الثلاثاء 13/مايو/2025

العدوان على غزة والاحتمالات الصعبة

إبراهيم المدهون
من المعروف أن السياسة فن الممكن، والحروب صوت السياسة فلا حرب من غير أهداف استراتيجية كبرى، وقد تأتي الحرب في سياق رد فعل كبير على أحداث ليست بالخطيرة لتنفيذ أمر واسع، وعادةً تشتعل الحروب بشكلٍ مدروس من قبل الطرف الأقوى وتنتهي لنتائج غير مدروسة، والاحتلال الذي يحرص على شن حروب استعراضية لم يعد يستطيع فعل ذلك بسبب التغيير في معادلة القوة.

الواقع الحالي في قطاع غزة يخدم الاحتلال أكثر من أي عدوان مهما كانت نتائجه، بل ربما تصب المواجهة لصالح تحسين واقع غزة، فالقطاع يعيش واحدة من أقسى فترات الحصار الذي أصاب أدق مفاصل الحياة الاقتصادية في غزة، كما أن البيئة السياسية والاجتماعية آيلة للتفكك بسبب مصالحة تترنح وتتهاوى باستقواء طرف على طرف، وبالتلاعب بأخطر ملف وهو “قوت الناس وأرزاقهم” مما ينذر بارتكاسةٍ أشد وأقسى من الانقسام نفسه.

تعتمد سياسة الاحتلال في قطاع غزة على أمرين اثنين، الأول وقف الصواريخ بشكلٍ كلي، والثاني إبقاء الحصار الخانق الذي يمنع تعاظم المقاومة العسكرية والتقنية، وهذان الأمران لا يمكن جمعهما، فطالما هناك حصار فلن يستقر القطاع، ولن يستطيع أحد ضبط الصواريخ.

التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة تجاه غزة وحماس تأتي في إطار الحرب النفسية، وإن يُلحظ تسخين حقيقي لجبهة غزة إلا أن قرار العدوان معقد جداً ويعتبر مغامرةً إسرائيلية قد تتحول لفرصة فلسطينية لإعادة النصاب الحقيقي للقضية.

المقاومة من جهتها غير معنية بمواجهة عسكرية مع إسرائيل وستحاول تجنبها، ولكنها في الوقت ذاته تستعد لها وتتأهب وتحتاط، ورجالها متوثبون إذا ما هوجمت غزة، وسيدافعون بشرفٍ حتى آخر قطرة من دمائهم.

ما يحدث تجاه قطاع غزة هو حرب حقيقية حتى وإن لم تترجم بفعل عسكري كبير، وهذه الحرب موجهة ضد الشعب الفلسطيني وقواه ومحاولات نهوضه، مع العلم أننا جميعا بمركب واحد ولن يتضرر طرف دون آخر، لهذا ليس من الحكمة التردد وتغليب المصالح الحزبية والفئوية، فإسرائيل تحاول إيهام المجتمع الدولي والفلسطيني أنها تتقصد حماس وهذه حيلة قد تنطلي على البعض والتي مفادها أنه في مأمنٍ من تداعيات ما يحدث، إلا أنه سيكتشف أنه يدفع الثمن، وأن تردده ومواقفه الباهتة لن تنجيه.

حتى اللحظة البيئة الإقليمية والدولية لا تسمح بحربٍ واسعة على قطاع غزة، وفي الوقت نفسه تعقيدات الواقع الميداني تحتم على نتنياهو تجنب هذا الخيار، لهذا الحذر من تهويل وتضخيم كل خبر أو تصريح إسرائيلي، مع أخذ المقاومة أقصى درجات الحيطة والحذر من قبل العسكريين والسياسيين الكبار، لإفشال أي مباغتة وضربة خاطفة تفجعنا، وتحسباً لأسوأ الاحتمالات، وفي الوقت نفسه المحافظة على خطابٍ إعلاميٍ متزنٍ ومُطمْئن يقلل من ترويع الناس، ويعمل على تثبيتهم ورفع روحهم المعنوية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات