القرن سرا،
ونقول: إن المقاومة قدمت البديل عن صدقها ولم تتلكأ يوما عن الدفاع والذود عن الشرعية والقدسية، بل وقدمت الشهداء والغالي وكررت المواجهة والمعارك، ولم تُبَدِّلَ تبديلا كما بَدَّلَ الآخرون في اتفاق أوسلو، حين وضعوا البندقية وباعوا فلسطين بل وزادوا تطبيعا وخضوعا حين وافقوا على التنسيق الأمني تقديرا وتقديسا، لمواجهة المقاومة وشرارات الانتفاضة وحصار غزة.
الذمم الصادقة
وأخيرا نلخص تاريخا وتجربة دون انقطاع أن الذمم الصادقة الغزية المقاومة وال
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...