هل خسرت أميركا نفوذها في الشرق الأوسط؟

ويرى هاس أن تاريخ الشرق الأوسط شهد دورا رئيسيا لأميركا في رابع فترة للهيمنة من قبل أطراف خارجية. إذ كانت الفترة الأولى في عهد الإمبراطورية العثمانية التي استمرت حتى الحرب العالمية الأولى، ثم جاء الحكم الاستعماري الفرنسي والبريطاني بين الحربين العالميتين، وجاءت بعده الحرب الباردة التي تنافست فيها موسكو وواشنطن، ثم تقاسمتا النفوذ بينهما. وجاء انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990 ليدفع أميركا إلى احتلال المركز الأول، وتتمتع بما يسميه ريتشارد هاس «نفوذا غير مسبوق وحرية تصرف مطلقة». غير أن هذا العصر اقترب الآن من نهايته بل ربما انتهى فعلا. ويتنبأ هاس أن تدخل المنطقة في مرحلة يكون فيها «دور اللاعبين الخارجيين ذا أثر محدود في حين تزداد أهمية القوى المحلية».
ومن حقنا التساؤل حول صحة ما يقوله هاس وما إذا كان قد تسرع في حكمه وكان تحليله متأثرا بأخطاء رئاسة جورج بوش وتهورها. ترى هل تستعيد أميركا سلطتها في عهد إدارة جديدة؟ إنها أسئلة بالغة الأهمية بالنسبة الى المنطقة.
ربما صح القول مبدئيا إن أميركا على رغم إخفاقاتها الأخيرة ما زالت لا تواجه أي تحد جدي لنفوذها في الشرق الأوسط من قبل أي دولة خارجية أو من قبل مجموعة دول. أجل إن حرب العراق تستحق أن توصف بأنها كارثة كبرى، ولكن ليست هناك دولة أخرى في العالم تستطيع أن تتحمل صرف خمسمئة بليون دولار ونشر 140 ألف جندي لمدة غير محدودة.
ربما يأمل الاتحاد الأوروبي أن يكون مركز الثقل المقابل لأميركا، غير أنه ظهر جليا أنه أخفق في وضع سياسة خارجية أو دفاعية موحدة. فأعضاؤه منقسمون تتجاذبهم تيارات شتى، وقد اختلفوا حول الموضوعات المهمة كحرب العراق والنزاع العربي – الإسرائيلي وكيفية مواجهة الحركات الإسلامية. ولقد انحازت بريطانيا إلى أميركا في شأن العراق وتخلت عن شركائها الأوروبيين تاركة الانقسام يسود صفوفهم. وبرزت الصين بفضل نموها الاقتصادي الخارق كخصم استراتيجي لأميركا خصوصا في شرق آسيا. وهي حقا منافس قوي جدا في السباق العالمي المحموم على المواد الأولية. وحققت اختراقات عميقة في افريقيا حيث يعمل حاليا نصف مليون صيني معظمهم في مواقع العمران والبناء.
غير أن مشاركات وتحالفات الصين الاقتصادية لم تترجم بعد إلى مصدر قوة كالتي تملكها أميركا بفضل أساطيلها الكبرى في البحار وشبكة قواعدها العسكرية في أنحاء العالم وتفوقها التكنولوجي.
وأما الاقتصاد الروسي فقد تحسن على صعيد موارد النفط والغاز ولكن ما زالت روسيا بعيدة جدا عن استعادة النفوذ الكبير الذي كان لها في الشرق الأوسط بوصفها مصدرا للأسلحة ودولة عظمى تحمي العديد من الدول العربية.
وأما بالنسبة الى اللاعبين المحليين الذين يتنبأ هاس بأنهم سوف يزدادون نفوذا، فيصعب أن نرى بأي لاعبين يفكر؟ فالعرب غالبا ما يتناحرون وهم أكثر انقساما من الأوروبيين. ومازالت ثروتهم النفطية – التي هي سلاحهم المادي الوحيد – غير مستثمرة لأي غرض سياسي.
وأما إيران فهي تشكل تحديا جديا للقوة الأميركية غير أن طموحاتها تبدو محلية ودفاعية. فهي تسعى لكسر العزلة المصطنعة التي فرضتها عليها أميركا وتريد الاعتراف بها كلاعب رئيسي في الخليج وكحامية للأقليات الشيعية في كل مكان. وهي على الصعيد الحربي تسعى للحصول على الوسائل التي تمكنها من مواجهة أو ردع أي هجوم عليها – لكي تتجنب دمارا كالذي أصاب العراق – ولا تسعى إلى مهاجمة الآخرين.
