زمن الجدران

الجدار ليس مجرد بناء من مداميك عدة، فهو طالما رمز إلى مواقف وظواهر سياسية وثقافية. فقد وصف من فقد الحَوْل والقوة أن ظهره إلى الجدار، ووصفت النهايات المأساوية بأن من عاشوها ارتطموا بالجدار الأخير، كما أن الجدران لعبت دور الصحف في لحظات إنسانية ووطنية حرجة. كتبت عليها شعارات وآراء، وهي أيضاً التي عُلّقت عليها أيقونات وصور موتى وأحياء، وفي الأزمنة الصعبة التي انعدمت فيها الحرية قيل إن للجدران آذاناً تصغي وقد تشي بما تسمعه..
وفي اجتياح بيروت عام 1982 كتب محمود درويش ملخصاً الدراما كلها يقول: أدافع عن جدار ليس لي.
وفي أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا كتب جان بول سارتر قصة بعنوان “الجدار”، ثم قال في كتابه الذي دوّن فيه يوميات الاحتلال وهو “جمهورية الصمت” إن فرنسا هاجرت من الأرض إلى الجدران، فكانت الجدران مملوءة باسمها وأناشيد حريتها. ويعرّف أهل المَسْرح ومن كتبوا عنه، الخشبة بأنها لا تظهر إلا عندما يسقط الجدار الرابع، وهناك كتاب لأنيس منصور عن المسرح سماه “يسقط الحائط الرابع”.
وفي ألمانيا التي هُزمت في الحرب العالمية، صار الجدار الفاصل في مدينة برلين مصطلحاً ورمزاً لكل انفصال، وأخيراً بدأت الجدران تأخذ أشكالاً أخرى، بدءاً من الجدار العنصري العازل الذي شيدته الدولة الصهيونية ليشطر كل قرية وأحياناً كل شجرة وحجر في فلسطين، وآخر تجليات ومبتكرات جدران ما بعد الحداثة، هذا الجدار الفاصل في شارع محمد محمود في قلب القاهرة الذي أقامته القوات المسلحة بين الناس والشرطة.
هناك جدران تسقط وأخرى تقوم، كما أن هناك شعوباً تتحد وتبحث عن حدّ أدنى من المشترك السياسي أو الأمني والاقتصادي مقابل شعوب تتمزق رغم وفرة القواسم المشتركة بينها.
وأهم ما في هذه الجدران ذات الدلالة السياسية والرمزية أنها بلا أبواب ونوافذ، لأنها يجب أن تكون صماء وعازلة ويصعب اختراقها.
وما نخشاه هو أن تتحول الجدران إلى فلسفة جديدة، بحيث تقوم بالعزل والفصل في زمن التواصل وعبور كل الحدود.
لكن هذا النمط من الجدران يبقى هشاً وسريع الهدم لأنه أولاً بلا سقف أسمنتي أو حتى فكري، ولأنه ثانياً يعبّر عن رؤى سلبية إزاء التاريخ، فالحضارات ما كان لها أن تنمو وتزدهر إلا بسبب التواصل والتلاقح والحوار، فهل أعيد بناء الجدران على اختلاف الدوافع كرد فعل على هذا التواصل الإنساني؟ أم أنها تعبير رمزي عن القطيعة؟
وما من جدار عاش إلى الأبد، فالجدران على موعد دائم مع السقوط، سواء بفضل التعرية التاريخية أو الجغرافية أو بفضل الإنسان الذي اكتشف عدم جدواها وأن ما تهدف إليه قد يتحول إلى عكس المبتغى من تشييدها.
وهذه الجدران العازلة بين الأعداء، أو بين الأشقاء الألداء تخلو من الصور أو أية ملامح إنسانية دافئة لأنها محاطة بالبارود والتهديد بالموت، وأذكر أن حارساً على الجدار العازل بين قبرص اليونانية والتركية حاول ذات يوم الانتحار، لأنه اكتشف من خلال مهنته أنه ليس هنا وليس هناك، وليس يونانياً وليس تركياً.
في عصر تساقط الجدران القديمة بين الأعداء، تنهض جدران جديدة بين الآباء والأبناء.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...