وأما اللاعبون من غير الدول كـ «حزب الله» و «حماس»، فإنهم لا يشكلون بأي صورة تحديا جديا لأميركا. فنزاعهم هو مع إسرائيل ومع ما سمحت أميركا لإسرائيل بفعله في لبنان وفي الأراضي الفلسطينية. وطموحاتهم محدودة بمجتمعاتهم، فإذا ما عولجت شكاواهم المشروعة توقفوا عن كونهم مصدرا لأي تهديد.
فما دامت أميركا إذن لا تواجه تحديا جديا في المستقبل القريب لا من داخل المنطقة ولا من خارجها فربما استعادت مركزها ونفوذها. أجل لا شك أن أميركا مكروهة اليوم على الصعيد الشعبي في العالمين العربي والإسلامي بل إنها موضع اشمئزاز في الكثير من الأوساط. ولن تتردد الحركات النضالية في توجيه ضربة لها إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وينظر كثير من العرب بشيء من الشوق والحنين إلى عهد الرئيس ايزنهاور الذي وضع حدا للعدوان الثلاثي (البريطاني – الفرنسي – الإسرائيلي) على مصر عام 1956، بل وإلى عهد الرئيس كارتر الذي وإن كان لم يستطع أن ينهي سوى نصف المهمة – حين وضع معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية – لكنه بذل جهدا شجاعا لحل النزاع العربي – الإسرائيلي بكل أطرافه. لذلك فما على أميركا أن تفعل لاستعادة مصداقيتها وثقة العرب سوى أن تعترف بما ارتكبته من أخطاء. وربما كان الخطأ الأكبر الذي ارتكب خلال ربع القرن الماضي هو السماح لإسرائيل بتوسيع مستوطناتها على الأراضي الفلسطينية. فليس هنالك عائق امام حل النزاع العربي – الإسرائيلي واندماج إسرائيل في المنطقة أكبر من النصف مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وقد أدى التآكل القاسي الذي أصاب ما تبقى من فلسطين إلى نشوء حركة «حماس» وإلى ازدياد مشاعر العداء نحو أميركا في العالمين العربي والإسلامي.
والخطأ الآخر الذي ارتكب في عهد الرئيس رونالد ريغان هو السماح لإسرائيل باجتياح لبنان عام 1982 وقتل ما يزيد عن 17 ألف لبناني وفلسطيني. بل حاولت أميركا أن تكافئ إسرائيل على اجتياحها حين حاولت إكراه لبنان على توقيع صلح منفرد مع إسرائيل كي يبقى في فلكها. وحين أخفقت هذه المحاولة سمحت أميركا لإسرائيل بالبقاء في جنوب لبنان طيلة 18 سنة حتى عام 2000. وهذا الاجتياح والاحتلال هما اللذان أديا الى قيام «حزب الله».
والخطأ الثالث الذي وقعت فيه أميركا هو فشلها في إقامة علاقات صداقة مع إيران طيلة 27 سنة، منذ جاءت الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، بل إنها ساندت العراق في الحرب الطويلة والوحشية بين العراق وإيران (1980-1988). وحين ثارت ثائرتها بسبب احتجاز الديبلوماسيين في السفارة الأميركية في طهران طيلة 444 يوما، في بداية الثورة، وقعت في فخ العداء الصارخ تجاه دولة هامة في المنطقة، وهي تدفع ثمن هذا الخطأ بالتحدي الإيراني حول الموضوع النووي.
وأما الخطأ الرابع والأفدح قياسا بالأخطاء الثلاثة فهو في رد فعل بوش المتسرع وغير المتوازن بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فالحرب على العراق لأسباب واهية واحتيالية انتهت إلى كونها خطأ كارثيا، وقد تم شنها وسط الأجواء المحمومة آنذاك لتلقين العرب درسا حول قوة أميركا وللطمع بالسيطرة على موارد العراق النفطية الهامة، ورغبة في تحسين وضع إسرائيل وبيئتها الاستراتيجية بضرب دولة عربية كبرى. وكان هذا الهدف الأخير في ذهن المسؤولين الموالين لإسرائيل في الإدارة الأميركية.
فهذه الحرب – و»الحرب الشاملة على الإرهاب – التي هي جزء منها، لم تبدد الموارد الأميركية البشرية والمادية فحسب، بل إن الأذى أصاب المستوى الأخلاقي الأميركي وربما إلى غير رجعة.
وما على أميركا أن تفعله اليوم هو أن تستعيد استقلال سياستها الخارجية وتتحرر من نفوذ أصحاب اللوبي والمصالح الخاصة. وعليها أن تعاقب أولئك المسؤولين عن انتهاك حقوق الإنسان وعن التعذيب. وعليها أن تحدد موعدا نهائيا لانسحابها من العراق، وأن تبذل كل جهد وكل الامكانات لحل النزاع العربي – الإسرائيلي على أسس من الإنصاف والعدل.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...